لماذا تستمر تركيا في الخسارة وحشر نفسها في الزاوية؟

لماذا تستمر تركيا في الخسارة وحشر نفسها في الزاوية؟


27/09/2020

قال مسؤولون أتراك مطلعون إنّ تركيا تواصلت مع فرنسا لشراء أنظمة دفاع جوي أوروبية الصنع. ففي مكالمة هاتفية قبل أيام، طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، التخلي عن معارضته للإنتاج المشترك لأنظمة الدفاع الصاروخي SAMP / T من Eurosam، كما نقلت شبكة "بلومبيرغ" الإخبارية الأمريكية، وردّ ماكرون بالقول إنّ على تركيا توضيح أهدافها في سوريا قبل النظر في نشر أنظمة أوروبية الصنع، وفقاً لمسؤول في الإليزيه، طلب عدم ذكر اسمه، بحسب الشبكة.

 

تؤكد أنقرة أنّ أنشطتها للبحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في شرق المتوسط مطابقة للقوانين الدولية رغم نفي قانونيتها من دول المنطقة والاتحاد الأوروبي

 

يأتي هذا في الوقت الذي يقف فيه ماكرون إلى جانب اليونان وقبرص في نزاعاتهما الإقليمية مع تركيا في المياه المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط. وتحدث أردوغان مع ماكرون يوم الثلاثاء الماضي عندما أعلنت تركيا واليونان اتفاقهما على استئناف المحادثات.

وتقول تركيا إنها بحاجة إلى نظام دفاع جوي متقدم، وأنها اضطرت لشراء نظام إس-400 من روسيا لأن حلفاءها لن يفوا باحتياجاتها الدفاعية بالشروط التركية. وقد رفضت الولايات المتحدة طلب تركيا بنقل التكنولوجيا كجزء من أي صفقة شراء باتريوت، وفقاً للشبكة الأمريكية.

الجرف القاري

وقد أبدت تركيا في نزاعها مع دول منطقة شرق البحر المتوسط، وبخاصة اليونان التي تتنازع معها على الحدود البحرية سواء في البحر المتوسط أو في بحر إيجة، تمسكاً بأنّ من "حقها التنقيب في مناطق الجرف القاري لها" الذي حددته وأبلغت به الأمم المتحدة وتتذرع أيضاً بأنها صاحبة أطول حدود في البحر المتوسط.

اقرأ أيضاً: مرة أخرى تركيا تشعل الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان.. تفاصيل

وتؤكد أنقرة أنّ أنشطتها للبحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في شرق المتوسط مطابقة للقوانين الدولية على الرغم من تأكيدات دول المنطقة والاتحاد الأوروبي "عدم قانونية التحركات التركية" ووصفها بـ"الاستفزازية"، كما أورد تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط".

اقرأ أيضاً: منظمة غاز المتوسط: انطلاقة لمصر وتحجيم لطغيان تركيا

ومصطلح "الجرف القاري"، ورد للمرة الأولى في بيان أصدره الرئيس الأمريكي هاري ترومان عام 1945، ويعني الامتداد الطبيعي ليابسة الدولة الساحلية داخل البحر أو المحيط. ويشير الخبراء إلى أنّ الأساس في تحديد الجرف القاري للدول هو مساحة البر المطلة على البحار. وأعلنت اليونان الشهر الماضي أنها ستمد حدود مياهها الإقليمية من 6 أميال إلى 12 ميلاً، وهو الحد الأقصى المسموح به دولياً، وتؤكد تركيا أنها لن تسمح بذلك لأن خطوط ملاحتها البحرية ستتضرر بشدة، وأن إقدام اليونان على خطوة كهذه "سيكون سببا للحرب".



في المقابل، تستند اليونان في توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلاً إلى المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، إلا أنّ تركيا، لم توقّع على الاتفاقية، وليست طرفاً فيها. وبخلاف المياه الإقليمية، توجد المناطق الاقتصادية الخالصة، كتلك المتفق عليها بين قبرص ومصر ولبنان وإسرائيل. ويمكن لهذه المناطق أن تمتد لمسافة 200 ميل بحري، وفقاً لـ"الشرق الأوسط".

 

تشير التطورات الأخيرة إلى أن الضغوط التي مورست على تركيا، وإدراك أنقرة أنها باتت معزولة في المنطقة دفعها إلى تحول كبير في خطابها المتشدد




وقد أعلنت تركيا رفضها لجميع الاتفاقيات الموقعة في شرق المتوسط، فقد رفضت اتفاقية المناطق الاقتصادية الخالصة الموقعة بين مصر وقبرص في 2013 والمودعة في الأمم المتحدة، ثم رفضت اتفاقية تحديد الحدود البحرية بين مصر واليونان الموقعة في آب (أغسطس) الماضي لأنها تقطع الطريق على مذكرة التفاهم الموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني الليبي في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 التي أجمعت دول المنطقة على عدم قانونيتها ورفضها، لكن تركيا اعتبرت وقت توقيعها لها أنها ستمكنها من فرض إرادتها في البحر المتوسط وأنه لن "يستطيع أحد المرور من البحر دون الحصول على تصريح منها".

اقرأ أيضاً: بعد ليبيا.. تركيا ترسل مرتزقة سوريين لحرب أرمينيا وأذربيجان

وسعت تركيا إلى فرض أمر واقع في المنطقة بإرسال سفن بحث وتنقيب إلى المناطق القريبة من سواحل قبرص اليونان ما أشعل التوتر في المنطقة ودفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات "أولية" على تركيا.

أهداف تركية بعيدة عن الواقع

لا تعد الطاقة هي الهدف الوحيد لتركيا في منطقة شرق البحر المتوسط، بحسب "الشرق الأوسط"، ولخص الأستاذ في قسم شؤون الأمن القومي في مدرسة البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا المتخصص في الشأن التركي، ريان جينجراس، الأهداف التركية في شرق المتوسط بقوله: "توجد مجموعة من الدوافع وراء هذه التحركات وأبرزها فكرة أن تركيا هي أكبر قوة في شرق البحر المتوسط وأنه يجب معاملتها على هذا الأساس. تركيا ترى نفسها محاطة بالخصوم والأعداء وأنها ستستخدم القوة لتأكيد وجودها".



ولفت جينجراس إلى أنّ أردوغان حدد عام 2023، كتاريخ لتحقيق "الاستقلال الكامل في مجال السلاح"، وهو ما يبدو أمراً بعيداً عن الواقع، لا سيما في ظل تعثر الاقتصاد التركي البالغ حجمه 750 مليار دولار، وتصاعد التوتر مع الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لتركيا، والذي يهدد بمعاقبتها بسبب أنشطتها في المنطقة.

عزلة أنقرة الدولية

وبرغم أنّ استعراض تركيا لقوتها في المنطقة جذب الاهتمام الدولي إليها، فإنها باتت في عزلة دولية، عبرت عنها المعارضة التركية التي ركزت على أبرز أوجه هذه العزلة في شرق المتوسط بانتقاد قطيعة حكومة أردوغان مع مصر بدلاً عن توقيع اتفاق معها، لا لشيء إلا لدعم أردوغان لتنظيم "الإخوان المسلمين"، وتصعيد التوتر مع اليونان ما جلب مواقف أخرى من جانب روسيا التي أعلنت عزمها إجراء مناورة بحرية بالذخيرة الحية في البحر المتوسط في وقت لاحق من الشهر الجاري، كما تذكر صحيفة "الشرق الأوسط".

اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء اليوناني: هذه خياراتنا ضد التصعيد التركي

كما قررت الولايات المتحدة رفع الحظر المفروض منذ عقود على تصدير السلاح إلى قبرص. واستعرضت فرنسا قوتها بنشر مقاتلاتها الحديثة من طراز "رافال" في إحدى القواعد الجوية بقبرص وأعلنت دعمها المطلق لكل من اليونان وقبرص العضوين بالاتحاد الأوروبي. وتشير التطورات في الأيام الأخيرة، كما تذكر "الشرق الأوسط"، إلى أن الضغوط التي مورست على تركيا من جانب أوروبا و"ناتو" وواشنطن، وإدراك أنقرة أنها باتت معزولة في المنطقة دفعها إلى تحول كبير في خطابها المتشدد، وبدأت تتحدث عن المفاوضات والحوار مع جميع الأطراف. وكشفت أيضاً عن اتصالات مع مصر من أجل توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية ترى فيها مخرجاً لها من الركن الضيق الذي حصرته فيها اليونان باتفاقيتها البحرية مع مصر في آب (أغسطس) 2020، لتعود تركيا إلى النقطة التي كان يجب عليها البدء بها، وهو الحوار بدلاً عن محاولة فرض الأمر الواقع والتلويح بالقوة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية