كيف يمكن امتحان صلابة "المصالحة الخليجية"؟

كيف يمكن امتحان صلابة "المصالحة الخليجية"؟


10/01/2021

مع دخول أول قطري إلى السعودية، أمس السبت، عبر منفد سلوى الحدودي، ومع إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة فتح كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة مع الدوحة، تكون أولى الثمرات العملية لقمة العُلا قد ظهرت إلى العلن، وغدت أمراً ملموساً يكشف تقدّم النوايا الصادقة على الحسابات السياسية التي أضرمت الشكوك والخلافات بين قطر والدول الأربع المقاطعة.

بيان العُلا أعاد إلى الأذهان أهمية مواصلة الجهود الصادقة والمخلصة، ومواصلة البناء على ما سبق من خطوات وإنجازات مهمّة على الصعيدين الخليجي والعربي

وأعلن وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، خالد عبدالله بالهول أنّ بلاده ستبدأ بإنهاء كافة الإجراءات المتخذة تجاه دولة قطر بموجب البيان الصادر في 5 حزيران (يونيو) 2017، عقب توقيع "بيان العُلا" المتضمن اتفاق التضامن الدائم، "والذي يعد إنجازاً خليجياً وعربياً يعزز من وحدة الصف الخليجي والعربي والإسلامي وتماسكه"، كما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية (وام).

وقال بالهول إنّ دولة الإمارات ستعمل على إعادة فتح كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة، وإنه تم توجيه الجهات المعنية في دولة الإمارات بهذه الإجراءات التي سيبدأ تفعيلها اعتبارا من 9 الجاري.

وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، خالد عبدالله بالهول

وأضاف بأنّ دولة الإمارات ستعمل مع دولة قطر على إنهاء كافة المسائل العالقة الأخرى من خلال المحادثات الثنائية.

وقالت الهيئة العامة للطيران المدني إنها ستستأنف الرحلات الجوية المجدولة وغير المجدولة بين الدولتين بالتنسيق مع هيئات الطيران المدني وشركات الطيران الوطنية في دولة الإمارات.

الاتحاد الدولي للنقل الجوي يرحب

ورحب الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) بتوقيع بيان العُلا خلال اجتماع الدورة 41 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الثلاثاء الماضي، وإعادة فتح الحدود الجوية والبرية والبحرية مع دولة قطر.

وبحسب صحيفة "البيان"، تمهد هذه الاتفاقية الطريق أمام شركات الطيران لاستئناف الربط الجوي الإقليمي والعالمي الذي يقلص أوقات الرحلات، ويخفض التكلفة التشغيلية على شركات الطيران، ويوفر روابط جوية أساسية تدعم صناعة السياحة والسفر في جميع أنحاء المنطقة.

اقرأ أيضاً: هذا ما قاله قرقاش عن مخرجات قمة العلا والقضية الفلسطينية والأزمة اليمنية

ويثير البيان الختامي لبيان قمة العُلا التاريخية، كما قالت افتتاحية مركز الإمارات للبحوث للدراسات الإستراتيجية، في الأنفس والعقول مجموعةً من الأولويات التي نشأ المجلس لأجلها، وما زال يسعى إلى تحقيقها حتى يومنا هذا؛ إذ يأتي على رأس هذه الأولويات ضرورة تعزيز التضامن الخليجي وبلورة سياسة خارجية موحدة تجنِّب دول المجلس والدول العربية بالمجمل، الصراعات التي تسعى بعض دول الإقليم إلى تأجيجها.

بيان "العُلا"، الذي أعاد إلى الأذهان أهمية مواصلة الجهود الصادقة والمخلصة، ومواصلة البناء على ما سبق من خطوات وإنجازات مهمّة على الصعيدين الخليجي والعربي، يضع الأطراف كافة أمام استحقاقات ومسؤوليات كبيرة، تتطلّب العمل على تعزيز وحدة الصفّين الخليجي والعربي وتضامنه، في سبيل مواجهة أي مهددات إقليمية تؤدي إلى إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في المنطقة والإقليم.

اقرأ أيضاً: الإخوان وإيران وتركيا.. ثلاثي خاسر من قمة العلا

وترى الافتتاحية أنّ هذا الأمر الذي يستدعي ضرورة توحيد الرؤى والمواقف من أجل تعزيز وحدة الصف والتماسك، وعودة العمل الخليجي والعربي المشترك إلى مساره الطبيعي، بما يحفظ الأمن ويرسّخ التعاون في المجالات الاقتصادية والدفاعية والأمنية، ويستدعي بلورة سياسة خارجية فاعلة تحفظ مصالح الخليجيّين والعرب، وتحمي مكتسباتهم وتحقق طموحاتهم.

قواعد عدم التدخل

وأشارت إلى تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية، الدكتور أنور قرقاش، في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء الماضي، بأنّ "دولة الإمارات العربية المتحدة وضعت ثقتها بالمملكة العربية السعودية في قيادة العملية التفاوضية"، وأنّ "الفكرة هي محاولة وضع قواعد عدم التدخل، والاتفاق على القضايا التي تمسّنا جميعاً، بما في ذلك التطرف والإرهاب، وهي جزء لا يتجزأ من الاتفاق"، فضلاً عن ضرورة تعزيز مسارات الثقة والالتزام بترسيخ القيم الثابتة في المواقف والقرارات المشتركة بين دول المجلس تجاه قضايا الإرهاب والتطرف، ونبذ أشكالهما وصورهما ودوافعهما كافة، مهما كان مصدرهما، وذلك انطلاقاً من رؤية الدولة القائمة على أنّ أمن دول مجلس التعاون هو مرتكز أساسي للأمن القومي العربي، وجزء من مفهوم الأمن الجماعي العربي.

وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الدكتور أنور قرقاش

ويلحظ من يتأمل القضايا، التي بحثتها أعمال الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون، بحسب الافتتاحية، أنّ المجلس لم يُغِفل قضيتين محوريتين وتهمّان كل إنسان خليجي وعربي على حدٍّ سواء، الأولى تتعلق بتأكيد مواقف دول المجلس الثابتة من القضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب والمسلمين الأولى، ودعم سيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران (يونيو) 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والثانية هي تأكيد أهمية الشراكة الإستراتيجية مع المملكة المغربية، وتأكيد مواقفه وقراراته الثابتة في دعم سيادة المغرب ووحدة أراضيه، وتأييد الإجراءات التي اتخذتها المملكة لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة لـ "الكركرات" في الصحراء المغربية.

أهمية إعادة بناء الثقة

وأكدت افتتاحية مركز الإمارات أنّ دولة الإمارات تعتبِر على الدوام أنّ أمنها واستقرارها لا يتحققان إلا في إطار أمن واستقرار المنطقة، وهو ما يُبرز الحاجة إلى أهمية إعادة بناء الثقة؛ ليتمكن جميع الأطراف الخليجية من إقامة علاقات شفافة وقوية، وخاصة أننا "أمام فرصة حقيقية يجب البناء عليها"، كما قال قرقاش، "خصوصاً في هذه المرحلة التي تنظر فيه دولتنا بتفاؤل تجاه التضامن العربي، الذي أكّده بيان (العُلا) وشدد على طيّ صفحة الماضي بما يحفظ أمن واستقرار الخليج العربي، وعدم المساس بسيادة وأمن أي دولة، وتنسيق المواقف السياسية لتعزيز دور المجلس، ويؤصل مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل، بما يرسخ دعائم أمن المنطقة ويردع كل من يحاول المساس فيه، خصوصاً أولئك الذين يدعمون الجماعات والميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، التي تؤجج النزاعات وتستهدف المدنيين، وتشكّل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي".

قرقاش: دولة الإمارات وضعت ثقتها بالمملكة العربية السعودية في قيادة العملية التفاوضية، ووضع قواعد عدم التدخل، والاتفاق على القضايا التي تمسّنا جميعاً

وعلى الرغم من سيادة أجواء التفاؤل المتصلة بنتائج قمة العُلا، إلا أنّ بعض المحللين والمراقبين السياسيين، يتريثون في الحكم على مآلات المصالحة وصلابتها، التي يحدّد نجاحها الكاتب الأردني فهد الخيطان في صحيفة "الغد" بالماكينة الإعلامية؛ فـ"إعلام الطرفين سيكون أداة القياس لمدى نجاح القمة في احتواء الخلافات، فإذا شهدنا تهدئة على جبهة القنوات الفضائية يغدو ممكناً الحديث عن تقدم أكبر في المرحلة المقبلة، أما إذا استمر التراشق الإعلامي على حاله، فذلك مؤشر قوي على أنّ ما حصل في العلا مجرد قمة مجاملات فرضتها ضرورات الوساطة الأمريكية لإدارة توشك على الرحيل".

ويرى الخيطان، بنبرة حذرة أنّ "سنوات الأزمة الثقيلة راكمت ملفات خلافية عميقة لا يمكن تجاوزها بسهولة، ورتبت تحالفات وحسابات يصعب تخطيها دون إرادة قوية لتقديم تنازلات متبادلة تضع وحدة مجلس التعاون الخليجي أولوية على سواها من المصالح".

التعبير الرمزي للعناق

بيْد أنّ الكاتب في صحيفة "التايمز" ومراسلها لشؤون الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، يرى أنّ عناق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، "جاء بمثابة تعبير رمزي على أنّ الصدع المرير الذي وضع دول الخليج في مواجهة بعضها البعض لمدة ثلاث سنوات ونصف قد انتهى".

ويمكن الآن، بحسب سبنسر "استئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية، ويمكنهم مرة أخرى محاولة تشكيل جبهة مشتركة بشأن (القضايا الكبرى) في المنطقة، مثل كيفية التعامل مع إيران والصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

اقرأ أيضاً: "البيت الخليجي" .. من فكر زايد إلى "العلا"

ويبقى الملف الإيراني أكثر الملفات سخونة وإشكالية في وجه إتمام المصالحة بشكل يبدد المخاوف لدى الكثيرين، فعلى سبيل المثال، أكد البيان الختامي لقمة العُلا على مكافحة الجهات التي تهدد أمن دول الخليج، وسمى تحديداً "استمرار التدخلات الإيرانية".

ويشكك مراقبون، كما أفادت صحيفة "العرب" اللندنية في مدى جدية قطر تحديداً في ما يتعلق بمواجهة التهديد الإيراني، بعدما عززت الدوحة علاقاتها بشكل وثيق مع طهران خلال سنوات المقاطعة مع جيرانها على الأصعدة كافة.

اقرأ أيضاً: هذه أهم بنود بيان "قمة العلا"... ما أبرز ردود الفعل الدولية؟

ويرى المحلل توبياس بورك، من معهد الخدمات الملكية المتحدة، أنّ "قطر ترى أنّ أنشطة إيران الإقليمية خطيرة ومزعزعة للاستقرار، ولكن في الوقت نفسه فإنّ الإبقاء على علاقات ودية مع طهران، لاسيما في ما يتعلق بإدارة حقل الغاز المشترك بينهما هو أمر ضروري للغاية ووجودي بالنسبة إلى الدوحة، ولهذا فإنها تتوخى الحذر".

وأصرت السعودية على أنّ الاتفاق يعني أنّ الأسرة الخليجية ستكون قادرة على مواجهة التحديات "التي تحيط بنا، خصوصاً التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ الباليستية ومشاريعه التخريبية الهدامة". في المقابل، هنأت طهران قطر على "نجاحها في مقاومتها الشجاعة مقابل الضغط والابتزاز"!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية