لماذا تخلى إخوان ليبيا عن فتحي باشاغا؟

لماذا تخلى إخوان ليبيا عن فتحي باشاغا؟


28/02/2022

لم تمر حادثة طرد رئيس ما يعرف بـالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، القيادي الإخواني خالد المشري، من احتفالات 17 شباط (فبراير) بمدينة الزاوية، مرور الكرام، حيث فسر مراقبون ما جرى بأنّه يدل على حدة الانقسام داخل معسكر الإخوان في ليبيا، بين فريق يؤيد تكليف فتحي باشاغا رئيساً للحكومة، وآخر يتمسك ببقاء عبد الحميد الدبيبة، ويرفض تغييره.

ففي البداية، أيّد خالد المشري تعيين باشاغا رئيساً للحكومة، بعد أن وجّه اتهامات قوية للدبيبة، واتهمه بشن حملة على مؤسسات الدولة، لافتاً إلى أنّ "النص المصاحب للتصويت بمنح الثقة، في آذار (مارس) الماضى لحكومة الدبيبة، أكد في المادة الثانية، أن تكون مدة حكومة الوحدة الوطنية أقصاها 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021". وأوضح أنّ "تعيين وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، خلفاً للدبيبة؛ يستند إلى ذلك النص، وبناء على توافق بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب".

وعلى الجانب الآخر، دعّم جناح إخواني كبير بقاء عبد الحميد الدبيبة في موقعه، خاصّة قادة الميليشيات في الغرب، والتي تلّقت أوامر بمحاصرة مقار المؤسسات الرسميّة في طرابلس، والتأكيد على استمرار تأييد الدبيبة، ورفض تنصيب باشاغا خلفاً له.

مآلات المناورة الإخوانيّة

من جهته، قال فرج ياسين، رئيس المجلس المحلي لمنطقة طبرق سابقاً، في تصريحات صحفية، إنّ "الهدف هو خلق حرب أهلية داخل طرابلس، وفتنة بين الميليشيات تتحول إلى بركة دماء؛ لتكون الحصيلة تقسيم البلاد، وجعل موطئ قدم دائم للتنظيم". وأضاف: "الإخوان يسعون جاهدين لبقاء مفاصل الدولة تحت سيطرتهم، ومن خلفهم القوى المسلحة التي تتبعهم، ولو كان الأمر سيؤدي إلى تفتيت البلاد، لكن يظل التنظيم مسيطراً على المنطقة الغربية، ويشكل هناك الدولة التي يريدها وفق منظوره".

فرج ياسين: الإخوان يسعون جاهدين لبقاء مفاصل الدولة تحت سيطرتهم، ومن خلفهم القوى المسلحة التي تتبعهم، ولو كان الأمر سيؤدي إلى تفتيت البلاد

 

جدير بالذكر أنّ المجلس الأعلى للدولة الليبية، والذي يهيمن عليه الإخوان، أرسل كتاباً ممهوراً من 60 عضواً من أعضائه إلى مجلس النواب الليبي؛ لتأكيد الموافقة على التعديلات الدستورية، ودعم خطة المجلس لتكليف باشاغا بتشكيل حكومة جديدة.

اقرأ أيضاً: ليبيا: الإخواني المشري يغير موقفه من باشاغا ويهاجم مجلس النواب... ماذا حدث؟

الناشط السياسي الليبي، محمود الكزة، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّه في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الانقسامات في صفوف الإخوان في ليبيا؛ حول قرار مجلس النواب الأخير، القاضي بسحب الثقة من حكومة الدبيبة، وتكليف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة أخرى.

الكزة أوضح أنّ تشكيلة حكومة باشاغا المنتظرة، والتي تضم 27 وزارة، وفق محاصصة إقليميّة، رفضتها أغلب الأذرع الإخوانيّة، لكن الهجوم على حكومة باشاغا لم يكن شاملاً من مؤيدي الإخوان؛ حيث تحفظ البعض وأيدها البعض الآخر، مثل الأمين السابق لحزب العدالة والبناء الإخواني، السيد محمد صوان، الذي تمنى عبر تطبيق "كلوب هاوس"، النجاح للحكومة الجديدة في مهامها، كما باركت بعض الميليشيات في الزنتان ومصراتة، تكليف باشاغا برئاسة الحكومة، بينما عارضت باقي التشكيلات المسلحة قرار البرلمان، بزعم أنّ حكومة الدبيبة هي خير ضامن للاستقرار، في ظل جلوس باشاغا على مائدة التفاوض، وشروعه في إتمام الصلح مع خليفة حفتر، كما عارض آخرون بسبب فتاوى أوقاف الغرياني، الأمر الذي دفع مراقبين إلى القول بوجود تناقض في المواقف لدى أتباع وأعضاء الجماعة.

 

محمود الكزة: الهجوم على حكومة باشاغا لم يكن شاملاً من مؤيدي الإخوان، حيث تحفظ البعض وأيدها آخرون، مثل الأمين السابق لحزب العدالة والبناء الإخواني، السيد محمد صوان

 

الكزة أكّد أنّه ما بين انقسام الإخوان، وما يتبعهم من ميليشيات، ربما سيكون هناك منزلق يؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها، خاصّة مع ضعف دور الجيش والداخلية في مدن الغرب، وانتشار الجماعات الإرهابية، التي كانت وماتزال الخطر الداهم في الداخل والخارج، والتي تتحين الفرصة لتدمير كل مساعي السلام.

اقرأ أيضاً: ليبيا: باشاغا يبدأ المشاورات لتشكيل حكومته... وحراك عسكري موالٍ له في طرابلس

السياسي البرقاوي اختتم تصريحاته بنبرة متشائمة، متوقعاً العودة إلى المربع صفر، لتصبح حكومة باشاغا حكومة تصريف أعمال في برقة، مع استمرار حكومة الدبيبة الرافصة لقرار البرلمان في مهامها غرباً، وكل ذلك سيؤدي، في ظنه، إلى تفجر الصراع العسكري من جديد، لافتاً إلى أنّ الانقسام الإخواني، وتحت ضغط أجندة التنظيم الدولي، وبرعاية قوى إقليمية، انتهى في النهاية باتخاذ موقف واحد، بدعم حكومة الدبيبة، والتخلي عن باشاغا.

المجلس الأعلى يتراجع عن قراره

بالفعل، وإمعاناً في خلق حالة من الصراع السياسي، تراجع خالد المشري، عن موقفه؛ ليرفض ما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة بشكل مباغت، جملة التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب الليبي، بعد أن سبق ووافق عليها، وهو الموقف الذي وصفه رمضان بلحاج، السياسي والدبلوماسي الليبي، في تصريحات صحفيّة، بأنّه "سوف يؤدي إلى عودة ليبيا إلى المربع الأول في القضية الساخنة، التي تشهد انقسامات، كما أنّه سيدخل البلاد في نفق الصراعات من جديد".

نفس الأمر ذهب إليه المحلل السياسي الليبي، عز الدين عقيل، الذي قال في تصريحات صحفية، إنّ خطر الانقسام صار حقيقياً، لكنه شدّد على أنّ "سيناريو الحكومة الليبية، إبان رئاستها من قبل، عبدالله الثني، لن يتكرر؛ إذ إنّ باشاغا سيصرّ على أن يباشر مهامه من العاصمة طرابلس، ويتولى السلطة في جميع ربوع البلاد، ولن يرضى بأن يبقى بتشكيله الوزاري في الشرق، مقابل إصرار الدبيبة على بقائه في منصبه وعدم التسليم".

عز الدين عقيل: سيناريو الحكومة الليبية، إبان رئاستها من قبل، عبدالله الثني، لن يتكرر؛ إذ إنّ باشاغا سيصرّ على أن يباشر مهامه من العاصمة طرابلس

الانقلاب الإخواني المباغت على خطط البرلمان، بعد مناورة خالد المشري المكشوفة، بالتزامن مع عودة خطاب العنف الميليشياوي إلى صدارة المشهد، دفع، ستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممّية، إلى مطالبة الفرقاء بالامتناع عن التلويح باستخدام العنف، وسط تحركات مشبوهة للميليشيا الإخوانيّة.

ويليامز التقت السبت الماضي، في العاصمة طرابلس، بالمشاركين في اجتماع صناع السلام، الذي انعقد بتونس في وقت سابق، في محاولة منها لمضاعفة الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة، ونبذ العنف؛ تمهيداً لاستعادة المسار السياسي، الذي توقف في أعقاب الفشل في عقد الانتخابات 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: ليبيا: الدبيبة يلجأ إلى مصراتة لحصد التأييد... وهذا موقف القيادة العامة من باشاغا

ويبدو أنّ الموقف الدولي تجاه الأزمة في ليبيا، قد فقد بعضاً من حيويته، في ظل الانشغال بالأزمة الأوكرانيّة، لكنّ الحل السياسي يلزمه ضغط دولي؛ لتحقيق أهداف المسار السياسي، ومباشرة تفعيله، في ظل عودة بعض الأطراف إلى ممارسة العبث، من أجل مصالح شخصيّة، وأجندات إقليمية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية