لعبة استخباراتية معقّدة تشعل صفقة الصواريخ الروسية لتركيا

تركيا وروسيا

لعبة استخباراتية معقّدة تشعل صفقة الصواريخ الروسية لتركيا


25/12/2019

يشدّد الخبير الإستراتيجي الجزائري، هيثم رباني، على أنّ اقتراب تركيا من تجسيد صفقة الصواريخ الروسية منظومة "إس 400" قريباً مؤشر على "لعبة استخباراتية معقّدة".
وفي تصريحات خاصة لـ "حفريات" يقول رباني: "الأمر أغرب من الخيال، ولا أفهم كيف أنّ روسيا، الخصم الأقوى لحلف شمال الأطلسي، تمنح لثاني قوة في الحلف نظام دفاعها الجوي، الذي تحمي به موسكو ومدناً أخرى، إضافة إلى مواقعها النووية، لذا أعتقد أننا أمام لعبة كبيرة تريد منها روسيا إظهار أنّها ليست ساذجة كما يتصور البعض".

اقرأ أيضاً: روسيا والإرهاب.. حصيلة العام 2019
ويجزم رباني أنّه ليس من المنطقي منح صواريخ "إس 400" الروسية، الأحدث من نوعها، لتركيا دون إخضاع ذلك لتكتيكات وحسابات معينة، خاصة مع تموقع اللاعب التركي كثاني قوة في حلف الناتو، ويضيف: "قد نسمع في الأيام القادمة من تركيا عن نظام لا يعمل بالشكل الجيد، أو أنّه يضمّ "لوغاريتمات" معقدة أو خاطئة".

ليس من المنطقي منح صواريخ "إس 400" الروسية، الأحدث من نوعها، لتركيا
ويشرح محدثنا: "عندما تقول الولايات المتحدة إنّ تركيا بشرائها نظام "إس 400" الروسي ستكشف آلية عمل طائرات "إف 35" الأمريكية فيه معادلة مقلوبة، وهي اكتشاف أمريكا وحلف شمال الأطلسي لآلية عمل نظام الدفاع الجوي ومن ثمّ تعطيله أو التهرب منه، هذا غير معقول، لا يمكن لرجل مثل بوتين أن يكون ساذجاً بهذا القدر، نحن هنا مع لعبة تشويش غاية في التعقيد".

رباني لـ"حفريات": لا ننسى أنّ فلاديمير بوتين هو في الأصل رجل مخابرات تكوّن على يد (الكي جي بي) السوفييتية

وعمّا إذا كانت موسكو غيّرت نهجها القائم على عمليات تسليح أكثر اتساعاً مع الدول الحليفة، مثل الجزائر وإيران، يردّ رباني بأنّ الأمر يقوم على ما يسميه "لعبة استخباراتية معقدة"، موضّحاً: "عندما يصبح نظام الدفاع الجوي الأقوى لدى روسيا مكشوفاً لدى حلف شمال الأطلسي، ستصبح دول حليفة لروسيا، مثل الجزائر وإيران، في ورطة حقيقية، بل وحتى الهند والصين؛ أي إنّنا أمام حالة انهيار الدفاعات الجوية لكلّ هذه الدول الحليفة لروسيا".

ويصف رباني ما تقدّم بـ "المستحيل"، متصوراً: "لا بدّ، بل من الواجب، أن تكون تركيا قد منحت نظام "إس 400" خاصاً بها، بل ويجب أن يكون غير فعال وغير مجدٍ، ولا يشبه ما عند الجزائر والدول الحليفة لروسيا، وإلا فإنّ الثقة في روسيا قد انتهت، وهذا محال".

كانت الجزائر من حيث الفلسفة العسكرية، بعيدة دوماً عن محور باريس وواشنطن

دلالات مناورات المتوسط
بشأن إجراء الجزائر مناورات عسكرية مع روسيا في عرض المتوسط، ومعنى ذلك على صعيد تغيير تموقع الجزائر بعيداً عن محور باريس واشنطن، يرى رباني: "المناورات العسكرية للدول لا تخضع دائماً لمنطق التحالفات؛ بل أحياناً هناك مناورات تحالف، كما مع روسيا، وأحياناً مناورات تعاون، كما بين دول المتوسط، وأحياناً هناك مناورات تعلّم وتدرّب، وهلمّ جراً".

اقرأ أيضاً: هل انتقلت روسيا وإيران من التعاون في سوريا إلى مرحلة الصراع؟

وكانت الجزائر من حيث الفلسفة العسكرية، بعيدة دوماً عن محور باريس وواشنطن، ولم تشارك معهما في كلّ مغامراتهما العسكرية؛ في الخليج العربي، أو في الساحل، أو في ليبيا، أو سوريا، وما يسجل من حين لآخر من مناورات معهما إنما يدخل في إطار أمن جنوب البحر المتوسط ومحاربة الإرهاب.

اقرأ أيضاً: النظام السوري يمنح روسيا إقامة مفتوحة على ساحل البحر المتوسط

وبعد صفقة التسلح الضخمة المبرمة مع روسيا، عام 2006، وما تردّد عن اقتنائها دبابات الحساب الأخير عام 2017، يشير هيثم رباني إلى أنّ الجزائر بصدد تجديد منظومتها الدفاعية للعشرين عاماً المقبلة، وهذا وفق سياسات دفاعية أخذت بعين الاعتبار التطورات الحاصلة في الفنّ العسكري وتقنيات الدفاع والقتال.

ويوقن رباني أنّه لا يمكن لبوتين، ولا لروسيا، اللعب بالنار وكشف أسرار تتعلق بأمر حيوي مثل الدفاع الجوي عن الإقليم، منتهياً إلى إبراز اعتقاده بأنّنا هنا أمام لعبة استخبارية معقدة ستنتهي بفقدان ثقة إستراتيجي بين تركيا وروسيا، وعودة تركية قوية للتعاون مع الغرب بشكل عام وحلف شمال الأطلسي بشكل خاص.

 

 

الكارثة الإيرانية وورطة الحلفاء 
في ظلّ ما تقدّم؛ يتساءل مراقبون عن كيفية تأثير وضعية كهذه لو ثبتت على القدرات الدفاعية الجوية الإيرانية. ويجيب رباني: "هذه كارثة للقوات الإيرانية، لأنّ الأهداف الأرضية التي تستهدفها الطائرات والصواريخ المعادية تصبح مكشوفة".

لدى إيران نسختان من صواريخ مضادة للهجمات الجوية من طراز "إس 300"، روسية الصنع، وأخرى مثيلتها محلية الصنع

ويضيف محدّثنا: "لدى إيران نسختان من صواريخ مضادة للهجمات الجوية من طراز آخر هو "إس 300"، روسية الصنع، وأخرى مثيلتها محلية الصنع بتكنولوجيا روسية واضحة، ما يعني أنّ حلفاء روسيا في المنطقة أضحوا في ورطة حقيقية".
وبسبب هذا الوضع الغريب؛ يزداد الشكّ في نوعية صواريخ "إس 400" الروسية، التي منحت لروسيا، وفي أحسن السيناريوهات، يشرح رباني، "نحن أمام تسمية واحدة وأنواع شتى، ولو ثبت هذا أيضاً، سيكون ذلك ضربة موجعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
ويثير متابعون لسيناريو "الروح الانتقامية" لدى روسيا لاختراق إسرائيل القوات الجوية العراقية، عام 1966، ونجاحها في اختطاف "ميغ 21" بالغة التطور في تلك الفترة، بهذا الشأن، لا يستبعد رباني الأمر أبداً؛ لأنّ كرامة الروس وقدماء السوفييت قد تأثرت كثيراً في تلك الفترة، ولم يكن هناك ردّ روسي سوفييتي في ذلك الوقت.

اقرأ أيضاً: لماذا نفى نصر الله التنافس والاشتباكات بين روسيا وإيران في سوريا؟
ويلفت رباني: "لا ننسى أنّ فلاديمير بوتين هو في الأصل رجل مخابرات تكوّن على يد (الكي جي بي) السوفييتية، وروح الانتقام لدى رجال المخابرات لا يحدّها زمن ولا مكان؛ إذ هم الذي يختارونه، لا غيرهم".
ويرى الخبير؛ أنّ الانتقام من حادثة خطف طائرة "ميغ 21"، عام 1966، من قبل إسرائيل، يمكن أن يقابل بصفقة منظومة "إس 400" مهترئة أو غير فعّالة، مع احتمال أنّ فحصها من طرف الاستخبارات الأمريكية في تركيا وارد جداً، ثم هل نقلت تلك المعلومات إلى الحلفاء؟ سؤال يبقى قائماً هو الآخر، وقد تكشف الأيام القادمة أسراراً غاية في الإثارة والغرابة.

 


من ناحية أخرى؛ يرى أنّ الوعيد الروسي على أيّ تصعيد أمريكي فارغاً من محتواه، أو مضروباً في الصميم، لو ثبت أنّ منظومة "إس 400" التي باعها بوتين لتركيا تتضمن التركيبتين الإلكترونية والميكانيكية نفسهما، ودقة الصواريخ وسرعتها التي بحوزة موسكو في المقام الأول، وحلفائها في المقام الثاني، ومن ضمنهم: إيران والجزائر والهند والصين.

 

اقرأ أيضاً: هل تضغط تركيا على روسيا عبر استثمار ورقة "جبهة النصرة" في إدلب؟
ويوضح رباني: "لقد عوّد بوتين الغرب بجديته وبعدم تركه مجالاً للمناورة، خاصة عندما يتعلق بتوسع إستراتيجي ترغب فيه روسيا، كما أنّ خروج الولايات المتحدة من اتفاقية منظومة الصواريخ متوسطة المدى سيدفع موسكو لفعل الشيء نفسه، وإذا علمنا أنّ منظومة "إس 400" الروسية بإمكانها تدمير الصواريخ العابرة للقارات والطائرات النفاثة وبدون طيار، نفهم هنا عدم منطقية أن تكون المنظومة التي لدى تركيا صحيحة، بل الأرجح أنّها مليئة بالمشاكل المتعمدة".
وإذا أردنا أن نتابع التحليل ونتعرّف إلى موقف الناتو مما يجري؛ فإنّه تابع للموقف الأمريكي، خاصةً أنّ دول شمال الحلف على الحدود مع الدائرة القطبية الشمالية قد سجلت اعتراضات جوية متبادلة مع روسيا في العامَين الأخيرَين، دخلت فيها المقاتلات الروسية والأطلسية مجال الطرف الآخر بالخطأ العمد، وتجنّب الجميع المواجهة، إما خوفاً من التصعيد، أو أنّ الأمر هو مجرد مهاوشة سببها الرغبة في استعراض القوة، لكنّها تشير في المجمل إلى فقدان متبادل للثقة، لا يعقل معه أن تبيع روسيا لتركيا منظومتها الأهم للدفاع الجوي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية