لماذا انتهى الوجود السلفي في مصر؟ عزيزي الإعلامي اخرج من مكتبك

لماذا انتهى الوجود السلفي في مصر؟ عزيزي الإعلامي اخرج من مكتبك


19/09/2018

نصب المصوّر كاميرته، وثبّت أعمدتها، وجلس المعد على مقعد في مواجهتي، لينطلق بالسؤال المحوري: لماذا انتهى الوجود السلفي في مصر بهذه السرعة، بعد ثورة الــ30 من يونيو؟

لا أدري لماذا استفزني هذا السؤال؟ هل لأنّ السائل قرر سلفاً الإجابة وصادرها على المسؤول؟ أم لأنني أدرك أنّ ذلك الاعتقاد لا يقتصر عليه فقط؛ بل شمل كثيراً من الناس؟

ضغط المصوّر على زرّ التوقيف، بعد أن طلبت وقف التصوير، لأطرح أنا عدة أسئلة على المعدّ السائل.

كانوا يتمددون ويكبرون، إلا أنّ وسائل الإعلام لم تكن تلقي عليهم الضوء فلم يكونوا يظهرون

أتتذكر مشهد ملايين السلفيين الذين تجمعوا في ميدان التحرير، فيما أطلق عليه حينها "جمعة قندهار"؟ أتذكّر يوم أن تجمعوا في محيط جامعة القاهرة زاحفين من كلّ حدب وصوب، حتى أغرقوا القاهرة بأجسادهم وراياتهم ومنشوراتهم؟ لن أقول لك أين ذهبوا الآن، لكنّني أسألك أين كانوا قبل ذلك.

هل كنت تتصوّر، قبيل الحادي عشر من كانون الأول (يناير) 2011، أنّ مصر تئنّ بكلّ هذا الثقل السلفي في عاصمتها ومحافظاتها وقراها ونجوعها؟ إنّ الغطاء قد انكشف عنهم في لحظة من لحظات الزمان، فوجودهم لم يكن حادثاً؛ بل هو قديم، كشفت عنهم الظروف السياسيّة التي مرّت بها البلاد، لكنّ تلك الظروف لم تنشئهم.

ساد الصمت برهة، ثم تابعت: الذي حدث- يا عزيزي- أنّ هؤلاء كانوا يتمددون ويكبرون، إلا أنّ وسائل الإعلام لم تكن تلقي عليهم الضوء فلم يكونوا يظهرون.

أشرت بسبابتي إلى الكاميرا، قائلاً: لا يقاس معيار التمدّد والانحسار بمن يقف أمام هذه الكاميرا، ومن لا يقف، بمن تذهب إليه، أو بمن تنأى عنه، أو بمن يذهب إليك في الاستوديو ومن لا يذهب، أياً كانت الأسباب.

لم تتبخر هذه الملايين، يا عزيزي، إنّهم موجودون في كلّ مكان، إنّ اللحظة التي تعيشها البلاد لم تعد مناسبة لهم في الظهور، فكمنوا مرة أخرى حتى تسنح الفرصة لهم من جديد، ربما هو ذكاء منهم، إلا أننا يجب ألا ننخدع.

اقرأ أيضاً: كيف وظفت السلفية الجهادية مفهوم الطاغوت في القرآن الكريم؟

انتهى اللقاء، فقررت العودة إلى منزلي، كانت القاهرة الكبرى مكتظة، حتى انتفخ وسطها وجوانبها، جرّاء الزحام الخانق، المصحوب بحرارة آب ذات الرطوبة العالية، لكن ذلك لم يكن جديداً، فقد اعتدناه على أية حال، فما بالنا، ونحن قبل عيد الأضحى بيومين.

بعد أن عرجنا على نزلة شارعنا الرئيس، توقفت السيارة حتى عن الزحف البطيء، وبدا رجالات الكمين الأمني على مرمى الأعين.

يجلس ضابط على مقعد خيزران، وأمامه منضدة، يقف في مواجهته طابور من المواطنين في انتظار دفع الأموال، والحصول على إيصالات سداد.

لماذا قبل دخول العيد، والأسرة المصرية تئن من وطأة الضغوطات في المناسبات الاجتماعية؟

هتف أحد المواطنين، في تبرّم ساخر: "كلّ سنة وهمه طيبين... الرجالة تريد أن تعيد على حسابنا من جيوبنا!".

اقرأ أيضاً: الجماعة السلفية في مصر: حرب على الإرهاب أم تفريخ له؟

اجتزنا الكمين، وبعد أن كدنا نشعر بانفراجه اختنق الطريق من جديد، وشلّ شللاً كاملًا، كان رجال المرور في الخلف يعملون في تحصيل الأموال من المخالفين.

نزل السائقون من سياراتهم بعدما طال بنا الانتظار، ولا يعرف أحد أسبابه.

وبدؤوا يتحدثون: أليس وظيفتهم تسيير المرور؟ أم وظيفتهم تحصيل الأموال فقط؟

عسكري واحد كان يكفي لفك هذه الأزمة، أم لأننا لا نسكن في حيّ الوزراء والسادة اللواءات؟

مرت ساعة كاملة دون أن نتزحزح قيد أنملة، حتى امتدّ الشلل إلى الشوارع المجاورة والرئيسة.

وفجأة، بدأت عجلات السيارات في التحرك للأمام، وبدأت السيولة المرورية، على غير توقع.

جئنا عند كوبري يعبر قناة مائية، بدا أنّ الأزمة خلقت من هناك، جراء التقاء قادمين من طرق مختلفة هناك، دون أي تنظيم.

من يتخلى عن مسؤوليته في الطريق، وفي أماكن الطبقة الوسطى، يكون المقابل له في النهاية تمدّد سلفيّ أو إسلامويّ عام

وقف عند نقطة الكوبري 3 شبان من ذوي اللحية الكثة، لا تتجاوز أعمارهم الــ 30، قسموا أنفسهم في اتجاهات 3، وبدؤوا في تنظيم المرور، بخبرة وذكاء.

التقطت أذني دعوات ركاب السيارات بالخير والتوفيق لهؤلاء الشباب، والثناء على فعلتهم.

لا أستطيع أن اخترق نوايا الشباب، هل قام بهذه الفعلة الطيبة لله، وخدمة للمجتمع بتجرد، ودون الحصول على مكسب؟ أم أن هناك في الكوامن ما يدل على عكس ذلك؟

إلا أنّ النتيجة التي أستطيع أن أجزم بها، أن هؤلاء كسبوا لتيارهم الكثير، سواء كانوا يدرون أم لا؟ وأستطيع أن أجزم بأنّ الدولة، التي تجلت مظاهرها في مشهد الكمين الواقف خلف خطّ الأزمة قد فقدت من مكانتها، وتمدّد على أنقاض تلك الخسارة هؤلاء السلفيون.

اقرأ أيضاً: لماذا يكره السلفيون التصوف؟

من يتخلى عن مسؤوليته في الطريق، وفي أماكن الطبقة الوسطى، يكون المقابل له في النهاية تمدّد سلفيّ أو إسلامويّ عام.

تذكرتُ الإعلامي المعد وكاميرته، لو كان موجوداً معنا الآن، كان سيخرج بلقطة عظيمة، ولكان أخذ الإجابة على سؤاله، عملياً وفي الميدان، لكن ربما لم يوافق مديره في "القناة" على بثّها، ربما يعتقد أنّ رصد الحقيقة سيعكّر صفو مسؤوله الأكبر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية