لحظة عربية تاريخية

لحظة عربية تاريخية


03/02/2020

عبدالله السويجي

تمخّض الجبل فولد فأراً، هذا المثل ينطبق تماماً على خطة ترامب (العظيمة) بشأن السلام في الشرق الأوسط. كل الدعاية التي سبقت الإعلان عن صفقة القرن، أو مهزلة الخطط، أثبتت أنها جوفاء، ولا تساوي الجهد ولا الحبر الذي كُتبت به، لم يقل شيئاً جديداً، لا ترامب ولا وكيله في الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو، وما فعله الاثنان كان عملية تلخيص لما سبق من تصريحات وأفكار وأمنيات. والمبادرة التي سمّاها ترامب «رؤيتي»، وأحيانا «خطّتي»، تتماشى مع تضخّم «الأنا» لدى الرجل، وفي الحالتين، كانت عبارة عن شؤم في شؤم، لا خير فيها ولا مساواة ولا عدالة لسبب بسيط، أن هذه الرؤية تعاملت مع الفلسطينيين كحالة اقتصادية فقط، وليس كشعب يطمح أن يبني دولته المستقلة ويقرر مصيره بنفسه.
ولا ندري إن كانت معارضة عضو مجلس الشيوخ السيناتور بيرني ساندرز والسيناتور إليزابيث وارن حقيقية أم أنها تقع ضمن اللعبة الديمقراطية، بحيث يجب أن يكون هناك من يعارض الخطة من أهل البيت الأبيض، كما أننا لا ندري إن كانت معارضة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ستدخل مرحلة الفعل ولا تبقى مجرد كلام.. لا ندري، لأن السياسة هي فن المداهنة والدبلوماسية وركوب الموجة أمام هدير الرأي العام، والأدلة كثيرة.
لقد سبق للرئيس ترامب أن أعلن موقفه الصريح بشأن المستوطنات، ولم يكن ضدها، رغم أنها تُبنى على أرض فلسطينية، لم يعارضها بدعوى أنها تتعلق بالأمن القومي لل«إسرائيليين»، وأنها، كما أشيع، ستكون المستوطنات للسلطة الفلسطينية، بعد إقرار الحل، أو في أسوأ الأحوال، تكون تحت السيادة الفلسطينية، لكن خطة ترامب جاءت لتوضّح الموقف أكثر بقوله إن المستوطنات باقية وثابتة في أماكنها.
لقد سبق لترامب أيضاً الإعلان أن القدس عاصمة للدولة الصهيونية، وكانت التسريبات تقول إنه يعني القدس الغربية، لأنه بنى السفارة الأمريكية في القدس الغربية، والفلسطينيون يتحدثون عن القدس الشرقية، وجاءت المبادرة أو الخطة لتحسم الشك باليقين، بأن القدس عاصمة موحدة لل«إسرائيليين».
وهذا الموقف جديد، وقد شدّد ترامب على أن المدينة (غير مجزّأة) أكثر من مرة. لم يتطرق ترامب أو نتنياهو لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وهذا التجاهل يعني أنهم ليسوا ضمن الخطة، وكما أشيع سابقاً على ألسنة الأمريكيين و«الإسرائيليين» بأن على الدول المضيفة للفلسطينيين توطينهم في أماكنهم، وهكذا تكون الصورة قد اتضحت بالكامل، ما يعني أن لا عودة للاجئين إلى أراضيهم، وستستقبل الدول المضيفة لهم هذا التوجّه بأساليب متعددة.
تفاصيل الخطة باتت معروفة، والرد العربي جاء من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة قبل يومين ، أن «لا لصفقة القرن» ، وهي لا تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وتتجاوز حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية و ضمن حدود 1967 والتمسك بمبادرة السلام العربية التي أعلنت في بيروت في العام 2002، والتي وصفها شارون آنذاك بأنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، وقد تكون هناك مواقف جريئة بمعناها السلبي والإيجابي.
أما الرد الفلسطيني، وربما هذا ما يهمنا، فهو حتى الآن ليس واضحاً، فتصريحات محمود عباس بشأن نفض اليد من العلاقات مع»إسرائيل» والولايات المتحدة تحتاج إلى تفعيل ، فالرجل اختار المفاوضات ومن الصعب العودة إلى الكفاح المسلح أو الانتفاضات، ثم إنه على علم ببنودها مسبقاً، وقبل الإعلان عنها، أي أن بعض بنودها يجري تطبيقه من دون رد فعل، كبناء المستوطنات وانتهاك السيادة الفلسطينية يومياً.
نرى أن تجزئة الموقف بين عربي وفلسطيني لا يجدي، ونعتقد أن التنسيق بين الطرفين والخروج بموقف موحّد هو المطلوب، وهذه المرة فإن الموقف لا بد أن يتجاوز البيانات والتصريحات الإعلامية لجامعة الدول العربية نحو آلية حقيقية تتعامل مع هذا المأزق، لأن ترامب قال إنها الفرصة الأخيرة، ما يعني أن «إسرائيل» ستقدم على ضم الضفة الغربية واحتلالها من جديد، إذا أصر الفلسطينيون، وإعلان دولة فلسطينية في قطاع غزة، وهذا كما نعتقد جوهر الخطة بعيدة المدى. ومن هنا فإن اللحظة تاريخية وأي قرار سيكون تاريخياً لا مجال فيه للاختباء خلف الإصبع.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية