لغز البغدادي .. قصة المسار الدموي لقائد داعش

لغز البغدادي .. قصة المسار الدموي لقائد داعش


كاتب ومترجم جزائري
03/10/2018

ترجمة: مدني قصري


في كتابها "البغدادي خليفة الرعب"*؛ الذي سيصدر عن دار "Stock" الفرنسية، في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، تَرسم صوفيا عمارة، صورةً مرعبة لمؤسس ورئيس تنظيم داعش، المتّهم بجرائم التعذيب والمذابح والإبادة الجماعية، خاصة ضدّ الأقلية اليزيدية؛ بدءاً من لقاءات ميدانية مع جهاديّين سابقين في داعش، وشهادات أفراد القوات الخاصة في الجيش العراقي، ومجموعة من نصوص صحفيّين ومتخصّصين، تُلقي عمارة الضوء على نشأة وحش صنعته الحروب الفظيعة، التي تُدمّر العراق وسوريا منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

طغيان صدام حسين، والغزو الأمريكي ونموّ وحش

في 10 أيلول (سبتمبر) الماضي؛ شنّ التحالف الكردي-العربي للقوى الديمقراطية السورية، المدعوم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، هجوماً على آخر معقل في سوريا لتنظيم داعش، الهدف رقم 1 من الهجوم: أبو بكر البغدادي، الذي أعلن نفسه خليفة داعش، وهو أكثر المطلوبين في العالم، والذي أُعلنت وفاته مرات عديدة، أكّد أنّه ما يزال حيّاً، في 22 آب (أغسطس) الماضي، في رسالة صوتية بُثّت في برقية، دعا فيها أنصاره لمواصلة الجهاد.

اقرأ أيضاً: الإرهاب.. أول الدم من الزرقاوي إلى البغدادي

ووفق الخبراء؛ فإنّ البغدادي ربما يختبئ في منطقة بادية الشام، ويتنقل بين مدينتي البعل ( Al-Baal) شمال غرب العراق، وهجين في سوريا.

تُسلّط صوفيا عمارة الضوء على زمنين اثنين من أبرز معالم بناء سلطة القائد الجهادي: إقامته في معسكرات السجون الأمريكية، ومشاركته في الحرب الأهلية السورية. البغدادي المتّهم بجرائم التعذيب، والمجازر، والإبادة الجماعية، ترك وراءه المدن في حالة خراب وخالية من سكانها.

فشل في الدراسة

وُلد إبراهيم البدري في سامراء، على بعد 100 كيلومتر شمال بغداد، في العراق، في 28 تموز (يوليو) 1971، من أسرة فقيرة من الأقلية السنيّة، التي ينتمي إليها صدام حسين.

بعد حصوله على البكالوريا (الثانوية العامة)؛ أقام إبراهيم البدري، الذي اتخذ فيما بعد اسم الحرب "أبو بكر البغدادي"، مع والديه في طوبجي (Tobji)، وهو حيّ سُنّي فقير، شمال غرب بغداد، كانت درجاته الدراسية مُخيّبة للآمال، مقلصةً الخيارات الأكاديمية لحامل هذه الشهادة؛ الذي كان قد بلغ من العمر 20 عاماً.

ظلّ إبراهيم مخلصاً لشغفه بكرة القدم، وميله للقيادة فأنشأ فريقاً يجمع مؤمني مسجد حاجي زاهدان وفرض نفسه قائداً له

"إبراهيم أراد أن يصبح محامياً"، هكذا يتذكر عمر، الذي درس على مقاعد المدرسة التي كان يدرس فيها الخليفة المستقبلي في سامراء، قبل أن يستقر مثله في منطقة طوبجي؛ حيث ما يزال يقيم اليوم.

"كان إبراهيم ممتازاً في بعض الموضوعات، لكنّه كان متوسطاً ​​جداً في موادّ أخرى" قال عمر، الذي، منذ سنوات عديدة، يجد نفسه في الصف ذاته الذي فيه أحد الإخوة الثلاثة لإبراهيم، على كشف علامات الثانوية العامة للإرهابي المستقبلي، الذي تمّ الحصول عليه من "خلية الصقور"، وهي وحدة النخبة في المخابرات العراقية، علمنا، على سبيل المثال، أنّ إبراهيم حصل على 98 من أصل 100 في الرياضيات، لكن فقط على 57 من 100 في اللغة الإنجليزية، ومتوسطه العام، البالغ 80 من أصل 100، غير كافٍ إلى حدّ كبير للوصول إلى الكليات الشعبية، مثل الطبّ والهندسة أو القانون، وكلّها رفضت ترشيحه.

الانخراط في مهنة الجيش

إبراهيم البدري تخلى، إذاً، عن رغبته في أن يصبح محامياً، وبدأ يخطط للانخراط في مهنة الجيش، مثل أخيه شمسي، لكنّه أُحبط بسبب قصر النظر، فحتى لو كانت له عينان سليمتان، كان إبراهيم قد أصبح، على أيّة حال، الوحش الذي جسّدته، بعد عقدين من الزمان، مجزرتُه، على يد جحافله الجهادية، لآلاف الجنود ورجال الشرطة العراقيين، أثناء إنشاء خلافته، عام 2014، بدعوى أنّ هؤلاء يخدمون حكومة بغداد "الكافرة"، وأنّه كان جزءاً من جيش صدام حسين لم يمنع الكثير من ضباطه من الانضمام، بعد سقوط النظام البعثي عام 2003، إلى صفوف التنظيم الإرهابي، أو الجماعات الجهادية التي نشأت منه.

كلية الدراسات القرآنية

أخيراً، التحق الشاب إبراهيم بالفرع الوحيد الذي قبله في جامعة بغداد: في الدراسات القرآنية، هذه الدراسات كانت هي عزاء الكثير من الخريجين المتحمّسين لتسليح أنفسهم بشهادة جامعية، أياً كانت، على الرغم من النتائج المتواضعة، وبديلاً يستقطب العديد من الشباب من خلفيات محافظة.

هذه الكلية، وهي موطن أساتذة مستنيرين، أو علماء دين، كانت أيضاً بمثابة بوابة جغرافية للجهاديين المحتملين الذين يبحثون عن الأمن الأكاديمي، قبل أن يتمكنوا من الانتقال إلى الفعل. هنا، عاشر إبراهيم الكثير من أعضاء الجماعات المسلحة، التي ظهرت بعد بضعة أعوام لمحاربة الاحتلال الأمريكي، خُطط حياة إبراهيم المحبطة لم تؤثر عليه؛ لأنّ إبراهيم أثبت، على مدار مساره، قدرتَه على القفز إلى الأمام، وخوض العديد من المعارك.

غلاف كتاب "البغدادي خليفة الرعب" لصوفيا عمارة

حارس مسجد وخطيبه

استثمر الخليفة الموعود نفسه بشكل كامل في دراساته، بينما كان يعمل بعد الحصص الدراسية، كحارس لمسجد "حاجي زيدان"، المجاور للبيت الذي يقيم فيه مع عائلته، وتفيد بعض المصادر بأنّ إبراهيم انتقل إلى بغداد من دون والديه، وأنّ مسجد "حاجي زيدان"، زوّده بغرفة كان يسكنها بمفرده (مجاناً).

صار طفلُ سامراء القديم يهتزّ بكامل كيانه من خلال الاتصال، بصوته الرجولي الآن، وهو ينادي مؤمني طوبجي للصلاة التي كان يؤمّها بكل سهولة، سهولة ما انفكّ يُحسّنها، خلال سنواته في الكلية، فيما ظلّ يسعى، دون كلل، لتحسين مهاراته في التحدّث.

التدرّب أمام المرآة

أحد جيران إبراهيم، بحسب ما ذكره عالم السياسة السوري، سامي مبيّض، في كتابه "Under the Black Flag" "تحت العلم الأسود"، يذكر أنّ الخليفة المستقبلي قد تدرّب على التحدث أمام الجمهور، أمام مرآةٍ، "ينطلق في كثير من الأحيان، وبشكل مفاجئ، في أحاديث مفعمة بالحيوية". هل كان إبراهيم يفكر في أنه يجب أن يتقن فنّ الخطابة لأغراض أخرى غير خطب الجمعة التي كان يأمل في أن تُعهد إليه؟ رفاقه في ذلك الوقت كانوا يشكّون في ذلك، لكن رغم تكتّمه، ومجاملته التي كان يثمّنها أولئك الذين كانوا يجالسونه، فقد كان الخليفة الموعود يحبّذ، بلا شكّ، أدوارَ القائد.

مارادونا: قائد فريق المسجد لكرة القدم

وكما كان الحال في سامراء، ظلّ إبراهيم مخلصاً لشغفه بكرة القدم، وميله إلى القيادة، فأنشأ فريق كرة قدم يجمع مؤمني المسجد حاجي زاهدان، وفرضَ نفسه كقائد للفريق.

البغدادي المتّهم بجرائم التعذيب والمجازر والإبادة الجماعية ترك وراءه المدن في حالة خراب وخالية من سكانها

ومن المؤكد؛ أنّه على قطعة أرض، نجح طالب الكلية، الباهت المنزوي في كلية الدراسات القرآنية، في إذكاء وإثارة الإعجاب من حوله؛ "لقد كان موهوباً للغاية"، كما يقول عمر، زميله في المدرسة، مدرسة سامراء، "كنت ألعب في الفريق المنافس، وغالباً ما صلّيتُ من أجل أن يكسر إبراهيم ساقه حتى نتمكن من الانتصار عليهم، أمّا هو، المؤدب في العادة، فقد كان يتوتر ويصاب بنوبة غضب كلّما أضاع هدفاً سهلاً". في الحيّ؛ أصبح إبراهيم يلقَّب بـ "مارادونا".

حول كأس من الشاي

حول كأس من الشاي، يتذكر معارفُه في تلك الفترة، حكايات الشباب، والحلقات المظلمة التي كانت معالم في قصة صداقتهم مع ذلك الذي أصبح العدو العام رقم 1: مباريات كرة القدم، والسباحة في نهر دجلة، والرحلات في نهاية الأسبوع في المحافظات، لكن أيضاً الحرب ضدّ إيران وعملية "عاصفة الصحراء"، التي شنّت ضدّ العراق، في كانون الثاني (يناير) 1991، من قبل تحالف دولي تحت قيادة أمريكية، لتحرير الكويت التي غزاها جيش صدام حسين في صيف 1990.

اقرأ أيضاً: هل هرب الإرهابي أبو بكر البغدادي إلى إفريقيا؟

يؤكّد عمر؛ أنّ إبراهيم كان "لطيفاً وودوداً" في ذلك الوقت، وشاباً حيوياً، لكنْ تدريجياً، تطرّف مارادونا طوبجي، وهكذا، شهد عمرُ بلا حراك، "تحوّلَ" صديق طفولته.

الانطواء على النفس

"انطوى إبراهيم على نفسه، وأصبح غضوباً، تخلى عن كرة القدم، والألعاب، والحياة الجميلة، ليبتعد عن سواء السبيل، أراد من الجميع أن يدخلوا الصفّ، وصار يُعدّد المحرّمات للجميع، في رأيه؛ لم تكن الحياة سوى معاناة، وكل شيء فيها خطيئة، لقد عقّد وجودنا كلياً".

أبو غريب وبوكا

إبراهيم البدري؛ وهو من أشد مؤيدي صدام حسين، أرسله الأمريكيون أثناء حرب الخليج الثانية، إلى سجن أبو غريب، ثم إلى بوكا (العراق)، مخيّم شبيه بمدرسة جهاد، تواريخُ احتجاز إبراهيم في سجن أبو غريب (السجن العسكري الأمريكي؛ حيث دانت العدالة الأمريكية التعذيب والإذلال فيه)، التي كشف عنها الجيش الأمريكي حتى الآن، ومصادر أخرى، تواريخ متناقضة، بل وتم تفنيدها بشهادات السجناء، الذين زاملوا الخليفة المستقبلي في معسكر بوكا، لكن هناك حقيقة مؤكدة: فمن بوكا استعاد إبراهيم حريته، في كانون الأول (ديسمبر) 2004، بعد حبسه في سجن أبو غريب.

لزيادة فُرصه في الإفراج عنه بسرعة، تبنّى الرقم (157911) سلوكاً متكتماً؛ بل واتخذ سلوك السجين النموذجي؛ فعندما لا يمارس مهاراته الكروية مع زملائه السجناء، تحت أنظار الحراس المذهولين، كان "مارادونا بوكا" يلعب دور الحكم بين السجناء، بمجرد أن يندلع شجار بينهم.

لولا أمريكا

عام 2014؛ تلقّت صحيفة "الغارديان" شهادة أحد زملائه المعتقلين، أبو أحمد، الذي أصبح فيما بعد شخصية رفيعة في داعش، ثم انشق لاحقاً.

دعا الخليفة الفار مقاتليه إلى الهجوم لإرهاب العدو وأنصاره في الغرب لتنفيذ هجمات تفجيرية أو الطعن بالسكين على أراضيهم

قال أبو أحمد، رفيق إبراهيم البدري في السجن، والكادر السامي السابق لداعش، في مقابلة مع "الغارديان": "لو لم يكن هناك سجن أمريكي في العراق، لما وُلد داعش، كان Bucca)) مصنعاً، سِجنُ "بوكا" هو الذي شكّلنا جميعاً، وبنَى أيديولوجيتنا".

ميلاد داعش في بوكا

بالنسبة إلى هذا الملازم المستقبلي للخلافة، كان لعِب دور الوسطاء، وكسْب الاحترام من قبل الجنود الأمريكيين، "جزءاً من تمثيل" إبراهيم، يقول أبو أحمد، "في الوقت نفسه، كان إبراهيم يمارس إستراتيجية جديدة، تحت أنوف حراسه: بناء الدولة الإسلامية"، وفي بوكا، كانت التربة مواتية.

نموّ الوحش

في إطار التحقيق، تقول الصحافية صوفيا عمارة، وجدنا في واشنطن، طبيبة نفسية متخصّصة في الجهادية، كانت قد عملت في معسكر "بوكا"، آنْ سبكهارد (Anne Speckhard)، تمّ توظيفها عام 2006، من قبل جيش الولايات المتحدة، وفي السنة الموالية كلِّفت بمهمة وضع برنامج اقتلاع التطرف من السجن؛ حيث شعرت القيادة الأمريكية أنّ وحشاً ينمو في أحشاء المعسكر. "تمّ إعلان الخلافة بالفعل في سجننا، من قبل إرهابي كان محكوماً بالإعدام، لكن أفرج عنه النظام".

الاستيلاء على البنك المركزي في الموصل

انتصر أبو بكر البغدادي على مدينة الموصل، وأسّس الخلافة على الأراضي العراقية والسورية، التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، وهي في ذروتها، وكما في الموصل؛ حيث تخلى رجال الشرطة والجنود عن أسلحتهم والزيّ العسكري قبل الفرار، وتبعهم نصف مليون مدنيّ، ثم سقطت بقية محافظة نينوى، بالقرب من سوريا، دون مقاومة.

اقرأ أيضاً: البغدادي: من الانطوائية وعشق كرة القدم إلى قطع الرؤوس!

عندما شنّ الجيش العراقي هجومه الكبير، في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، لتحرير الموصل، "عاصمة" الخلافة التي أعلنها بنفسه، دعا إبراهيم رجاله للقتال حتى الموت، فيما فضّل هو أن يكون في مأوى، في المنطقة الصحراوية الشاسعة بين سوريا والعراق، التي كانت قاعدة أساسية لكوادر الدولة الإسلامية، ويُزعم أن داعش قد ضحّى بـ 17 من مقاتليه في تفجيرات انتحارية بسيارات مفخخة، لفتح ثغرة في حصار الموصل والقضاء على البغدادي.

الخليفة لا يريد أن يموت

كانت المعركة لتحرير المدينة تسير على قدم وساق، عندما قابلتُ، في أوائل عام 2017، الجنرال فضل برواري، أحد قادة وحدة النخبة في الجيش العراقي.

في تموز (يوليو) 2018 أعلن داعش وفاة ابن خليفته البكر حذيفة في سنّ الثامنة عشرة في حمص في سوريا

هذا الرجل كردي، ذو شخصية قوية جافة وناريّة، وجاهز دائماً للانفجار من الضحك، حتى في قلب الجبهة، وقد أخبرني الجنرال برواري؛ أنّه "تمكّن من تجنيد أحد أقرب مساعدي البغدادي، وهو جهادي كردي يقدّره (الخليفة) كثيراً لدرجة أنه منحه يد ابنته".

يؤكد فاضل برواري، شهادةَ روزا (فتاة من اليزيدية، رهينة سابقة للبغدادي)، فيما يخصّ منصور، الحارس الشخصي للخليفة؛ حيث قال: "نحن نعلم أنه يختبئ على جانب البعل (مدينة غرب الموصل، بالقرب من الحدود السورية)، هكذا؛ فهو يختبئ في المنطقة السنيّة التي أصبحت تابعة له، مع 500 مقاتل، الطبيعة الصحراوية للمنطقة تسمح لهم برؤية الخطر يأتي من بعيد، الرجل لا يريد أن يموت، فهو يعيش تحت الأرض، يغيّر مخابئه بشكل متكرر، لا يستخدم وسائل الاتصال الحديثة، بل وربما تغيّر مظهرُه الجسدي".

اقرأ أيضاً: محللون عراقيون يكشفون لـ"حفريات" عن مخاوفهم من عودة داعش

رغم المعلومات التي جمعتها القوات العراقية؛ فقد ظلّ "الشبح" بعيد المنال، منذ تمرد داعش، وحتى قبل ذلك، تم الإعلان عن وفاته عدة مرات، دون أن تؤكد أيّة وثيقة موثقة اختفاء أكثر المطلوبين على هذا الكوكب. في بغداد؛ يقال إنّه ما يزال على قيد الحياة، ويذكر الخبراء أنّ الدولة الإسلامية المؤمنة بـ "الاستشهاد"، لم تُخف أبداً موت قادتها الكبار.

في الواقع، بدأت عملية تعقب الإرهابي، التي بلغت قيمتها 25 مليون دولار، بعد إعلانه عن الخلافة مباشرة، عام 2014، فقد أراد الأمريكيون والبريطانيون والروس والجيش العراقي والقوات الكردية القبض عليه ميتًا أو حيّاً، لكنّ البغدادي ظلّ دائماً يمرّ من خلال شقوق الفخّ، وفي بعض الأحيان كان يفلت بأعجوبة، من ضربات التحالف، في آذار (مارس) 2015؛ أصيب بجراح خطيرة في العمود الفقري في غارة أمريكية قتل فيها ثلاثة من رجاله، وفق تقرير صحيفة "الغارديان".

للإفراج عنه بسرعة اتخذ إبراهيم سلوك السجين النموذجي في سجن أبو غريب

فار جريح

لكن، منذ أيار (مايو) 2016، تمّ تحديد موقعه ثلاث مرات على الأقل، في أماكن مختلفة، كما تقول الصحيفة البريطانية، رغم مراقبة الأقمار الصناعية الأمريكية، والعديد من أجهزة المخابرات والجواسيس في البحث عن أيّة إشارة إليه، فقد ظلّ بعيد المنال.

في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016؛ عندما دخلت القوات العراقية الموصل لتحرير المدينة، استولى البغدادي على جهاز اتصال لاسلكي، ليأمر قواته بالاحتفاظ بمواقعهم، فهرع حراسه لانتزاع الجهاز منه. الخليفة، الذي كان آنذاك في قرية غرب الموصل، كان قد وضع نفسه في خطر، فلم يتصل برجاله إلا لمدة خمس وأربعين ثانية فقط، لكن ذلك كان كافياً للضباط الموجودين في محطة استماع، شمالًا، للتعرف على صوته، لكنّ البغدادي نُقل بأمانٍ، قبل أن يتمكن مطاردوه من التحرك في اتجاهه.

اقرأ أيضاً: رسائل البغدادي تكشف هروب أنصاره من سيناء إلى ليبيا

بعد عام، في أواخر عام 2017، في قرية جنوب البعل، بالقرب من الحدود السورية، شوهد مرة أخرى بعد اتصال قصير، كان الاتصال قصيراً جداً؛ فتعذر تحديد مكان اختبائه بدقة، وإطلاق الطائرات المقاتلة المحلقة فوق المنطقة، في أعقابه.

قبل ذلك ببضعة أشهر؛ شوهد في بلدة "البوكمال" السورية، على الحدود مع العراق، كان ذلك في حزيران (يونيو) 2017، والموصل على وشك الإفراج عنها. وبحسب الشهود، وفق صحيفة "Guardian"؛ فإنّ "البغدادي بدا متعباً، متوتراً، أكثر من ظلّ ذلك الشخص المغطّى بالأسود، الذي تسلق، بكل ثقة، إلى منبر مسجد النوري الكبير في الموصل، لإعلان خلافته فيها، في تموز (يوليو) 2014".

منذ أن استعاد قواه، تمكّن البغدادي من التحرك، والالتقاء مع مساعديه في مدن شمال غرب العراق، من الموصل إلى الحدود السورية، ومن إلقاء الوعظ، مع تجنب رادارات القوات المسؤولة عن تعقبه.

أعطونا هدفاً محدّداً

في بعض الأحيان؛ كانت هذه القوات تعرف أن الخليفة في زيارة بلدة من البلدات، بتحذير من السكان المحليين، أو من خلال سلوك الجهاديين أنفسهم، الذين كانوا يصادرون هواتف السكان قبل عدة ساعات من وصوله، عندئذ؛ كانت القوات البرية تحذّر الأمريكيين على الفور، لكن الجواب كان دائماً هو نفسه: "لا يمكننا أن نضرب في أيّ مكان، أعطونا هدفاً محدداً".

حذيفة نجل البغدادي

خلافة تائهة  

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017؛ كان البغدادي في "راوة"، على بعد 400 كيلومتر جنوب الموصل، خلافته أصبحت تائهة، بعد أن طُردت من جميع أراضيها تقريباً، ومع ذلك؛ فقد حثّ أتباعه للتوّ، في تسجيلٍ صوتي أذاعه جهازه الدعائي، على "المقاومة"، و"إطلاق العنان للحرب... في كل مكان" في العالم.

أمّا القائم، وهي بلدة مجاورة لـ "راوة"؛ التي لجأ إليها مع حفنة من المقاتلين، فقد حُرّرت للتو من نير داعش من قبل القوات العراقية، البغدادي حثّ رجاله على استعادة هذه القرية الكبيرة في الصحراء الغربية، بالقرب من سوريا، لكنهم فضّلوا الفرار على متن سياراتهم إلى الأراضي السورية، وعلى الطريق قُتل الكثير منهم من خلال الضربات الجوية.

الخليفة يفرّ في سيارة أجرة صفراء

في العراق؛ راوة هي المدينة الأخيرة التي ما تزال في أيدي داعش، والخليفة المطارد يعرف أنّه لا يستطيع البقاء فيها، مع وجود القوات الحكومية على بعد 80 كيلومتراً من مقره الجديد؛ لذلك فرّ هو أيضاً إلى سوريا، لكن على متن سيارة أجرة صفراء، "حتى لا يكشف أمره أحد".

أبو أحمد للجارديان: لو لم يكن هناك سجن أمريكي في العراق لما وُلد داعش

ما تزال الحدود بين البلدين سهلة العبور، دون كثير من المتاعب، وصل الخليفة المهزوم إلى الأراضي السورية؛ حيث الرقة، التي سقطت أيضاً، ولجأ إلى منطقة دير الزور السورية، حيث سيطر داعش على جميع حقول النفط، وتقول القوات العراقية إنّها "لم تتلقَّ الأمر بالاستمرار في مطاردته على الأراضي السورية"، ومع ذلك؛ فقد أصدرت مرسوماً صريحاً في كانون الأول (ديسمبر) 2017، بانتهاء الحرب ضدّ الدولة الإسلامية في العراق، بعد سقوط رواء، التي غادرها البغدادي على عجل، قبل شهر.

"أيام البغدادي معدودة"

البغدادي؛ الخليفة المراوغ بسبعة أرواح، أصيب إصابة بليغة، في تموز (يوليو) 2017، أثناء عملية كلفت حياة العديد من الجهاديين، فيما تمّ نقل زعيمهم إلى سوريا على مشارف الرقة؛ فهو اليوم "يعاني من إصابات، ومن داء السكري، وكسور في الجسد والساقين تمنعه من المشي دون مساعدة"، يقول رئيس "الصقور" (القوات الخاصة التابعة للجيش العراقي)؛ الذي يؤكد أنّه يحمل معلومات ووثائق واضحة من داخل داعش، تفيد بأنّ الإرهابي ما يزال على قيد الحياة، ويعالج في مستشفى ميداني في شمال شرق سوريا. ووفقاً له؛ فإنه يختبئ في منطقة الجزيرة، وهي سهل واسع قاحل على أطراف العراق؛ حيث ما يزال تنظيم داعش موجوداً.

اقرأ أيضاً: معلومات تؤكد إصابة البغدادي.. وتنازله عن قيادة داعش

كما كان للنكسات العسكرية لداعش تأثير كارثي على معنوياته، ووفق قائد الصقور؛ اندلع جدال كبير بين الإرهابي ومعاونيه، الذين انتقدهم لإخفاقاتهم المتتالية، مما تسبب في العديد من الانشقاقات، واستعادة سمعة المنظمة واستعادة ثقة مقاتليها العرب والأجانب، أصدر البغدادي تعليمات لكادر من تنظيم داعش بالتخطيط لعمليات كبرى، بحسب قائد الصقور، مع تقدير هذا الأخير أنّ "أيام البغدادي باتت معدودة".

وفاة حذيفة ودعوة البغدادي لإرهاب العالم

في تموز (يوليو) 2018، أعلن داعش وفاة ابن خليفته البكر، حذيفة، في سنّ الثامنة عشرة، في محافظة حمص، في سوريا. وفي الشهر التالي، وبكسر صمتٍ دام ما يقرب من عام، تحدّث البغدادي في تسجيل بُثّ من قبل وكالة الدعاية التابعة للمجموعة. لقد دعا الخليفة الفار، مقاتليه إلى "الهجوم لإرهاب العدو"، وأنصاره في الغرب، لتنفيذ هجمات تفجيرية، أو الطعن بالسكين "على أراضيهم"، محتوى البيان يسمح بتأريخ التسجيل، ونفي كلّ الشائعات حول وفاته.

بالطبع، فهو الشخص الذي آمن بالتحالف المقدس مع المخلصين لصدام حسين، الشخص الذي استعاد الخلافة، حامل العلم الإسلامي حرفياً، مُرشد الضالين في الحياة، لكن هل سيضع اختفاؤه نهاية للكابوس؟


المصدر: .lexpress.fr

* Baghdadi. Calife de la terreur, par Sofia Amara. Stock,


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية