لماذا تدعم إيران داعش في موزمبيق؟

لماذا تدعم إيران داعش في موزمبيق؟


19/11/2020

يشهد شمال موزمبيق تنامياً سريعاً للأعمال الإرهابية، على يد جماعة أنصار السنّة والجماعة، التي بايعت تنظيم داعش، تسبّب في مقتل ما يقرب من 2000 شخص، ونزوح مئات الآلاف، في المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي والبترول.

ويطلق السكّان المحليون اسم "الشباب" على الجماعة، تشبيهاً بـ "حركة الشباب المجاهدين" في الصومال.

وألقت سلطات موزمبيق القبض على 12 إيرانياً، في خليج بيمبا، بعد العثور على أسلحة متنوّعة على متن سفينتهم، العام الماضي، ووجهت لهم تهمة دعم الجماعات الإرهابية في منطقة كابو ديلجادو، شمال البلاد.

ومنذ عام 2017؛ نشطت جماعة أنصار السنّة في المنطقة، وأعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية، ورفض التعليم العلماني، ما جعل مراقبين يربطون بين الجماعة وحركة بوكو حرام في نيجيريا.

تقع موزمبيق في شرق أفريقيا

وتتبع إيران إستراتيجية دعم الجماعات الإرهابية في شرق أفريقيا وغربها، بغية نشر الفوضى وتدمير المصالح الغربية والخليجية، وبيع السلاح والمخدرات، وعلى الرغم من الخلاف العقائدي بين إيران وهذه الجماعات، إلا أنّ ذلك لم يكن أبداً عائقاً أمام التعاون بين إيران وتنظيم القاعدة وداعش.

جماعة أنصار السنّة

ذكرت وسائل الإعلام في موزمبيق، أنّ مسلحين إسلاميين ذبحوا أكثر من 50 شخصاً في شمال البلاد، في العاشر من الشهر الجاري. وقام المسلحون بتحويل ملعب لكرة القدم في إحدى القرى إلى ساحة إعدام، جرت فيه عملية الذبح.

ويعدّ هذا الحادث الأشدّ من بين سلسلة الهجمات الإرهابية التي ضربت شمال البلاد منذ عام 2017، مع اعتناق جماعة أنصار السنّة أيديولوجية العنف المسلّح، وزيادة ارتباطها بتنظيم داعش.

وجّهت موزمبيق تهمة دعم الجماعات الإرهابية في شمال البلاد إلى 12 إيرانياً، جرى اعتقالهم على متن سفينة محمّلة بالأسلحة في خليج بيمبا

وعام 2018؛ ذبح المسلّحون 10 أشخاص في قرية مونتي، كان من ضمنهم أطفال.

ووثّق مشروع بيانات الصراع المسلح، الذي يرصد ضحايا الحوادث الإرهابية؛ وقوع 285 قتيلاً، في الفترة بين كانون الثاني (يناير) إلى نيسان (أبريل) العام الجاري، وسجّل مقتل 1100 شخص في إقليم كابو ديلجادو، وقوع 101 حادث إرهابي، منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2017، وحتى نيسان (أبريل) 2020.

يجبر داعش السكان على الهجرة أو الانضمام إليه

وأعلن تنظيم أنصار السنّة هدفه بإقامة الخلافة الإسلامية في الإقليم الغني بالغاز، داعياً في فيديو إلى رحيل القوات الحكومية، في نيسان (أبريل) العام الحالي.

وتأكيداً على مولاة أنصار السنّة لداعش؛ أعلنت ولاية وسط أفريقيا، التابعة لتنظيم الدول داعش، مسؤوليتها عن هجوم موسيمبوا، و 30 هجوماً في المنطقة.

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي؛ سيطر المسلحون على جزر بارادايس، أو ما تعرف بـ "جزر الفردوس"، الواقعة على المحيط الهندي، شرق أفريقيا، وحرقوا الفنادق والفلل الفاخرة على شواطئ الجزيرة، بدعوى فرض الشريعة الإسلامية، وفق صحيفة "ديلي ميل".

اقرأ أيضاً: هل يختلف "داعش" عن "الإخوان المسلمين" فكريّاً؟!

كما سيطر التنظيم على جزيرتَي فاميزي وميكونغو، وقام بحرق المنازل والمزارع، وأمر سكانها الأصليين بمغادرة الجزيرة.

ويقول الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد عبد الكريم أحمد إنّ المسلحين يركّزون أهدافهم على القرى النائية في مقاطعة موسيمبوا دا برايا؛ "حيث تمكّنوا من تحقيق اختراق نوعي في عملياتهم، في آذار (مارس) الماضي، بالاستيلاء على المباني الحكومية، بما فيها ثكنات الجيش والشرطة، قبل حرقها لاحقاً".

ويضيف عبد الكريم، لـ "حفريات": "كانت هذه التكتيكات الوحشية علامة واضحة للغاية على مدى سرعة وعمق هيمنة داعش في موزمبيق على عناصر جماعة "أنصار السنة"، بجانب الزيادة الكبيرة لأعداد المقاتلين، والتحسّن النوعي الكبير في الهجمات، ورفع المقاتلين لأعلام تنظيم داعش".

اقرأ أيضاً: ما هي مؤشرات عودة داعش في أفريقيا؟

وتضمّ موزمبيق واحداً من أهم 10 مشروعات غاز في العالم، وهو مشروع مصنع تسييل الغاز الطبيعي للتصدير في روفوما، الذي تصل استثماراته إلى 22.4 مليار دولار، وتديره شركة "إكسون موبيل" الأمريكية، ويعدّ جزءاً من سلسلة مشروعات كبرى تستهدف تغيير صناعة الغاز في البلاد، في الأعوام الخمسة المقبلة.

وثمة مشروع آخر وهو مشروع موزمبيق لإسالة الغاز الطبيعي للتصدير، بتكلفة 15 مليار دولار،  وتشارك في تطويره عدة شركات من بينها؛ شركة توتال الفرنسية، وميتسوي اليابانية، ومؤسسة البترول والغاز الهندية.

البيئة الحاضنة للإرهاب

وبحسب الباحث محمد عبد الكريم؛ تستهدف التهديدات الإرهابية مواقع تطوير واستكشاف الغاز، التي تقع أغلبها في مناطق نائية، وتحرسها قوات قليلة مقارنةً بأعداد المهاجمين، ويستهدفون أيضاً مراكز التوزيع؛ من المرافق، والمباني، وخطوط الأنابيب، ومحطات الضخّ، ومركبات النقل، التي تكون من غير حماية حقيقة.

ويقول عبد الكريم: "تجتمع العوامل الحاضنة للإرهاب في شمال موزمبيق؛ حيث تنامي قوة جماعة أنصار السنّة، وزيادة ارتباطها بداعش، واستمرار فشل الدولة في إنجاز تنمية متوازنة بين الأقاليم المختلفة، ومتلازمة "لعنة الموارد" بمستويات متعدّدة في تلك المنطقة، التي تضمّ حوض روفوما، الذي يحتضن أكبر مشروع للغاز الطبيعي في أفريقيا، وقصور المقاربة الأمنية الموزمبيقية، واعتمادها على شركات خاصّة لحفظ الأمن من روسيا وجنوب أفريقيا، دون رؤية أمنية شاملة".

الباحث محمد شعث لـ"حفريات": لا تقف الخلافات العقائدية المذهبية عائقاً أمام تعاون إيران وداعش وتنظيم القاعدة، فطهران تستضيف قيادات القاعدة على أرضها

وصرّح تريستان جوريت، من مجموعة "ريسك أدفايزري" لشؤون الأمن، لوكالة الأنباء الألمانية؛ بأنّ "استجابة الجيش للهجمات الإرهابية ضعيفة للغاية، ويعاني من إخفاق شديد في إدارة العمليات في إقليم كابو ديلغادو".

وعقب سيطرة المسلحين على ميناء بلدة موكيمبوا دا برايا، لم يعد يفصلهم سوى 80 كم عن جنوب شبه جزيرة أفونغي؛ حيث يقع مشروع منشأة لتسييل الغاز الطبيعي، وهو واحد من أكبر المشروعات الاستثمارية في أفريقيا.

الدعم الإيراني للإرهاب

ونشرت صحيفة "فورين بوليسي" تقريراً، في تموز (يوليو) الماضي، حول دعم إيران لحركة الشباب المجاهدين في الصومال، والجماعات المسلحة في منطقة القرن الأفريقي، سيراً على سياسة روسيا في أفغانستان والمناطق المحيطة.

تتفوق داعش تسليحاً وتدريباً على قوات الجيش

وقال التقرير؛ إنّ إيران تموّل الجماعات المسلحة، في الموزمبيق، وتنزانيا، وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى الصّومال، وتمدّهم بالسلاح، ضمن إستراتيجية استخدام هذه الجماعات في خلق مناطق نفوذ لمواجهة المصالح الأمريكية والغربية والخليجية، وخلق قواعد لنقل السلاح عبرها إلى الحوثيين في اليمن.

ووجّه الادّعاء العام في موزمبيق تهمة دعم الجماعات الإرهابية في شمال البلاد، إلى 12 إيرانياً، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، جرى اعتقالهم على متن سفينة محمّلة بالأسلحة في خليج بيمبا، العام الماضي. 

اقرأ أيضاً: هل يُنشئ داعش مؤسسات إعلامية في تونس؟

وحول الدعم الإيراني لداعش في موزمبيق، يقول الباحث في الشؤون الإيرانية، محمد شعث: "بالنظر إلى السياسية العامة الإيرانية، نجدها تقوم على التوغّل في أيّ مكان تستطيع الوصول إليه، عبر صناعة ولاءات وميليشيات، عبر المنهج العقائدي، وإلى جانب ذلك بعد آخر يتعلّق بتجارة السلاح والمخدرات، ومن ذلك ضبط مراكب عدّة يسيرها إيرانيون، ينتمون إلى الحرس الثوري، محملة بأسلحة ومواد مخدرة، خاصة في الأزمة الاقتصادية، بسبب العقوبات الأمريكية، التي جعلت تهريب السلاح والمخدرات المنفذ الوحيد أمام الحرس الثوري لتمويل أنشطته الإرهابية".

اقرأ أيضاً: هل داعش بسبعة أرواح.. لماذا لا ينتهي؟

ويردف شعث، لـ "حفريات": "لا تقف الخلافات العقائدية المذهبية عائقاً أمام تعاون إيران وداعش وتنظيم القاعدة، فإيران تستضيف قيادات القاعدة على أرضها، وتدعم حركة الشباب المجاهدين، وكانت لها يد في دعم توسّع داعش في شرق أفريقيا، لاستخدامه في خلق توترات ونزاعات، تفتح أسواقاً لها لبيع السلاح".

ويرى شعث؛ أنّ داعش لم يهاجم الداخل الإيراني، بينما يهاجم أذرع إيران في البلدان المختلفة، في إطار الصراع على النفوذ، دون أن يمسّ المصالح الإيرانية، حفاظاً على المصالح المشتركة بينهما.

وتعدّ موزمبيق ممراً للأنشطة الإجرامية، بما فيها؛ تهريب الكوكايين، والبشر، وتهريب الأسلحة، إضافة إلى خطر تحوّلها إلى مأوى للتطرف، الذي يتّجه إليه بعض شباب دول منطقة جنوب أفريقيا المهمّشة، وهو ما قد ييسّر شنّ هجمات إرهابية خارجها.

وبعد مرور سبعة وعشرين عاماً على انتهاء الحرب الأهلية في موزمبيق، وقّع قادة الحكومة وممثلو المعارضة الرئيسة اتفاق سلام في العاصمة مابوتو، في آب (أغسطس) 2019، وهي المحاولة الثالثة من نوعها لإحلال سلام دائم في البلد الواقع شرق أفريقيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية