لماذا ترفض إسرائيل طلب مصر التوسط بقضية سد النهضة؟

لماذا ترفض إسرائيل طلب مصر التوسط بقضية سد النهضة؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
30/08/2021

مع توقف المحادثات مطلع الشهر الجاري بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة، جرى ترحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي وسط خلافات الدول الثلاث حول ملء السد.

وتعتبر مصر أنّ السدّ يشكّل "تهديداً وجوديّاً" بالنسبة لها، مطالبة، كما ذكر وزير الخارجية المصري سامح شكري بـ"اتفاق مُلزِم قانوناً" بالنسبة إلى إثيوبيا في ما يتعلّق بالسدّ.

وقال الوزير المصري إنّ "المسار التفاوضي الذي يقوده الاتّحاد الأفريقي قد وصل لطريق مسدود". وأضاف: تُطالب مصر مجلس الأمن بتبنّي مشروع القرار الخاصّ بمسألة سدّ النهضة الإثيوبي الذي يدعو إلى تسوية النزاع في غضون ستّة أشهر، وبأن توقِف إثيوبيا ملء خزّان السدّ، وبأن يُدرج المجلس على جدول أعماله هذا الملفّ المتأخّر منذ العام 2011.

بالرغم من وجود خط تفاهم بين إسرائيل ومصر في العديد من الملفات والقضايا، ووجود مصالح اقتصادية خاصة في مجال الغاز والطاقة، إلا أنّ إسرائيل تخفي العداء لمصر

 وكانت أحدث المحطات الخلافية البارزة في تموز (يوليو) الماضي، عندما أظهرت صور الأقمار الصناعية من شركة "ماكسار تكنولوجي"، ومقرها الولايات المتحدة، المياه تتجمع في خزان سد النهضة، ما دفع المسؤولين المصريين لطلب توضيح عاجل، كما أعلن السودان المجاور انخفاض منسوب المياه على طول النهر.

وطلبت مصر من إسرائيل التوسط بين الجانبين، لكن إسرائيل رفضت بشكل قاطع التدخل في هذا الملف. وقال مسؤولون مصريون إنّ فرص نجاح المهمة الإسرائيلية متدنية، وسيسارع الجانبان الإثيوبي والمصري إلى لوم الوسيط على الفشل، لذلك رفضت إسرائيل التدخل في هذه القضية.

تورط إسرائيلي

ووجه إعلاميون مصريون التهم لإسرائيل بأن لها يداً في أزمة سد النهضة، عبر تشجيع ومساعدة إثيوبيا على إتمام هذا المشروع، وذلك لتحقيق حلم تل أبيب القديم بالحصول على حصة من مياه النيل، كما بيّن الإعلاميون أن هناك تآمراً ودفعلاً من قبل إسرائيل خلال السنوات الماضية لدول أعالي النيل كإثيوبيا، إلى تنفيذ مشروعات مائية لتهديد ومحاصرة مصر، مع الإشارة إلى قيام إسرائيل بالإسهام في تمويل وتشييد هذه السدود.

تعتبر مصر أنّ السدّ يشكّل "تهديداً وجوديّاً" بالنسبة لها

ونفت سفارة إسرائيل في القاهرة ضلوعها في أزمة سد النهضة الإثيوبي المتصاعدة، مؤكدةً أنها تقف على مسافة واحدة من أطراف الأزمة، وما تردد مؤخراً عن ضلوع إسرائيل في موضوع سد النهضة "عارٍ عن الصحة ولا أساس له، مضيفاً أن إسرائيل حكومةً وشعباً معنية باستقرار مصر وسلامة مواطنيها".

وعبر مختصون مصريون في الموارد المائية، عن بالغ استيائهم وقلقهم من تنظيم خبراء من تل أبيب ندوة افتراضية في إسرائيل أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2020، بمشاركة خبراء ومسؤولين أفارقة ومصريين، حيث دعا خبراء إسرائيليون خلال الندوة مصر والسودان إلى تقبل الواقع الجديد بشأن السد، وأن يعدلوا وجهة نظرهم تجاه نهر النيل عموماً.

اقرأ أيضاً: السودان يرحب بمبادرة جزائرية لحلحلة أزمة سد النهضة... فما هي؟

وبحسب صحيفة "معاريف العبرية" فإنّ الدبلوماسية الإسرائيلية ومنذ نشأتها لم يكن لديها طموح لحل مشاكل الآخرين، وترى إسرائيل بأنّ ذلك لا يعد مسألة قدرات بل ثقافة سياسية، لأن إسرائيل لم تنظر إلى نفسها على أنها قوة إقليمية، وإذا كان الأمر كذلك فإسرائيل خيارها العسكري يكون مقدماً في أغلب الأحيان على الخيار الدبلوماسي.

وأضافت الصحيفة إسرائيل لديها مشاكل كبيرة في المنطقة وبالتحديد مع غزة التي تواجه صعوبة في الترويج لتسوية معها والحفاظ على حالة هشة من عدم اليقين، لكن عدم وجود العزيمة لديها يتسبب في تعثر الوضع الأمني، كما أنّ الوساطة الإسرائيلية المطلوبة مصرياً مثلها مثل المبادرة السياسية، تتطلب بعض الصفات التي لا تسعى إليها إسرائيل عادة لنفسها وبالتأكيد غير واعية لها.

لماذا أخطأت مصر؟

ويعتقد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي أنّ "مصر أخطأت عندما طلبت تدخل إسرائيل كوسيط بينها وبين إثيوبيا لإيجاد حلول لأزمة سد النهضة، لأنّ إسرائيل غير معنية لحل المشاكل والأزمات العالقة في المنطقة، كما أنّ إسرائيل دولة غير مؤهلة لحل القضايا والمشاكل بين الدول، وليس لها تأثير وتدخلها سيزيد الملف تأزم".

وأشار الهندي في حديثه لـ"حفريات": إلى أن "إسرائيل معنية بإضعاف مصر على اعتبار أنها دولة ذات ثقل سياسي وتواصل البحث عن دور مؤثر لها في المنطقة، كما أنّ إسرائيل تبحث وتخطط منذ زمن طويل مع دول حوض النيل، لإقامة مشاريع أفريقية من شأنها التأثير بشكل سلبي على مستقبل مصر".

الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي

وبين أن "إسرائيل وإثيوبيا تتمتعان بعلاقات سياسية وتاريخية مميزة، حيث عملت إسرائيل على تقديم الدعم الكبير للوبي الإثيوبي في الأمم المتحدة، لذلك لا تستطيع إسرائيل الوقوف ضد إثيوبيا في قضية سد النهضة أو تقديم حلول لصالح مصر، ولهذا تمتنع إسرائيل عن التدخل في هذه القضية".

وأوضح المختص في الشأن الإسرائيلي أن "طلب مصر تدخل أطراف مثل إسرائيل في قضية السد، هذا نابع من ضعف مصر ومن أسباب هذا الضعف، عدم الانتباه إلى مجموعة من المخاطر التي تهدد مستقبل مصر وفي مقدمتها إسرائيل وإيران وتركيا وإثيوبيا، وجميع هذه الدول تبحث عن مصالح وأطماع لها في المنطقة على حساب مصر، وجميع هذه المصالح تدفع إلى تحدي مصر".

الباحث هاني سليمان لـ"حفريات": رفض إسرائيل التوسط بهذا الملف كان متوقعاً فإسرائيل ترى في إثيوبيا نقطة انطلاق نحو تحقيق مصالحها في أفريقيا

وأضاف "إسرائيل تلعب دوراً كبيراً وتسعى إلى تحقيق أطماعها مستقبلاً في نهر النيل، لذلك لم تكترث إسرائيل كثيراً لحل القضايا العالقة في أفريقيا، فإسرائيل معنية بأن تكون أفريقيا معزولة عن باقي الدول العربية، كما أنها معنية باستمرار النزاع القائم وعدم حله لتسهيل تحقيق أطماعها".    

اقرأ أيضاً: سد النهضة يهدد السودان... وزير مصري ومسؤلون يحذرون

من جهته بيّن مدير المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية هاني سليمان أن "رفض إسرائيل التوسط بهذا الملف كان متوقعاً من قبل مصر لأمرين، الأول أنّ إسرائيل ترغب في أن تكون محايدة وليس لها علاقة بالموضوع، والجانب الآخر أنّ إسرائيل ترى في إثيوبيا نقطة انطلاق نحو تحقيق مصالحها في أفريقيا، كما أنها تفكر في التقارب بشكل أكبر مع إثيوبيا وتشكيل جبهة لصد أي نفوذ للدولة المصرية، لذلك لا تريد خسارة الجانب الإثيوبي".

تشجيع إسرائيلي لإثيوبيا

وأوضح سليمان لـ"حفريات": أنّ "إسرائيل موجودة وبقوة في مشروع سد النهضة الإثيوبي، وهي من الدول التي قدمت التمويل والدراسات والدعم الكافي لتشجيع أديس أبابا على إقامة هذا المشروع، لأنّ ذلك يقوّض قدرات مصر التي تعتمد في مواردها المائية على النيل، كما أنّ إسرائيل من مصلحتها أن تدار الأمور الحالية بهذا الشكل، وأن لا يكون هناك اتفاق بين الجانبين لفرض مزيد من الضغوط على مصر، وهذا بالتأكيد يخدم المصالح الإسرائيلية الإثيوبية".

مدير المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية هاني سليمان

وأشار إلى أنّ "إسرائيل لا تضيع أي فرصة في منطقة الشرق الأوسط ترى فيها مصلحة لها، فتدخّل إسرائيل كما صرح خبراء مصريون بدعم إثيوبيا في بناء سد النهضة، هو بمثابة فرصة لإسرائيل للضغط على مصر عبر ملف السد، بما يحقق في النهاية رغبتها التاريخية بأن تصبح دولة مصب لنهر النيل".

وتابع "هناك مخطط إسرائيلي قديم للانضمام إلى دول المصب في نهر النيل، ومصر على علم بذلك وستمنع أي محاولة من قبل إسرائيل للانضمام، ولكن يعتقد سليمان أنّ هناك في الكواليس إشارات وملامح تؤكد أنّ حل مشكلة سد النهضة مرتبط بإسرائيل، من خلال انضمام إسرائيل إلى دول المصب أو يكون هناك حصص يتم تقسيمها وفق تفاهمات لاحقة".

اقرأ أيضاً: مجلس الأمن والدفاع السوداني يصدر هذه القرارات... ما علاقة سد النهضة؟

وبالرغم من وجود خط تفاهم بين إسرائيل ومصر في العديد من الملفات والقضايا، ووجود مصالح اقتصادية خاصة في مجال الغاز والطاقة، إلا أن إسرائيل تخفي، بحسب سليمان، العداء لمصر وعلى المستوى الشعبي المصري أيضاً هناك عداء لتل أبيب، فإسرائيل لا يهمها مصلحة مصر وتعي جيداً أنّ وجود مصر قوية في المنطقة الإقليمية يشكل خطراً عليها".

ولم يستبعد الباحث أن يؤثر الرفض الإسرائيلي على مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل "خاصة في الوساطة التي ترعاها مصر بين غزة وإسرائيل، ولكن هذا التأثير لن يكون بالشكل الجذري، لأنّ هناك خطوطاً عريضة قائمة على معاهدة السلام بين الجانبين، وما يترتب عليها من حفظ الأمن على الحدود".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية