لماذا تتردّد السعودية في توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟

لماذا تتردّد السعودية في توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
17/12/2020

ترجمة: إسماعيل حسن

تمضي الاتّصالات الحاليّة بين السعودية وإسرائيل بشكل إيجابي، لكنّ ما يهمّ الإسرائيليين هو كيفية ترجمة هذه الاتّصالات بشكل أكبر على أرض الواقع، خاصّة عندما تكون متعلّقة بشخص واحد فقط، الإسرائيليون باتوا على قناعة بأنّ اتفاقات السلام عادة لا تقاس في نهاية المطاف بالورقة الموقَّعة، أو بالصورة الجماعية، بل بتحقّقها، فكلّما كان هناك أناس أساسيون أكثر شركاء في عملية التحقيق، تزداد فرص نجاح الاتفاقات وتجني ثماراً أكثر على مدى الزمن، وفي مقابل ذلك يؤيد كثيرون تردّد السعودية في توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، على الرغم من أنّ السعودية هي من دفعت العديد من الدول العربيّة لإبرام اتفاقات سلام مع إسرائيل، بل إنّ السعودية فتحت مجالها الجويّ أمام الطيران الإسرائيليّ، والذي هو بحدّ ذاته خطوة نحو السلام.

أيّة محاولة لإقناع السعودية بالسلام تتطلب قيادة أمريكية قوية في المنطقة، وهذا ما فعلته إدارة ترامب، التي حوّلت الشرق الأوسط من منطقة صلبة إلى سائلة

وبشكل مفاجئ ألغى السعوديون، قبل أسابيع، زيارة كان مخططاً لها لمحفل أمني إسرائيلي كبير إلى بلادهم، وبحسب مصادر سياسيّة في القدس، ومن غير المستبعد أن يكون رئيس الموساد، يوسي كوهن، هو المحور المركزي في العلاقات بين الدولتين، وفي ظلّ ترابط العلاقات أفصح مكتب نتنياهو عن لقاء سرّي جرى بين رئيس وزراء إسرائيل وولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لكنّ هذا الاجتماع لم يعطى النتائج المرجوة بالنسبة للإسرائيليين.

نتنياهو

 وبحسب التسريبات الإسرائيلية؛ فإنّ مداولات الاجتماع السرّي الذي جرى في مدينة نيوم السعودية، وقد بحثت جملة من الموضوعات ذات الإهتمام المشترك مع السعوديين، لكنّ هذا التسريب من قبل إسرائيل قد أغضب السعودية، ووفق تقديرات سياسيّة إسرائيليّة؛ فإنّه من غير المرجّح التوصّل لاتفاق كامل مع السعودية في الأسابيع المقبلة، لكن قد يكون من الممكن إقناع الرياض باتّخاذ خطوات أصغر نحو ذلك، ومنها موافقة السعودية على البدء في السماح للرحلات الجوية الإسرائيليّة باستخدام مجالها الجويّ، لكن رغم ذلك ما يزال الجدل الإسرائيلي قائماً حول موقف السعوديين من تسريب نبأ الاجتماع، وربما يكون الجانبان اتّفقا مقدماً على اعتراف علنيّ شبه رسميّ بالحدث، دون التقاط صور أو ضجّة إعلامية، لكنّ شيئاً واحداً مؤكداً، هو أنّ القيادة في الرياض ليست مستعدّة بعد لعلاقات رسميّة مفتوحة مع إسرائيل، أو إجراءات اتفاقات سلام أخرى، وما تزال مصرّة على إحراز تقدّم كبير في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، كمدخل لأيّة تسوية في العلاقات.

اقرأ أيضاً: هل أفشل المغني محمد رمضان جهود السلام بين مصر وإسرائيل؟

يعتقد السعوديون أنّ وضع أنفسهم إلى جانب الإسرائيليين في مواجهة إدارة بايدن قد يمنحهم إحساساً بالأمان، أو يقدّم عرضاً للقوة، فهم حصلوا على ما يريدون بتثبيت التحالف مع نتنياهو عبر ائتلاف واسع مناهض لإيران، قبل تغيير الحرس في البيت الأبيض والبنتاغون، صحيح أنّ نتنياهو سيخسر ترامب بالفعل لكنّ إسرائيل ما تزال تتمتّع بدعم واسع في واشنطن، بينما السعوديّون قلقون أكثر من الإسرائيليين فيما يخصّ سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، الذي قد يعيد لأيام إدارة باراك أوباما، ويخفّف العقوبات عن إيران، ويجدّد المفاوضات النووية معها، ولذلك أراد نتنياهو وبن سلمان التأكيد أنّهما على الوجهة نفسها، ويقدمان على أعضاء إدارة بايدن كجبهة موحدة.

ولي العهد السعودي سمح للنساء بقيادة المركبات والحركة في الحيز العام من دون مرافق، وخطة 2030 التي وضعها ستسير بالسعودية نحو مستقبل بلا نفط

يبدو أنّ هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي تجبر السعودية على التردّد في تقدّم علاقاتها مع إسرائيل، حتى إنّ الإسرائيليين باتوا في حيرة، ويتساءلون لماذا تتردّد السعودية، رغم كلّ الجهود العربية والإسرائيلية المبذولة، في توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟ لكن لهذا السؤال العديد من الأجوبة، أهمّها: تخوّف الرياض من إيران ومن ردّ فعلها على التقرّب من إسرائيل، فالسعوديّون يتذكّرون جيداً ما فعلته إيران بواسطة حلفائها في اليمن والعراق، من استهدافها لمنشآت نفط مهمّة وعطّلتها لفترة طويلة من الزمن، ويتذكّر السعوديون أنّ أحداً، لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل، لم يرد على هذا الهجوم, ومن هنا استنتجوا أنّهم وحدهم في المعركة حيال إيران، وأنّ موازين القوى ليست في صالحهم. سبب آخر هو التخوّف السعوديّ من إدارة بايدن، وهذا ينقسم إلى سببين:

الأول: أنّ الإدارة ستحاول التقرّب من طهران من خلال رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، ما سيحيي الاقتصاد الإيراني، ويسمح لإيران بصبّ الوقود على شعلة كفاح الحوثيين في اليمن ضدّ السعودية.

اقرأ أيضاً: لماذا تسعى تركيا إلى ترميم علاقاتها مع إسرائيل؟

والسبب الثاني: أنّ إدارة بايدن ستعود لتنظر إلى السعودية عبر الزجاجة المكبرة لحقوق الإنسان، وستطرح أسئلة محرجة مرة أخرى عن قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وعن حقوق العمال الأجانب في المملكة، وسيكون الدعم الأمريكي للرياض متحفظاً ومحدوداً، ويشَكّ في أن يسمح بايدن وإدارته لإسرائيل بتسخين علاقاتها مع دولة يتحفظون عليها، بل ومن المتوقّع لإدارة بايدن أن تعيد إلى الجبهة المسألة الفلسطينية، وستتعاطى بسلبية مع كلّ تقدّم عربيّ مع إسرائيل، لا يراعي هذه المسألة، وهناك سبب ثالث للتردّد السعوديّ، وهو الوضع الداخلي في المملكة، فالعالم الغربيّ وإسرائيل يريان في المملكة وسلوكها أساساً، عبر أقوال وأفعال ولي العهد محمد بن سلمان، وأساساً عبر الإصلاحات التي يتّخذها من تقليص صلاحيات وميزانيات شرطة الأخلاق، والسماح للنساء بقيادة المركبات والحركة في الحيز العام من دون رجل مرافق، وحتى بلا حجاب، في حين أنّ خطة 2030 التي وضعها جاءت للسير بالسعودية نحو مستقبل بلا نفط، وإقامة مدينة المستقبل نيوم.

الأمير محمد بن سلمان

 لكنّ هذا الدليل يتجاهل عدة عناصر أخرى تلعب دوراً مهماً في السعودية: أولًا وقبل كلّ شيء مكانة بن سلمان في الحكم تعدّ خطأ، فمنذ أن عُيِّن ولياً للعهد، في حزيران (يونيو) 2017، ثمة صخب كبير في أوساط العائلة المالكة على تعيينه وسلوكه, وعندما عيّن في المنصب كان بن سلمان شاباً في مقتبل عمره، مقارنة بأولياء العهد السابقين، أخوة الملك سلمان الذين معظمهم أكبر منه بكثير، وفي مجتمع تقليدي كالسعودية، يشكّل العمر عاملاً أساسياً في الاعتبارات عند تعيين شخص ما في منصب عام ومهمّ، وعليه؛ فإنّ تعيين شاب مع تجاوز الكبار في السنّ يعدّ غير شرعي بالنسبة للسعوديين، إلى جانب فجوة أخرى؛ هي أن بن سلمان كان بلا تجربة في إدارة أجهزة وسياسة الدولة حين عيِّن ولياً للعهد مقارنة بسابقيه، الذين كانوا وزراء وسفراء وقادة في الجيش أو مديري شركات كبرى، بالتالي؛ أكثر ملاءمة بكثير منه في إدارة الدولة والسياسة، كما أنّ الإصلاحات التي أدخلها بن سلمان على مكانة النساء لا تروق لكثيرين في المملكة، مع أنّ الأغلبية الساحقة من الشبان يؤيدونها.

اقرأ أيضاً: قراءة إسرائيليّة في أهداف زيارة بومبيو لإسرائيل بهذا التوقيت

 في التراث البدوي للمملكة هناك قاعدة للحديث النبوي "العجلة من الشيطان والتأنّي من الرحمن"؛ ففي الصحراء لا يحصل شيء، بالتالي؛ لا يوجد شيء عاجل، ومن الأفضل الانتظار لما سيحصل من المخاطرة والانطلاق في عمل قد يكون خطيراً، هذه ميزة ثقافية متجذّرة عميقاً في طريقة التفكير والسلوك في المجتمعات التقليدية في الشرق الأوسط، وأهل الغرب من أبناء الثقافة المعاكسة.

اقرأ أيضاً: سياسيون إسرائيليون بعد هزيمة ترامب: السماء سقطت على إسرائيل

بالنسبة إلى الإسرائيليين؛ فهم يأملون بأن لا تفكر الإدارة الجديدة للولايات المتحدة بالعودة للاتفاق النووي الذي تخلت عنه قبل عامين؛ حيث يعدّ نتنياهو ذلك كارثة تاريخية لأمن إسرائيل القومي، مع أنّ اجتماع نتنياهو وبن سلمان لم يحدث اختراقاً جدياً في موضوع التقارب العلني بينهما؛ لأنّ السعوديين راضون، كما يبدو عن علاقاتهم الوثيقة الحالية مع إسرائيل، لكنّهم يفضّلونها سرّية، ومع أنّ نتنياهو سوف يستغل صداقته المزدهرة مع السعوديين في حملته الانتخابية المقبلة، إلا أنّ التقارب الإسرائيلي معهم ما يزال هدفاً بعيد المنال، وفي المقابل؛ لا أحد يعلم حقيقة مدى عفوية، أو دقّة، لقاء نتنياهو مع بن سلمان، بالتزامن مع إطلاق الحوثيين صاروخاً على ناقلة نفط سعودية قرب مدينة جدة، لكنّ هذا الصاروخ مثال ممتاز على حقيقة أنّ تغيير الحرس في واشنطن قد يخلق مناخاً خطراً للغاية، وغير مستقرّ، في الشرق الأوسط، على الأقل بالنسبة إلى إسرائيل؛ لذلك فإنّ التحوّل الفكريّ الذي جاء من اليمين في الأشهر الأخيرة، والذي يجد تعبيره في التخلّي عن التطلّعات نحو الضمّ في صالح اتّفاقات سلام إقليمية، هو تحوّل إيجابي؛ فهو يعكس إرادة الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين بالسلام وهو خير لليهود، ويمكن أن نعارض طريق نتنياهو وطريق الليكود أيضاً، وفي إطار ذلك؛ يعدّ لقاء رئيس وزراء إسرائيل مع ولي العهد السعودي، سواء كان سرّياً أم علنياً، حدثاً إيجابياً لنا جميعاً؛ فليس مجدياً السماح للأجندات العاصفة بتشويش عقولنا، فالعلاقات مع الدول العربية المعتدلة جزء من مسيرة إيجابية تتواصل منذ سنين، ويصبّ هذا في المصلحة الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: كيف أسقطت جائحة كورونا القناع الشفاف عن وجه نتنياهو؟

 لقد كانت رحلة نتنياهو إلى السعودية ضرورية كجزء من عملية التقارب، لكن هل مسّت بمصالحنا في اللحظة التي سربت فيها، لقد فوجئ السعوديون بالتسريب، ولهذا فقد تريثوا في ردّهم، وأخيراً نفوه بطريقة ملتوية، التعاون مع إسرائيل مهمّ لهم في هذا الوقت، وهذا خير لليهود أيضاً؛ الإسرائيليون ما يزالون متخوفين من سياسات الإدارة الجديدة في واشنطن، والتي من الممكن أن تغيّر واقعهم، والسعوديون يخافونها أيضاً، لأسباب أمنية خاصة بهم، ونحن نخاف منها لأسبابنا، لكنّ التحول في النهج اليميني في الأشهر الأخيرة باتّجاه السلام قد يقرّبنا مجدداً من الديمقراطيين، بشرط أن يسير العمل وفق تنسيق محكم، ويعي الإسرائيليون جيداً أنّ الاتّفاق السعودي الإسرائيلي نحو السلام يختلف عن الاتفاقات التي وقّعتها دول عربية أخرى معها، فأيّة محاولة لإقناع السعودية تتطلب قيادة أمريكية قوية في المنطقة، وهذا ما فعلته إدارة ترامب، التي حوّلت الشرق الأوسط من منطقة صلبة إلى سائلة.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://besacenter.org/


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية