لماذا تخشى إسرائيل من تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية؟

لماذا تخشى إسرائيل من تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
14/02/2022

تخشى إسرائيل نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا، في ظلّ التهديدات الروسية بغزو أوكرانيا وحشد نحو 100 ألف جندي روسي على حدودها، وما يثير قلق إسرائيل احتمالية اللجوء إلى خيار إجلاء آلاف اليهود المقيمين داخل أوكرانيا، حيث تعدّ الجالية اليهودية في أوكرانيا، والبالغ عدد أفرادها 48 ألف نسمة، ثالث أكبر جالية يهودية في أوروبا.

اقرأ أيضاً: هل يتمّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل بسرعة كما يرغب أردوغان؟

وكان إعلان الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش الموالي لروسيا، نيته القيام بتنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في 21 شباط (نوفمبر) 2013، باكورة انطلاق الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث أدّت تصريحاته إلى نشوب احتجاجات أطاحته، ما تسبّب في اضطرابات في المناطق الشرقية والجنوبية الناطقة بالروسية المؤيدة له، فاستغل بوتين ذلك وتدخل لضم القرم ودعم انفصال إقليمين في شرق أوكرانيا.

تهديد أمريكي

وهددت إدارة بايدن بفرض عقوبات على روسيا في حال نشوب حرب، في مقابل ذلك تقف إسرائيل على الحياد من الأزمة القائمة، وترفض التعليق على العقوبات الأمريكية، حفاظاً على مصالحها المشتركة مع الدولتين، خاصة الحفاظ على بقاء العلاقات الإستراتيجية مع روسيا قائمة، في ظلّ التنسيق العسكري القائم بين الجانبين داخل سوريا.

صحيفة "إيديعوت أحرونوت" العبرية، قالت إنّ صنّاع القرار في إسرائيل يخفون انحيازهم لموقف المنظومة الغربية الرافضة للتدخل الروسي في أوكرانيا، لكن إسرائيل حريصة على عدم إثارة غضب الروس بسبب الوضع الدائر في سوريا، مع العلم أنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع كييف وموسكو في آن واحد.

الأوكرانيون، وفي ظلّ نظرتهم لإسرائيل على أنّها وجهة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، طلبوا منها تزويدهم بصواريخ وطائرات بدون طيار، وأنظمة دفاع جوي وأسلحة صغيرة وأنظمة اتصالات

وأشارت الصحيفة إلى أنّ إسرائيل لا تعترف بالاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، ولا تعترف بالمناطق الانفصالية، وجرت العادة أن تصوّت إسرائيل والغرب لصالح أيّة قرارات تندّد بالاحتلال الروسي، لكن من ناحية أخرى لم ترغب إسرائيل في المضي قدماً في هذه المواقف المنددة، ولم تنضم إلى منصة القرم التي دعت لها أوكرانيا.

هجرة يهود أوكرانيا

وبينت الصحيفة، أنّ إسرائيل تستعد لقدوم موجات هجرات يهودية جديدة من أوكرانيا، خشية تأثرهم سلباً بإمكانية اندلاع الحرب مع موسكو، ولذلك فقد قررت الحكومة الإسرائيلية عدم انتظار إعلان رسمي للحرب، وبدأت الاستعداد لقدوم موجة كبيرة من هجرة يهود أوكرانيا إلى إسرائيل.

اقرأ أيضاً: الأفارقة ينحازون للحق: (لا) لانضمام إسرائيل للقارة السمراء

أما صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، فقالت إنّ قلق إسرائيل يتمثل في استغلال الإيرانيين للوضع القائم من خلال انصراف الاهتمام الدولي عن قضيتهم، وفي هذا الوقت يسرّعون من اندفاعهم نحو القنبلة، وستحاول إيران استغلال تطورات ذلك السيناريو، وعليه يجب أنّ تقف إسرائيل بالمرصاد كي لا ترى الولايات المتحدة في الأزمة مع روسيا مبرراً لحلول وسط في المفاوضات الجارية مع إيران.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ روسيا معنية باستعادة مجدها وضمان مكانتها كقوة عظمى ذات مصالح في الساحة العالمية، وهي تسعى لوقف ما تراه انتهاكاً لميزان القوى في المنطقة في أعقاب انتشار الناتو إلى الشرق، كما تريد روسيا من الغرب التعهد بعدم ضمّ أوكرانيا إلى حلف الناتو، ويبدو أنّه حتى الآن لم تقترح ضمانات ترضي روسيا في موضوع انتشار الناتو، وليس واضحاً إذا ما كان لدى روسيا نية للاجتياح أم لا.

المختص في الشأن الإسرائيلي د. عمر جعارة لـ"حفريات": إسرائيل تربطها مصالح مشتركة مع روسيا وأوكرانيا، وفي حال نشوب حرب بين الجانبين، لا يمكن لإسرائيل أن تبقى على الحياد

وكشفت وزيرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، فانينا شيتا، أنّ الجهات الحكومية الإسرائيلية بصدد إيجاد طرق لاستقبال أعداد من المهاجرين اليهود من أوكرانيا، وكشفت النقاب عن أنّه تم تقديم المساعدة بشتى الطرق للجالية اليهودية في أوكرانيا مالياً، من أجل زيادة جاهزيتها استعداداً لما قد يحدث في الحرب المتوقعة مع روسيا.

علاقات جيدة مع أطراف النزاع

في سياق ذلك، أكّد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، نهاد أبو غوش، أنّ "القلق الإسرائيلي من تطور الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، نابع من عدة مسائل؛ الأولى أنّ إسرائيل تحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع أطراف الأزمة، فضلاً عن العلاقة العضوية الفريدة من نوعها مع الولايات المتحدة، وكذلك مع دول غرب أوروبا، التي ترى إسرائيل نفسها جزءاً لا يتجزأ منها ثقافياً وحضارياً وحتى اقتصادياً".

اقرأ أيضاً: هل أنّ تركيا صديقة أم عدوّة لإسرائيل من وجهة نظر أردوغان؟

وبيّن أبو غوش لـ "حفريات" أنّ "إسرائيل ليست قلقة فقط بل محرجة من تطور الأزمة الروسية الأوكرانية، في ضوء التصعيد المتواصل من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لروسيا، والتحذيرات المتكررة بفرض عقوبات في حال قيام القوات الروسية باجتياح أوكرانيا، مع أنّ روسيا تواصل رفضها لنيتها اعتماد الخيار العسكري".

وأشار إلى أنّ "التطورات في أوكرانيا تهدّد بتآكل قوة الردع الأمريكية، في ظلّ عدم رغبة أمريكا بالدخول في أزمات جديدة بعد ورطاتها السابقة في أفغانستان والعراق، وانسحابها الأقرب  للهزيمة أمام طالبان، ثم خفض قواتها وحجم تدخلها في سوريا، كلّ ذلك يعطي رسالة لكل الضالعين في أزمات الشرق الأوسط، بأنّ قدرات التدخل الأمريكية في الأزمات الدولية، لم تعد سهلة، ولا هي حاسمة، كما كانت في السابق، وهذا أيضاً قد ينعكس على إسرائيل ويضعف اعتمادها المطلق على الولايات المتحدة".

ضغط أمريكي على إسرائيل

ويرى أبو غوش أنّ "تطور الأزمة سوف يدفع إسرائيل لاتخاذ موقف وعدم الاكتفاء بالتفرج، فإسرائيل، التي كانت على امتداد تاريخها أداة من أدوات تنفيذ السياسات الأمريكية في الإقليم، لا تستطيع أنّ تغضب أمريكا، أو تتخذ موقفاً لا ينسجم مع الموقف الأمريكي في قضية حساسة كهذه، فالولايات المتحدة هي الداعم الأول والرئيس لإسرائيل، وهي التي توفر لإسرائيل الغطاء السياسي والعسكري، وتحميها من أية إجراءات عقابية من جانب المجتمع الدولي".

اقرأ أيضاً: منظمة العفو الدولية: إسرائيل تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الفلسطينيين

ولفت إلى أنّ "هجرة يهود أوكرانيا إلى إسرائيل في حال نشوب تصعيد عسكري، سوف تتسبّب بأزمات اجتماعية على المستوى الداخلي في إسرائيل، في ظلّ وجود تناقضات داخل الأحزاب السياسية، فآلاف الوافدين من الخارج في حاجة إلى سكن وفرص عمل، إلى جانب العديد من الخدمات الأخرى المطلوب من الدولة تأمينها".

بدوره، قال الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، د. عمر جعارة: "إسرائيل تربطها مصالح مشتركة مع كلّ من روسيا وأوكرانيا، وفي حال نشوب حرب بين الجانبين، لا يمكن لإسرائيل أن تبقى على الحياد في موقفها من الأزمة، بل ستواجه ضغوطاً من قبل أمريكا لاتخاذ قرار إدانة، وبالتأكيد هذا القرار سيكون ضدّ روسيا، بالتالي، سينعكس ذلك سلباً على إسرائيل".

وأوضح جعارة، لـ "حفريات": "هناك تبادل تجاري وتعاون في عدد من المجالات الحيوية والاقتصادية والتكنولوجية بين إسرائيل وروسيا، إلى جانب أنّ إسرائيل تحتفظ بعلاقات جيدة أيضاً مع الصين، ولكن العلاقات الجيدة مع كلّ من الصين وروسيا، لا يمكن أن تصل إلى درجة تجاوز الحسابات الأمريكية أو الإضرار بمصالحها".

استغلال إيران للوضع

ولفت إلى أنّ "الأزمة الروسية الأوكرانية، وفق مخاوف إسرائيل، قد تؤدي إلى حرف الانتباه عن إيران وتعاظم قدراتها العسكرية والنووية، كما قد يدفع ذلك أمريكا إلى التسريع في إبرام الاتفاق النووي الجديد، دون مراعاة المخاوف الإسرائيلية من الوصول إلى إتفاق نووي".

وأشار إلى أنّ "الأزمة الأوكرانية الروسية أظهرت انقسام أوروبا واعتمادها الكبير على الغاز الروسي، وهكذا فإنّ تعقيدات هذا الملف سوف تترك تداعيات دولية كبيرة على استقرار العالم، ويضع ذلك إسرائيل أمام خيارات صعبة".

اقرأ أيضاً: أردوغان يتودد لإسرائيل مجدداً... ما المأزق الذي وضع نفسه فيه؟

يشار إلى أنّ الأوكرانيين، وفي ظلّ نظرتهم لإسرائيل على أنّها وجهة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، قد طلبوا منها تزويدهم بصواريخ وطائرات بدون طيار، وأنظمة دفاع جوي وأسلحة صغيرة وأنظمة اتصالات وحرب إلكترونية، وأبدى الإسرائيليين الاستعداد للالتزام بصفقات ضخمة تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات، لكن أوقفت إسرائيل إبرام الصفقة في لحظاتها الأخيرة خشية التورط في خلافات مع روسيا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية