لماذا تساعد الصين أوروبا في مواجهة وباء كورونا؟

لماذا تساعد الصين أوروبا في مواجهة وباء كورونا؟


كاتب ومترجم جزائري
30/03/2020

ترجمة: مدني قصري


تُكثّف الحكومة الصينية لفتات التضامن الطبي تجاه أوروبا، التي أصبحت مركزاً لوباء كورونا بعد مدينة ووهان في مقاطعة هوبي الصينية، ويقع هذا الكرم الصيني في قلب عملية علاقات عامة واسعة النطاق، قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ والحزب الشيوعي، لتحويل الانتقادات ضد مسؤوليتهم في انتشار وباء مميت.

أرسلت الصين فريقاً طبياً من 9 أشخاص وحوالي 30 طناً من الإمدادات الطبية إلى إيطاليا

ليس مستبعداً أنّ هذا الموقف من قبل الصين كفاعل خير للبشرية، قد يعطي نتائج، طالما أنّ القادة الأوروبيين اعتادوا على عدم إزعاج الشريك التجاري الثاني للاتحاد، فهل يميل الجمهور الأوروبي، الذي يتحمّل وطأة المعاناة بسبب الوباء إلى تجاهل الأعمال السيئة للسلطات الصينية؟
في ما يبدو وكأنّه إذلال جيوسياسي، ضاعفت أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية والمدير التنفيذي للاتحاد الأوروبي، الذي يفتخر بأنّه يمثل "أكبر اقتصاد في العالم"، الانحناءات أمام الهدايا الصغيرة من المعدات الطبية الصينية، إذ تقول؛ "تحدثتُ مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، الذي أعلن أنّ الصين ستزوّد أوروبا بمليوني قناع جراحي، و200 ألف قناع "N95"، و50 ألف اختبار فحص. في كانون الثاني (يناير)، تبرّع الاتحاد الأوروبي بخمسين طناً من المعدات إلى الصين، واليوم نشكر الصين على مساعدتها، من الجيد مساعدة بعضنا البعض عند الحاجة".


وقد تدخلت الصين عندما عجز الاتحاد الأوروبي عن تقديم مساعدة كبيرة لإيطاليا، ثالث اقتصاد في الاتحاد والتي تضرّرت بشدة من الفيروس، خاصة عندما حظرت ألمانيا، أقوى دولة في الاتحاد الأوروبي، جميع صادرات الأقنعة والقفازات وغيرها من معدات الحماية، لتجنّب الوقوع في حالة نقص.

اقرأ أيضاً: كيف يخوض الجزائريون معركتهم مع كورونا؟
وأرسلت الصين فريقاً طبياً من 9 أشخاص من الصليب الأحمر الصيني إلى إيطاليا وحوالي 30 طناً من الإمدادات الطبية في 12 آذار (مارس) الجاري، وقال رئيس الصليب الأحمر الإيطالي، فرانشيسكو روكا، إنّ الشحنة "كشفت قوة التضامن الدولي"، مضيفاً؛ "في هذه اللحظات من التوتر الشديد والصعوبة الشديدة، تُمثّل هذه الإمدادات مصدر ارتياح كبير لنا. ستكون هذه المساعدة ذات استخدام مؤقت فقط، ولكنّ هذا لا ينتقص شيئاً من أهميتها، الآن نحن بحاجة ماسة إلى الأقنعة، نحن بحاجة إلى أجهزة التنفس. لهذه التبرعات من الصليب الأحمر الصيني للحكومة الإيطالية أهمية لا تُقدّر لبلدنا".
كما أرسلت الصين في الأيام الأخيرة إمدادات طبية لكل من:
اليونان؛ في 21 آذار (مارس) الجاري وصلت طائرة تابعة لشركة إير تشاينا، تحمل 8 أطنان من المعدات الطبية، بما في ذلك 550 ألف قناع جراحي ومعدات حماية مختلفة مثل؛ النظارات والقفازات وأغطية الأحذية، إلى مطار أثينا الدولي، وذكر السفير الصيني لدى اليونان تشانغ تشيو مقولة للفيلسوف أرسطو؛ "من هو الصديق؟ إنّه روح واحدة تعيش في جسدين"، مضيفاً "الأصدقاء الحقيقيون يظهرون في الأوقات الصعبة"، وأنّ "الصين واليونان تقاتلان عن كثب ضد الفيروس التاجي". وخلص تشانغ تشي إلى أنّ هذا "يؤكد مرة أخرى العلاقات والصداقة الممتازة بين الشعبين".

عندما ظهرت الحالات الأولى للفيروس؛ لم يحشد الحزب الشيوعي الصيني موارده التي لا تُعدّ ولا تحصى إلا لإخفاء الحقيقة

صربيا؛ في 21 آذار (مارس) الجاري، أرسلت الصين 6 أطباء وأجهزة تنفس صناعية وأقنعة جراحية إلى صربيا لمساعدة بلغراد على وقف انتشار فيروس كورونا، وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش "شكراً جزيلاً للرئيس شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني"، كما قال السفير الصيني في بلجراد "تشن بو"؛ إنّ المساعدة دليل ساطع على "الصداقة الحديدية" بين البلدين، وذكرت وكالة الأنباء الصينية "شينغهوا" أنّ "الرئيس شي يُعلّق أهمية كبيرة على تطوير العلاقات الصينية الصربية، ويعتقد أنّ الصداقة طويلة الأمد بين الشعبين ستكتسب المزيد من العمق من خلال القتال المشترك ضد الوباء، كما يأمل الرئيس شي في تعميق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين والوصول إلى آفاق جديدة".


إسبانيا؛ في 21 آذار (مارس) الجاري، تبرّع مؤسس ورئيس شركة "Huawei" الصينية لإسبانيا بملايين الأقنعة، التي وصلت إلى مطار سرقسطة شمال شرق إسبانيا في 23 آذار (مارس) الجاري، وسيتم تخزين الأقنعة في مستودع لموزّع الملابس الإسباني "Zara"، الذي سيضع شبكته اللوجستية في خدمة الحكومة الإسبانية، ربما لن يتم عزل هذه الشحنة لأنّ عشرات الموردين الصينيين والمقاولين من شركة "Zara" أشاروا إلى أنّهم يتهيأون لإرسال معدات طبية إلى إسبانيا، وحذّرت الولايات المتحدة الأمريكية إسبانيا من المخاطر الكامنة من فتح شبكات اتصالات الجيل الخامس أمام مزودي تكنولوجيا الهاتف المحمول الصينيين، بما في ذلك هواوي.

تحاول الصين تمرير نفسها كمنقذ لأوروبا من أجل تحسين موقفها على المسرح العالمي وانتزاع القيادة العالمية من أمريكا

جمهورية التشيك؛ في 21 آذار (مارس) الجاري، هبطت طائرة شحن أوكرانية محملة بـ 100 طن من الإمدادات الطبية من الصين، في مطار باردوبيس، وهي مدينة تقع على بعد 100 كيلومتر شرق براغ، وفي 20 آذار (مارس) الجاري، قامت طائرة صينية بتفريغ مليون قناع في جمهورية التشيك، ومن المتوقع أن يتم طلب 5 ملايين جهاز تنفس صناعي و30 مليون قناع و250 ألف بدلة واقية من الصين.
هولندا؛ في 18 آذار (مارس) الجاري، تبرّعت شركة "China Eastern Airlines" و"China Southern Airlines" و"Xiamen Airlines"، وجلهم شركاء "KLM Royal Dutch Airlines"، بـ 20 ألف قناع و50 ألف زوج من القفازات الطبية لصالح شركة KLM، وقد وصلت الشحنة إلى مطار أمستردام شيفول على متن رحلة طيران شيامن. وقال بيتر إلبيرز، الرئيس التنفيذي لشركة KLM؛ "تمرُّ بلادنا ومؤسستنا بأوقات صعبة للغاية، لذلك نحن سعداء جداً بهذا الدعم المقدم لـ KLM وهولندا. قبل أقل من شهرين تبرعت KLM للصين، والآن نتلقى منها مساعدة رائعة وبسخاء".

اقرأ أيضاً: الحب في زمن كورونا: خطوبة آية وباسم "أونلاين"
فرنسا؛ في 18 آذار (مارس) الجاري، أرسلت الصين إلى فرنسا، ثاني أقوى دولة في الاتحاد الأوروبي، مجموعة من الإمدادات الطبية؛ بما في ذلك الأقنعة الواقية والأقنعة الجراحية والبدلات الواقية والقفازات الطبية، وغرّدت السفارة الصينية في فرنسا قائلة؛ "متحدون، سننتصر!". وفي اليوم التالي، أرسلت الصين إلى فرنسا دفعة ثانية من الإمدادات الطبية، وقالت السفارة الصينية على تويتر "الشعب الصيني يقف إلى جانب الشعب الفرنسي، إنّ التضامن والتعاون سيسمحان لنا بالتغلّب على هذا الوباء".
بولندا؛ في 18 آذار (مارس) الجاري، وعدت الحكومة الصينية بإرسال عشرات الآلاف من المواد الواقية و10 آلاف مجموعة فحص فيروس كورونا إلى بولندا، وفي 13 آذار (مارس) الجاري، قامت السفارة الصينية في وارسو برعاية مؤتمر عبر الفيديو؛ تبادل خلاله خبراء من الصين وأوروبا الوسطى معارفهم حول مكافحة الفيروس التاجي، وشكر وزير الخارجية جاسيك تشابوتوفيتش الصين على دعمها في مكافحة الوباء، وشدّد على ضرورة مواصلة التعاون وتبادل الخبرات مع بكين.

 تدخلت الصين عندما عجز الاتحاد الأوروبي عن تقديم مساعدة كبيرة لإيطاليا
بلجيكا؛ في 18 آذار (مارس) الجاري، هبطت طائرة شحن صينية في مطار لييج وعلى متنها مليون ونصف المليون من الأقنعة التي سيتم توزيعها في بلجيكا وفرنسا وسلوفينيا، هذه المعدات الطبية هي هدية من "جاك ما"، مؤسس شركة علي بابا الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية المعروفة باسم "أمازون الصينية".
جمهورية التشيك؛ في 18 آذار (مارس) الجاري، هبطت طائرة في براغ وعلى متنها 150 ألف اختبار لفيروس كورونا، وقد دفعت وزارة الصحة حوالي 450 ألف يورو مقابل 100 ألف اختبار منهم، في حين تم دفع ثمن الـ 50 ألف الآخرين من قبل وزارة الداخلية، وتم تأمين وسائل النقل من قبل وزارة الدفاع.

اقرأ أيضاً: شوارع السعودية خالية بسبب كورونا: الترقب سيد المكان
إسبانيا؛ في 17 آذار (مارس) الجاري، قامت طائرة صينية بتفريغ 500 ألف قناع جراحي في مطار سرقسطة، وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز؛ "الشمس تشرق دائماً بعد المطر"، مضيفاً أنّ الصداقة بين الصين وإسبانيا ستخرج أقوى من الأزمة، وأنّ العلاقات الثنائية ستتألق بعد المعركة المشتركة ضد الفيروس، وقال شي إنّه بعد الوباء، يتعين على البلدين تكثيف التبادلات والتعاون في مجموعة واسعة من المجالات.
بلجيكا؛ في 16 آذار (مارس) الجاري، وصلت دفعات مختلفة من الإمدادات الطبية المُمولة من مؤسسة "جاك ما" ومؤسسة "علي بابا" إلى مطار لييج للمساعدة في منع فيروس كورونا في بلجيكا.
وقد أوضحت مجلة "Fortune" الدعاية الصينية على النحو التالي:
"بالنسبة للصين، تُعدّ اليد الممدودة إلى أوروبا جزءاً لا يتجزأ من مشروع بناء قيادة دولية تأتي مباشرة بعد سياسة الكتمان التي ساهمت في انتشار الفيروس بعيداً جداً عن الحدود الصينية، حيث سعت حكومة الرئيس شي جين بينغ لإسكات المنتقدين، بمن فيهم الصحفيين والمعلقين عبر الإنترنت، ونشرت أيضاً نظريات المؤامرة حول أصل الفيروس".

ستكون الصين هي التي تكتشف اللقاح الأكثر حيوية لمكافحة الفيروس، وتوزعه في جميع أنحاء العالم

وعلى الصعيد الجيوسياسي، تحاول الصين تمرير نفسها كمنقذ لأوروبا، من أجل تحسين موقفها على المسرح العالمي؛ فهي الآن في حالة تنافس مع إدارة ترامب، إذ تخوض الصين والولايات المتحدة معركة على جميع الجبهات لكسب نفوذ عالمي، وقد طردت بكين أكثر من 12 صحفياً أمريكياً هذا الأسبوع، مع سعيها لصرف الانتباه عن إدارتها للمرض.
وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، قالت ناتاشا قسام، وهي دبلوماسية أسترالية سابقة؛ "نرى الآن مسؤولين صينيين ووسائل إعلام رسمية صينية يؤكدون أنّ الصين قد أعطت بقية العالم الوقت للاستعداد لهذا الوباء، لقد علِمنا أنّ آلة الدعاية الصينية كانت قادرة على إعادة كتابة التاريخ في الصين، لكنّنا نجد الآن أنّ إعادة الكتابة هذه تحدث أيضاً في الخارج، لقد تم بالفعل كتابة انتصار الصين على "Covid-19" وتحاول السلطات توصيل الرسالة إلى الخارج.
وفي مقال نشرته صحيفة "Libertad Digital" الإسبانية؛ شرح المُعلّق "Emilio Campmany " الموضوع بذكاء، قائلاً؛ لقد جنّدت الصين كل أجهزتها الدعائية الضخمة، إنّ إيطاليا، التي شعرت بحق أنّ الاتحاد الأوروبي قد تخلى عنها، ممتنة اليوم للمساعدة التي تقدمها لها دول آسيا، لقد ناقشت وسائل الإعلام الإيطالية هذه القضية بشكل مكثف وعلى نطاق واسع.

حقائق العملية الدعائية
تُخفي هذه العملية الدعائية حقائق ذات طبيعة مختلفة؛ فالحقيقة الأولى والأهم هي أنّ هذا الوباء له مُذنب، وأنّ هذا المُذنب هو النظام الصيني، ليس من قبيل نظرية المؤامرة قول ذلك، لقد ثبت أنّ أسواق الحيوانات الحيّة الصينية تُمثّل خطراً وبائياً، كما أنّ النظام الشيوعي للجمهورية الشعبية، الذي لا يمزح أبداً حول أي شيء ويسيطر على جميع جوانب الحياة الصينية، لم يتمكّن من إنهاء خطر هذه السوق. وعندما ظهرت الحالات الأولى؛ أنفق الحزب الشيوعي الفعّال على ما يبدو؛ وقتاً طويلاً للتفاعل مع الأزمة، ولم يحشد موارده التي لا تُعدّ ولا تحصى إلا لإخفاء الحقيقة، وعندما استحال عليه إخفاء الحقيقة، تدخّل بوحشية، وبهذا الثمن نجح في القضاء على الوباء، لكنّ إهماله تَسبّبَ بانتشار الفيروس في العالم كله.

اقرأ أيضاً: الإمارات تكافح فيروس كورونا في سوريا
الحقيقة الثانية هي أنّ الشيوعية ليست أفضل أداة ضد الفيروس، لقد حقّق الذكاء الرأسمالي نتائج أفضل بكثير في دول مثل كوريا الجنوبية، وقد أظهرت كوريا أفضل من الصين؛ كم يمكن لسياسة الفحص الضخمة أنّ تؤتي ثمارها، إنّها أفضل سياسة حتى الآن، ولا يمكن تصديق أنّ الإيطاليين والإسبان أنفقوا وقتاً طويلاً في فهم ذلك، هذه التأخيرات تُفسرها الدعاية الشيوعية أكثر مما يفسره كون أنّ هذه البلدان الأوروبية يحكمها أشخاص غير أكفاء.
ما الذي تستفيده الصين من الوباء؟
تعتزم الصين الاستفادة من هذه الكارثة لانتزاع القيادة العالمية من الولايات المتحدة؛ ستكون الدولة الشيوعية التي تصنع لنا الأدوية الأكثر حيوية لمكافحة الفيروس، وسوف تكتشف اللقاح قبل الجميع وتوزّعه في جميع أنحاء العالم في وقت قياسي، ثم ستشتري أصولنا وتستثمر في بلداننا لإنقاذ اقتصاداتنا، وفي نهاية القصة، ستقول الصين بصوت عال وواضح أنها مُخلصنا.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://fr.gatestoneinstitute.org/15791/coronaviru s-chine-propagande



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية