لبنان ومظلومية الطائف

لبنان ومظلومية الطائف


18/07/2021

عبدالله الجنيد

لبنان القريب البعيد، الأنيق بأهله والمتعثر بتاريخه السياسي الاجتماعي، هو الآن على عتبة الانهيار الكلي مهما حاول البعض تصوير أن الإنقاذ ممكن. ومهما تعثرت رحلة إدراك وقبول ذلك، إلا أنها حتمية فشل الجغرافيا السياسية واجتماعياً في التصالح مع تاريخ من إنتاجها الخاص مهما تعددت الأعذار.

عام 1987 كنت في استقبال بعض المعارف المنتسبين الجامعيين المستجدين من البحرين، وفي طريق العودة من مطار بيروت تبادلت وأحدهم طرفة، استدعت بعض الضحك، وتصادف ذلك والمرور بمخيم برج البراجنة. سائق سيارة الأجرة افترض أننا نضحك من واقع المخيم، ووبخنا حتى دون سؤالنا عن مدعاة ضحكنا. إلا أنه لم يدخر تأنيباً في قاموسه الطائفي الخاص، من فرض الغريب (الفلسطيني) عليهم من قبل العرب، وكيف أن أموال الخليجي هي سبب ذلك. طبعاً ولكوننا في حيز سياسي مغاير لوسط بيروت، أمسكت الضيوف عن الرد.

حتى اليوم لا زال اللبناني يقدم خصوصيته الطائفية أو العرقية على حسابه الخاص حتى بعد رفعه شعار «كلن يعني كلن»، لينكفئ ذلك الشعار على عقبيه بعد أن اُخضع الشعار لإرادة شيوخ الطوائف. تلك الخصوصية لم تعد حالة لبنانية بالمُطلق، فهي حاضرة في أكثر من جغرافيا عربية، إلا أنها الأكثر حرجاً في المعادلة اللبنانية لأن المفاضلة قائمة بين تقبل الفشل السياسي أو الحرب الأهلية. فكيف لنا أن لا نتفهم ذلك ونقبل بالعودة إلى ما قبل الطائف أو ملخص سائق الأجرة من المطار إلى بيروت.

الطائف هو شماعة شيوخ الطوائف حتى عندما قررت سويسرا ودول أوروبية أخرى تجميد أرصدة حاكم مصرف لبنان المركزي بتهم عدة من بينها تبيض الأموال أو تحديد مصادرها.

ففي حين يبلغ متوسط صرف الليرة مقابل الدولار 22 ألفاً، وجدنا حاكم مصرف لبنان المركزي يحول عشرات الملايين من الدولارات لحسابات في الخارج، في حين يمنع اللبناني بسحب دولاراته من حسابه الخاص من المصارف اللبنانية. تلك الحادثة ذكرتني بأخرى من أيام عملي لأحدى المؤسسات المالية الدولية، وأتذكر زيارة لمصرف اليمن المركزي، حينها اكتشفت أن الرئيس وبعض خاصته يصرف لهم الدولار بالسعر الرسمي، وهم يبيعون تلك الدولارات في السوق الموازي أو يجرى تحويلها لحسابات خاصة. ولن أثقل عليكم بتفاصيل التوصية التي قدمتها للمكتب الإقليمي حينها.

هل يمكن إنقاذ لبنان أو قبول ابتزاز اللبنانيين في المفاضلة بين استدامة الفشل أو الحرب الأهلية، أو هل سيأتي اليوم الذي سيعترف فيه اللبناني أنه هو من سبب ذلك الواقع بتخليه عن «كلن يعني كلن».

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية