لماذا ترفض شعوب الساحل الأفريقي الوجود العسكري الفرنسي؟

لماذا ترفض شعوب الساحل الأفريقي الوجود العسكري الفرنسي؟


27/01/2020

باتت فرنسا تعاني من أجل تحسين صورتها أمام شعوب منطقة الساحل الأفريقي؛ حيث تنفذ الجماعات الإرهابية المسلّحة هجمات دموية دون انقطاع منذ بداية الصراع في مالي عام 2012، وحيث تتواجد القوات الفرنسية منذ عام 2013، حين تدخلت عسكرياً بطلب رسمي من حكومة باماكو الماليّة.

اقرأ أيضاً: مؤشر الإرهاب 2019: لماذا أفريقيا الأكثر تضرراً؟
ولإعادة تصحيح الوضع وتعزيز الحرب على الجماعات الجهادية المسلّحة، عقدت فرنسا وبلدان الساحل "النيجر، تشاد، موريتانيا، بوركينا فاسو، مالي" اجتماعاً الأسبوع الماضي في ضواحي العاصمة الفرنسية، وقررت رفع مستوى التعاون العسكري المشترك بينها في مواجهة تنامي العمليات الإرهابية.

جاء الاجتماع بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون في أعقاب تزايد الشعور المعادي للوجود العسكري الفرنسي في الساحل الأفريقي

وجاء الاجتماع بدعوة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في أعقاب تزايد الشعور المعادي للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، بعد أن شهدت بعض بلدان المنطقة في الأسابيع القليلة الماضية مظاهرات احتجاجية ضد هذا التواجد، شارك فيها المئات من المواطنين الذين نددوا بـ"الاحتلال الفرنسي" وأحرقوا الأعلام الفرنسية مطالبين برحيل القوات الفرنسية والدولية، تحت شعارات مثل "فلتسقط فرنسا"، الأمر الذي دفع باريس إلى طلب "توضيحات" من حكومات المنطقة فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة إليها بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وبالطموحات الاستعمارية.
وبدأ الشعور المعادي للوجود الفرنسي والدولي في المنطقة بعد الاصطدام الذي وقع بين طائرتين عسكريتين فرنسيتين في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والذي أدى إلى مقتل 13 جندياً فرنسياً، ممّا كشف عن حضور عسكري قوي لفرنسا، وبدأ مواطنون في بلدان المنطقة بالتعبير عن استنكارهم للوجود العسكري الفرنسي على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى حد اتهام فرنسا باستهداف قاعدة عسكرية في النيجر بشكل سرّيّ ومحاولة إبقاء الجماعات المسلّحة فاعلة لإدامة حالة عدم الاستقرار، ولقيت تلك الشائعات رواجاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع السفير الفرنسي في النيجر إلى تكذيبها يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

اقرأ أيضاً: لماذا تحول الإرهاب في الساحل الأفريقي إلى أزمة عالمية؟
وخلال الاجتماع السداسي، أعلن الرئيس الفرنسي عن إرسال 220 جندياً إضافياً إلى منطقة الساحل لتعزيز القوات العاملة في إطار عملية "بارخان"، التي بدأتها فرنسا منذ عام 2013 لمواجهة التنظيمات الجهادية المسلّحة، وتتشكل من 4500 جندي يقيمون هناك منذ ذلك التاريخ، لمراقبة الأوضاع الأمنية في منطقة واسعة تساوي تقريباً مساحة أوروبا.
وفقدت فرنسا حتى اليوم 41 جندياً في الساحل منذ أول تدخل عسكري لها عام 2013، لصد هجمات الجماعات المسلّحة التي كانت تسعى إلى دخول عاصمة مالي بعد سيطرتها على مناطق شاسعة في الشمال، وتعد هذه الخسارة أكبر الخسائر العسكرية لفرنسا في جميع عملياتها لحفظ السلام في العالم.

اتهم مواطنون فرنسا باستهداف قاعدة عسكرية في النيجر بشكل سرّيّ ومحاولة إبقاء الجماعات المسلحة فاعلة لإدامة حالة عدم الاستقرار

واتفقت فرنسا والبلدان الخمسة على إنشاء مجموعة عسكرية أطلق عليها اسم "التحالف من أجل الساحل" بهدف تنسيق الخطط العسكرية، في إطار سياسي وإستراتيجي وعملياتي جديد، يتناسب مع تحديات المرحلة؛ حيث سيجمع هذا التحالف بين القوات الفرنسية العاملة في إطار عملية بارخان، وقوات البلدان الخمسة.
وقررت الدول الست تركيز عملياتها العسكرية خلال الفترة المقبلة في المنطقة الحدودية الحساسة بين 3 بلدان هي؛ مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي المنطقة التي تتحرك فيها الجماعات الجهادية بشكل مكثف؛ حيث تسمح لها الفجوات الأمنية على الحدود بالتسلل والتحرك بحرية وتنفيذ هجمات إرهابية قبل العودة إلى قواعدها، خصوصاً مسلّحي ما يسمّى "الجماعة الإسلامية للصحراء الكبرى"، وسيتم في حزيران (يونيو) من العام الجاري عقد قمة جديدة لمناقشة الحصيلة ووضع إستراتيجية جديدة في مواجهة التحديات الإرهابية المتنامية في المنطقة، وذلك بحسب البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماع.

اقرأ أيضاً: الإرهاب غرب أفريقيا.. كيف يمكن مواجهته؟
وتواجه بلدان المنطقة تحديات أمنية كبيرة منذ أعوام، لكنها مرشحة للارتفاع في حال نفّذت الولايات المتحدة الأمريكية قرارها بسحب قواتها؛ حيث كان قائد القوات العسكرية الأمريكية الجنرال مارك ميللي، قد صرح في وقت سابق بأنّ القوات العسكرية الأمريكية في منطقة الساحل قد يتم تقليص عددها، كما يمكن نقلها كلها إلى منطقة الباسيفيك، وهو ما يشكل عامل قلق لعواصم المنطقة التي تشكو منذ فترة طويلة من عجزها عن مواجهة العمليات الإرهابية، لذلك تريد إقناع الإدارة الأمريكية بإبقاء قواتها هناك.

حضور فرنسا المنفرد في الساحل سيعزز صورتها أمام الشعوب كدولة استعمارية تقليدية تريد بعث الإرث الاستعماري القديم

وتلتقي تلك الرغبة التي عبّر عنها زعماء دول المنطقة مع رغبة فرنسا، التي لا تريد أن تبقى وحيدة في مواجهة الجماعات المسلّحة؛ إذ إنّ حضورها المنفرد في المنطقة من شأنه أن يعزز صورتها أمام تلك الشعوب كدولة استعمارية تقليدية تريد بعث الإرث الاستعماري القديم، وهو ما أعلنه الرئيس الفرنسي؛ حيث قال خلال الاجتماع مع البلدان الخمسة لمنطقة الساحل بأنّه سيحاول إقناع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأنّ التحدي الإرهابي "يوجد أيضاً في هذه المنطقة وبأنّ الوضع في ليبيا لا يمكن فصله عن الأوضاع العامة في الساحل وفي منطقة بحيرة تشاد"، مشدداً على خطورة انتشار الظاهرة الإرهابية في حال فشل الدول الأوروبية والولايات المتحدة في التعاون لمواجهتها.
ويوجد في إقليم الساحل الأفريقي نحو 7 آلاف جندي أمريكي من القوات الخاصة، يعملون في إطار العمليات المشتركة مع القوات النظامية للبلدان الخمسة ضد الجهاديين، خصوصاً في الصومال.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية