لبنان .. بين عقدة السياسة وولاءات السياسيين

لبنان .. بين عقدة السياسة وولاءات السياسيين


14/04/2021

لبنان في حراك مستمر لا يكاد يهدأ، وقبل أية ثورة في سياق ما سمي بالربيع العربي الذي بدأ قبل عشر سنوات تقريباً، وبعد ذلك أيضاً، ظل حالة استثنائية في السياسة العربية، مختلفة عما يجاورها من دول محمومة وساخنة في سوريا والعراق، على سبيل المثال، فما حدث في لبنان ويحدث قد نسميه أية تسمية سوى أن يكون ثورة، عقدة سياسية تتسم بالاستعصاء المؤبد، أو أزمة سياسية تنتجها عقيدة سياسيي لبنان الذين لا يرون في بلدهم سوى أنه ساحة شركة أو مصرف أو كرسي زعامة أو شاشة كبيرة يطلون من خلالها على واقع صعب وشعب يعيش ظروفاً أصعب.

لبنان لم يعد موجوداً على الساحة، لا أحد فيما يبدو يعبأ بما يحدث فيه من قلق وارتباك في المشهد على المستوى السياسي وتبعات ذلك على المشهد الاقتصادي والاجتماعي.

 

في لبنان لا حلَّ وسطاً حتى لو استمرت الأزمة والعقدة أشهراً

بالصدفة اطلعت على تقرير لإحدى الفضائيات اللبنانية تحاول رصد آراء الشباب اللبناني بما يحدث، استوقفتني كلماتهم التي تحمل بذور الغضب الصعب، الغضب المكبوت الذي يعتمل في الصدور، وهم يحاولون تحليل المشهد بأنّ الأحزاب السياسية والدينية على السواء حولتهم إلى غنيمة، المجتمع اللبناني كله تحول إلى غنيمة للسياسيين والحزبيين الذي يتجاذبون أطراف لبنان من خواصره، دون انتباه لمعاناة الناس وصعوبات الحياة في ظل وباء كورونا.

أذكر أنني سمعت صديقاً لبنانياً يقول إنّ الفيروسات السياسية في لبنان وباء أشد على الناس، ونحن كمجتمع وشباب ومستقبل، المطعوم الوحيد الذي لا أعتقد أنه سيكون شافياً تماماً، ففي لبنان أفواه شرهة للغاية، وبطون نهمة، لا يمكن أن تشبع، ولو كان مقدراً لها أن تشبع لشبعت منذ سنوات طويلة مارست خلالها كل أنواع الصفقات لحسابات شخصية لا تعنيها حسابات لبنان دولةً وشعباً.

اقرأ أيضاً: هل تفرض أوروبا عقوبات على مسؤولين لبنانيين؟

هذا البلد متروك جانباً، ثمة أحداث أكثر تعقيداً ربما، أو أنّه أقل تأثيراً حتى يحظى بنصيب مهم من الاهتمام العالمي، والصحافة العالمية والإعلام العربي على السواء، فلا تكاد تجد مقالة أو خبراً أو تقريراً حول ما يحدث من استعصاء هناك؛ حالة حركة، ومربكة، وحكومة مستعصية مثل كل الحكومات السابقة التي طال أمد تشكيلها ثم بقيت محتفظة بنصيبها من الرفض والاستهداف واستعصاء العمليات الحكومية بعد تشكيلها.

من المفارقات أن يجتذب لبنان شيئاً من الاهتمام الأوروبي، فرنسا تحديداً، التي أعلنت أنها غاضبة جداً من نخبة لبنان السياسية وطبقتها الحاكمة والمتحكمة بصيرورة الأمور. يقال إنّ الموقف الفرنسي هو أعنف موقف إلى الآن تواجهه لبنان، أو يواجهه سياسيو لبنان، ورد ذلك على لسان وزير خارجيتها حين قال "إن فرنسا ستلجأ إلى اتخاذ تدابير محددة بحق الذين فضّلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد، والأيام المقبلة ستكون مصيرية، وفي حال لم تتخذ هذه الأطراف قرارات ملائمة، سنقوم من جهتنا بواجبنا"!

 

مدخرات السياسيين اللبنانيين من الوطنية والضمير الوطني ثمة ما يعلو عليها

لبنان أصبح واجباً فرنسياً، هذه علامة فارقة حقاً، كل ما يحدث داخل لبنان تحول إلى واجب فرنسي لمواجهته وإصلاح أعطابه، أما واجب اللبنانيين من نخبة حاكمة وطبقة سياسية مشغولة بهوامش القضية لا بصلبها، ورتوشها لا بجوهرها، واجبها أن تبقى محافظة على هذا القدر من الإخفاق والاستعصاء، وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها تشكيل حكومة لبنانية مستعصياً إلى هذا الحد، وإن كان أطول زمانياً، سبعة أشهر وزيادة.

لماذا هذا الاستعصاء، لماذا هذه الأزمة، ببساطة لأن مدخرات السياسيين اللبنانيين من الوطنية والضمير الوطني ثمة ما يعلو عليها، لست لبنانياً، لكني أتابع هذا المشهد المختلف عن أي مشهد سياسي عربي آخر، دائما السياسيون يتفقون على حل لأية معضلة تواجه مصالحهم، فيشكلون حكوماتهم بمحاصصات ومكتسبات ترضي الجميع، إلا في لبنان، يتفق السياسيون على أية معضلة لأي حل قد يجده أحدهم، فهذه العقدة السياسية تحتاج إلى هكذا عقيدة سياسية متصلبة.

اقرأ أيضاً: تقهقر "عدالة" لبنان بين الاغتيال والقضاء

لا يمكن أن يكون الحرص على لبنان بهذا الشكل المَرَضي والوبائي الخطير، ومن أي طرف إلا إذا كانت كل أبعاد هذا الحرص شخصانية عنيدة، لا مجال أمامها للتفاوض أو التنازل أو حل الوسط، في لبنان لا حل وسط، حتى لو استمرت الأزمة والعقدة سبعة أشهر.

ربما يئس المحللون من تتبع خيوط العقدة السياسية اللبنانية، وأصاب الكتّابَ الملل، حتى اللبنانيين منهم، يبدو أنهم منحوا أنفسهم إجازة من الكتابة عن لبنان، حتى ينكشف الغطاء عن العقدة التي هي بالأساس ليست عقدة سياسية، إنها عقيدة سياسيين مأزومين بالأنانية والنفعية على حساب وطن.

 

لبنان لم يعد موجوداً على ساحة الاهتمام فلا أحد فيما يبدو يعبأ بما يحدث

ماذا يعني أن يختلف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي لم تتشكل بعد على صيغة الحكومة وعدد وزرائها، بين أن تكون تكنوسياسية من علبة السياسيين أنفسهم، أو حكومة تكنوقراط، اختصاصيين مستقلين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ومرجعياتهم الحزبية والأيديولوجية، المهم أنّ اختيارهم يكون على أساس كفاءات علمية وتقنية ومعرفية، باعتقادي يعني كل هذا أن سياسيي لبنان ليس لديهم ما هو أهم من بقائهم، حتى وإن ذهب لبنان إلى النار أو الثورة أو "إلى حيث ألقت رحالها أم قشعم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية