لحظة الخليج على مفترقات الإقليم والعالم

لحظة الخليج على مفترقات الإقليم والعالم


11/01/2021

طوني فرنسيس

كانت قمة دول مجلس التعاون الخليجي نقطة مضيئة في العمل الجماعي الخليجي والعربي. فهي أعادت جمع أعضاء المجلس بعد خلافات عميقة أدت إلى قطيعة شاملة بين غالبية الأعضاء ودولة قطر، وتوصل القادة المشاركين فيها إلى اتفاق على بيان تفصيلي، وقّعوه جميعاً، هو بمثابة برنامج عمل لهذه المجموعة العربية الفاعلة والمؤثرة .

وفي الواقع أن اجتماع المجلس الأعلى الخليجي هو حدث بحدّ ذاته. فالعالم كله يفتقر إلى لقاءات مباشرة بسبب جائحة كورونا، ولأسباب أخرى تتصل بالخلافات السياسية. وفي السنة المنصرمة، فرض الوباء شللاً واختصاراً على نشاطات الأمم المتحدة، واستُعيض عن الاجتماعات الحافلة بمؤتمرات التواصل عن بُعد، وهذا ما تم في مؤتمر قمة العشرين الذي استضافته المملكة العربية السعودية، إلا أن ظروف التواصل المفروضة لم تمنع تبادل الآراء واتخاذ القرارات المهمة. وهذا ما حصل في قمة العشرين، ومن ثم في قمة الاتحاد الأوروبي وقمة دول "آسيان".

وفي مسلسل الاجتماعات الدولية والإقليمية المهمة، احتلت القمة الخليجية موقعها البارز. فالدول المشاركة تتحكّم بقسط رئيس من موارد العالم الأساسية، وهي تقيم على تقاطع طرقات عالمي شديد الحساسية جيوسياسياً واستراتيجياً، وعلاقاتها التي انتظمت في إطار مجلس التعاون قبل أربعين عاماً (1981)، فرضتها حاجتها إلى التكامل في ما بينها، وظروف التنازع الإقليمي الذي اشتد بعد سيطرة الخميني على السلطة في إيران وسياسته في تصدير النزاعات الطائفية وتحريك الأطماع التاريخية .

وعلى الرغم من ظروف الجائحة، حرص القادة على الحضور شخصياً إلى العلا في المملكة العربية السعودية. وفي قرارهم هذا، أضافوا بُعداً إنسانياً إلى اجتماعهم التاريخي، وأعطوه صدقية حاسمة في الظرف الذي يعقد فيه.

فالخلاف بين قطر والمجموعة الخليجية قطع شوطاً بعيداً من التفاعلات المسيئة للعمل الخليجي والعربي المشترك، ولذلك كان لقاء الشيخ تميم، أمير قطر وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعناقهما وجولتهما المشتركة في العلا، تتويجاً لنجاح المصالحة وطيّ صفحة الخلاف. وسبقت ذلك الجهود الشخصية التي قام بها أمير الكويت الراحل الشيخ صباح ثم خليفته الأمير نواف والمسؤولون الكويتيون، والتي لم تنقطع منذ 2017، في سبيل إعادة اللحمة إلى علاقات الأشقاء.

قد تدخل التفاصيل السابقة في باب شكليات القمة، وهي شكليات مهمة قطعاً وترقى إلى أهمية التوقيت والبيان الصادر في 117 بنداً. فاختيار موعد اللقاء لحظة وصول التوتر في المنطقة إلى ذروة جديدة نتيجة التهديدات والتدخلات الإيرانية من جهة وعشية انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، كان اختياراً مدروساً وموفقاً.

فهذه هي اللحظة ليقول الخليج العربي رأيه ويحدد ثوابته تجاه نزاع يهدد الأمن الإقليمي والعربي والدولي. وفي لحظة لا بد من أن يكون الموقف الخليجي موحداً وهو ما حصل وتم تأكيده في بيان المبادئ، إذ عبّر المشاركون عن أولوياتهم. فهم لا يريدون من إيران إلا أن تكون دولة جوار طبيعية لا تهدد الأمن العربي، ويريدون أن يكونوا شركاء في أي بحث دولي بشأن ملفها النووي وامتداداته، ويتمسكون بعدم التدخل في شؤون الأمن القومي الخليجي والعربي.

ولم تكن إيران مرتاحة للقمة ونتائجها، فسياستها هي نقيض لكل اللغة العاقلة التي انتهجتها، وعلى عكسها رحبت تركيا بخلاصات القمة، ما يفتح أبواباً لاستعادة علاقاتها الطبيعية مع الدولة الفاعلة في الخليج والمنطقة العربية .

لقد أعاد قادة الخليج الاعتبار إلى جوهر القضية الفلسطينية، وفي البنود الخمسة التي خصصوها لها (66/62)، اعتبروها قضية العرب والمسلمين الأولى، وشددوا على التزام بنود المبادرة العربية، ومضمونها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حقوق اللاجئين... وبديهي أن هذا الموقف يختلف عن طروحات صفقة القرن التي عمل عليها جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب الذي كان حاضراً كضيف في القمة.

وفي المقررات أيضاً، تأكيد على استعادة الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلّها إيران ودعم للعراق وحكومته برئاسة مصطفى الكاظمي في مواجهة الإرهاب والميليشيات المسلحة (البنود 91/88)، وتأكيد على التمسك بالحل السياسي في سوريا على قاعدة بيان جنيف والقرار الدولي 2254 الذي ينص على قيام هيئة انتقالية للحكم تدير البلاد وتعمل لصياغة دستور جديد تحضيراً لانتخابات عامة. ودانت القمة الوجود الإيراني وتدخلاته وطالبت بخروج إيران وحزب الله والميليشيات الطائفية الموالية لطهران من سوريا (البنود 96/92) .

لم تشِر القمة إلى الدور التركي في سوريا أو في ليبيا، ودعمت القرارات الدولية وجهود السلام ووقف النار في البلدين، مثلما اقتصر البند الخاص بلبنان (97) على انتظار ما سيقوله المواطنون، معربةً عن أملها في "أن يستجيب اللبنانيون لنداء المصلحة العليا والتعامل الحكيم مع التحديات التي تواجه الدولة، وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب اللبناني".

رسم الاجتماع العربي الخليجي في الخلاصة سقفاً يتعدى المصالحة أهميةً. فقد أرسى للخليج موقعاً صلباً في لحظة الاختيارات والتغيرات الإقليمية والدولية، ووضع الأساس لعمل عربي أشمل يفترض أن تتبناه جامعة الدول العربية في القمة العربية المنتظرة. فالخليج وتحالفاته، من مصر إلى الأردن والمغرب، باتا اليوم النواة الصلبة لأي عمل عربي مشترك وفعّال .

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية