كيف يستغل الإخوان ومتشددون ليبيون ديمقراطية بريطانيا؟

كيف يستغل الإخوان ومتشددون ليبيون ديمقراطية بريطانيا؟


24/06/2020

في العام 2015، أصدر السفير البريطاني السابق في المملكة العربية السعودية، جون جينكينز، تقريراً عن حالِ الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية في بريطانيا، وخلص التقرير في حينه إلى أنّ الجماعة تشير في علاقاتها داخل بريطانيا وخارجها ومن خلال مؤيدين لها، إلى تطرف محتمل.

ولكن في ذلك الحين، تمت مهاجمة تقرير جينكينز، وعُدَّ تحاملاً على الجماعة، إلا أنّ أصداء مؤيديها ممن تطرفوا في مصر وليبيا ودول أخرى ظل حاضراً إلى اليوم، وقد عادت الأصداء بعد عملية منطقة ريدينغ مؤخراً، التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أبرياء وإصابة 3 آخرين، وقبلها بثلاثة أعوام في 2017، حادثة تفجير في حفل غنائي في مانشستر أدى لمقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً وإصابة العشرات، وحوادث أخرى وقعت ما بين عامي 2017 و2020، تفتح الباب على بريطانيا وسياساتها تجاه المتشددين، خاصة بعدما أشارت صحيفة "تايمز" البريطانية مؤخراً، وصحف أخرى، إلى العلاقة المعقدة بين الإسلاميين المتشددين وبريطانيا، والتساؤل عن احتمالية تكرار أخطاء تلك العلاقة مع متشددين ليبيين ارتكب أولهما حادثة تفجير الحفل الغنائي، والثاني مسؤول عن حادثة ريدينغ قبل أيام.

الديمقراطية والتساهل

لا يمكن لوم دولة تحاول التعامل مع لاجئيها وسكانها بنوع من المساواة على أساس ديمقراطي، غير أنّ مناخ الحرية كما يبدو من حالة بريطانيا مع المتشددين والمتطرفين خلال الأعوام  الماضية، تؤشر إلى أنّ احتضان هؤلاء وإعطاءهم الفرص على أسس إنسانية لم يعد أمراً مقبولاً، فقبل حادثة خيري سعد الله في ريدينغ، تجيء حادثة تفجير الحفل الغنائي من قبل سلمان العبيدي -ليبي أيضاً- كأدلةٍ على أنّ هؤلاء الأشخاص الذين وصفوا في بعض الأروقة الإعلامية والرسمية البريطانية بأنّهم "منفردون" في عنفهم، باتوا يشكلون ظاهرة متكررة تكشف عن عقلية عنيفة وليس عن تصرفات فردية غريبة.

صحف بريطانية تسأل الحكومة عن تعاملها غير الحازم مع جماعات وأشخاص يشتبه كونهم إرهابيين

وتساءلت صحيفة "التايمز" البريطانية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري؛ "كيف يتم أحياناً السماح لليبيين ممن لجأوا لبريطانيا منذ فترة الثورة الليبية ضد القذافي، وقبلها من معارضين قدماء له، بالبقاء في البلاد خاصة أنّ للعديدين منهم انتماءات متطرفة، مثل الانتماء للجماعة الليبية المقاتلة في ليبيا سواء قبل أو بعد اللجوء لبريطانيا ومن ثم يمارس بعض هؤلاء العنف في بريطانيا؟".

احتضان متشددين وإعطاؤهم الفرص على أسس إنسانية لم يعد أمراً مقبولاً في ظل عقلية متطرفة تجمعهم وتؤدي لأعمال عنيفة

وترى الصحيفة أنّ تعامل المؤسسات البريطانية الأمنية والسياسية غير واضح مع هؤلاء، مما قد يؤدي إلى حوادث مثل حادثة ريدينغ، وقبلها حادثة مانشستر التي اتهم فيها ليبيان آخران مع سلمان العبيدي، وتطلب الصحيفة إعادة النظر في العلاقة مع متطرفين ليبيين داخل بريطانيا، وهو ما يقود أيضاً، إلى العديد من المؤسسات التعليمية والمتذرعة بالدين والخيرية في بريطانيا، التي تمارس نشاطات مادية ومعنوية معقدة، ومعظمها يديرها إخوان مسلمون، وتشكل للعديد من المتطرفين نوعاً من العقلية التي يمكن لهم أن ينطلقوا منها في تبرير بعض أعمالهم العنيفة والمتطرفة.

وكانت "بي بي سي" أشارت إلى مثال عن النشاطات المشبوهة لجمعيات رجال الدين التي يغلب عليها هذا الطابع الإخواني، إذ حدث في 2018 أن نشرت الصحيفة تقريراً عن نشاط رجل الدين الليبي الصادق الغرياني "وجمعه أموال تبرعات يشتبه في ذهابها إلى جماعات ليبية متطرفة تقاتل في ليبيا"، إضافة إلى حوادث أخرى سابقة مشابهة.

وسائل إعلام  بريطانية أشارت إلى نشاطات مشبوهة لجمعيات يغلب عليها الطابع الإخواني

ويعيد هذا المتابع مرةً أخرى إلى مربع الإخوان في بريطانيا وإشرافهم المباشر وغير المباشر في جمع أموال طائلة لا يُعرف أين يتم تصريفها عادة، وغالباً ما يُشاع أنّها ذهبت لمقاتلين متطرفين في ليبيا وسوريا مثلاً.

وبالعودة إلى بريطانيا، فإنّ سياستها الديمقراطية لم تحمها من إرهابيين ليبيين، إذ سمحت قبل العام 2013 لشخص يدعى أبو أنس الليبي باللجوء إلى أراضيها في إحدى الفترات وكان تم الاشتباه به إرهابياً منذ 1998، وقد "استجوب نواب البرلمان البريطاني في 2013 وزيرة الداخلية السابقة تيريزا ماي عن أسباب السماح لشخص كأبو أنس باللجوء لبريطانيا" وفق "سكاي نيوز "في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2013، إذ تم الكشف بعد مغادرته بريطانيا لاحقاً "عن كتيب كَتَبه يضم طرق تنفيذ عمليات انتحارية واغتيالات" بحسب المصدر نفسه، حيث عاد أبو أنس للقتال في ليبيا آنذاك. لكن هل استفادت بريطانيا من تجربة أبو أنس، أم أنّها كان يجب أن تنتبه قبل حادثته بزمن إلى خطر مثل هؤلاء الأشخاص؟

التاريخ وتكرار الأخطاء

إنّ الأغرب من حادثة أبو أنس الليبي، حادثة سابقة لم تستفد منها بريطانيا ربما، رغم ملابساتها الغريبة، إذ تم في 2004 وبمعلومات من بريطانيا، اعتقال عبد الحكيم بلحاج، الرجل الذي قام منذ التسعينيات بتأسيس "الجماعة الليبية المقاتلة" من أجل إسقاط حكم القذافي، وكان "بلحاج ممن قاتلوا في أفغانستان نهاية الثمانينيات، فعاد وفرَّ إليها بعدما سحق القذافي نهاية التسعينيات تلك الجماعة التي عملت ضده، ليعود مرة أخرى بعد سقوط نظام القذافي ويشرف على جماعات متشددة قاتلت في ليبيا، ثم ينسحب بعد ذلك حسب زعمه، ليصبح رجل أعمال ينبذ العنف، ومن ثم وفي العام 2018، اعتذرت الحكومة البريطانية له وعرضت عليه تعويضات مالية، بعد زعمه أنّه تعرض للتعذيب بعد اعتقاله في 2004". وذلك وفق ما قالته "الشرق الأوسط" في 2018.

تساؤلات عديدة اليوم فيما إذا كان الإرهاب يستغل الديمقراطية

غير أنّه، ورغم مزاعم بلحاج بكونه "لم يعد على علاقة بالتنظيمات المتشددة فإنّ علاقاته مع القاعدة منذ أيام أفغانستان، وكذلك الشكوك والغموض اللذان يحيطان به "يثيران الشكوك حول انسحابه من عالم العنف والتشدد، وفق رأي كلاوديا غازيني، كبيرة محللي الشأن الليبي بمؤسسة "إنترناشيونال كريسيس غروب" والتي تحدثت عن بلحاج في 2017.

 

تعود الحكومة البريطانية كل مرة للتحذير من خطر إرهابيين في أراضيها وكأن الأمر جديد!

وربما يشكل اعتذار بريطانيا لبلحاج، خطوة للوراء في التعامل مع مروجي العنف والإرهاب في ليبيا وأماكن أخرى من العالم، خاصة أنّه ومنذ بداية الربيع العربي، عانى العالم العربي من أحداث دموية، وظهور تنظيمات عنيفة مزّقت ليبيا وسوريا واليمن، وقيل إنّ وراءها دولاً، وأيضاً أشخاصاً امتهنوا التشدد، مثل بلحاج وغيره.

اقرأ أيضاً: الصحف البريطانية تتساءل عن علاقة بلادهم بالمتطرفين.. ماذا قالت؟

بعد هذه الحوادث الأليمة، التي يتسبب بها هؤلاء، سواء في بريطانيا أو ليبيا أو أماكن أخرى، تعود الحكومة البريطانية للتحذير من خطر إرهابيين في أراضيها، وكأن الأمر جديد أو مستغرب، رغم "اعترافها منذ 2018 أنّها "كانت على تواصل بأفراد كانوا عناصر سابقين في تنظيم القاعدة انضموا إلى جماعات مقاتلة شاركت في ثورة ليبيا. وأوضحت الحكومة حينها أنّ هذه السياسة التي اتبعتها أجهزة الأمن البريطانية عرفت باسم الباب المفتوح، وسمحت لمواطنين بريطانيين من أصل ليبي بالعودة إلى ليبيا للمشاركة في القتال خلال الثورة" بحسب موقع "218" العام 2018، حيث تمت إثارة قضية حساسة وهي أنّ "هؤلاء العناصر الذين تعاملت معهم بريطانيا كانوا على علاقة مع العبيدي منفذ تفجير مانشستر، وربما إرهابيين آخرين" وفقاً للمصدر ذاته.

وكمحاولة للإجابة عن سر هذه العلاقة الغريبة والمتقلبة وغير واضحة المعالم من قبل بريطانيا تجاه إرهابيين ليبيين محتملين فوق أراضيها، وسماحها لجماعات كجماعة الإخوان وغيرها التواجد في أراضيها، فربما تكن الإجابة بوجود مصالح لبريطانيا في ليبيا مثلاً، وهذه المصالح الاقتصادية والسياسية، من هذا الباب، ربما يدعمها "تجديد الحكومة البريطانية دعمها للمؤسسات الشرعية المعترف بها دولياً في ليبيا في ضوء اتفاق الصخيرات السياسي" بحسب وكالة "سبوتنيك" في نيسان (إبريل) الماضي.

 

الديموقراطية البريطانية لا تعني وجوب التغاضي عن نشاطات في أراضيها قد تساعد البعض على التطرف كنشاطات جماعة الإخوان

والمقصود بالجهات المعترف بها، حكومة الوفاق تحديداً، رغم التهم الكبيرة والمتكررة لها برعاية ميليشيات إرهابية مسلحة، وكذلك مؤخراً، الحصول على دعم تركي غير مشروع في ليبيا لتأجيج القتال والحرب هناك. فكيف إذن تتسق معاناة بريطانيا الاجتماعية والإنسانية من عنف الإرهاب، مع عدم وضوح موقفها من جماعات وأشخاص يشتبه كونهم إرهابيين أو يدعمون الإرهاب؟ هذا السؤال، متروك لمسؤولي بريطانيا أنفسهم، علهم يجيبون عنه في الأيام القادمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية