لماذا تستّرت لجنة التحقيق العراقية على القتلة الحقيقيين؟

لماذا تستّرت لجنة التحقيق العراقية على القتلة الحقيقيين؟


23/10/2019

وصف المرصد العراقي لحقوق الإنسان تقرير اللجنة المكلفة من الحكومة العراقية للتحقيق في مقتل عشرات المتظاهرين وجرح مئات آخرين، بأنّه "مُخيب للآمال وفيه تغييب للحقائق"، مشيراً إلى أنّه يفتقر إلى أدلة. وطالب المرصد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بإعادة النظر في التقرير.

أشعل تقرير لجنة التحقيق في قتل المتظاهرين الدعوات إلى إقالة الحكومة واستئناف التظاهرات بعد غد الجمعة

وقال المرصد إنّ التقرير "محاولة لامتصاص الغضب الشعبي على حساب أرواح الضحايا"، وإنّه "ابتعد عن تشخيص الجُناة الحقيقيين". وأشار المرصد إلى أنّه "لا يُمكن تصديق ما جاء في التقرير لعدم تعزيزه بالأدلة". وتساءل المرصد: "كيف للضباط المتهمين أن يستمروا بإطلاق الرصاص الحي دون أن يوقفهم قادتهم؟".
وأشعل تقرير اللجنة، الذي صدر أمس الثلاثاء، الدعوات إلى إقالة الحكومة، واستئناف التظاهرات بعد غد الجمعة. ودشن عراقيون هاشتاغ #نازل_اخذ_حقي، لاستئناف الاحتجاجات ضد الفساد، وإدانة نتائج تقرير لجنة التحقيق.
وخلص التقرير إلى أنّ 149 مدنياً، على الأقل، وثمانية شرطيين قتلوا بالرصاص خلال التظاهر، وأنّ 70 في المئة من الإصابات كانت في الصدر والرأس، ما يؤكد نية الاستهداف المباشر للمتظاهرين.
وأوصت لجنة التحقيق بإعفاء عدد من القادة الأمنيين في سبع محافظات، مع عدم توجيه أي اتهامات لفصائل "الحشد الشعبي" التي يتهمها المتظاهرون بارتكاب أعمال القتل. وألقت لجنة التحقيق المسؤولية عى قوات الجيش والشرطة.
وكان تقرير لوكالة "رويترز" نقل، الأسبوع الماضي، عن مسؤولين أمنيين عراقيين قولهما إنّ قناصة تابعين لميليشيات مدعومة من إيران اعتلوا الأسطح وأطلقوا النار على المتظاهرين خلال الاحتجاجات. وكشفت لجنة التحقيق أنّها وجدت أدلة على وجود قناصة استهدفوا المحتجين من فوق المباني، مؤكدة على أنّ الاستخدام المفرط للقوة كان سبباً في سقوط الضحايا.

اقرأ أيضاً: هل ستكون "هيئة التصنيع الحربي" بوابة لسيطرة إيران الأمنية على العراق؟
وكان العراقيون، يترقبون بحذرٍ شديد، نتائج التحقيق في قتل المتظاهرين السلميين، الذين خرجوا بداية تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، للمطالبة بتوفيرِ فرصٍ للعمل والقضاء على الفساد.
وعشية إصدار التقرير، تصدّرت شخصية "أبو زينب اللامي"، مدير أمن الحشد الشعبي، المشهد الإعلامي المحلي والدولي مؤخراً، عبر اتهامات وجهت لفصائل حشدية تحت قيادته، بقمع التظاهرات الشعبية التي عمّت بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، مما كلّف سقوط أكثر من 100 قتيل، وإصابة نحو 7000 آخرين.

ودانت المرجعية الشيعية العليا في النجف، في الحادي عشر من الشهر الجاري، الاعتداءات التي طالت المتظاهرين خلال الاحتجاجات الأخيرة، فيما أمهلت الحكومة أسبوعين لتقديم المعتدين للقضاء لمحاسبتهم، ما دفع الحكومة العراقية إلى الاستجابة، عبر تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة المتسببين بعمليات القتل "الممنهج"، الذي طال العديد من المشاركين في التظاهرات.

من احتجاجات العراق

هوية "اللامي" وأدواره الحشدية
ينتمي "اللامي"، وهي كنية لشخص اسمه حسين فالح، لميليشيا كتائب حزب الله في العراق، المرتبطة بفيلق القدس الإيراني، بقيادة قاسم سليماني؛ حيث مارس أدواراً عسكرية عدة، منها قيادة فصائل مسلحة داخل العراق وسوريا، وفق توجيهات إيرانية معينة.

برز اسم "أبو زينب اللامي" في المشهد الإعلامي بعد اتهامات له بقتل المتظاهرين عبر ميليشياته الإيرانية داخل الحشد

ويشغل أبو زينب اللامي، الآن، بحسب مصدر أمني عراقي، أبلغ "حفريات" منصبَ مدير مديرية أمن الحشد الشعبي، "وهي مديرية جلّ منتسبيها مخلصون عقائدياً للولي الفقيه في إيران، بيد أنّ رواتبهم المالية من الدولة العراقية، كونهم موظفين في هيئة تابعة لرئاسة الوزراء"، مبيناً أنّ "المديرية التي يرأسها اللامي مهامها العملية هي إدارة المصالح الإيرانية داخل هيئة الحشد الشعبي".

ويهيمن الإيرانيون، على فصائل عدة داخل الحشد الشعبي في العراق، نتيجة الاتباع العقائدي والفقهي لتلك الفصائل إلى مرجعية علي الخامنئي، فيما تنتمي فصائل أخرى إلى مرجعية آية الله علي السيستاني، مما ولّد قلقاً إيرانياً لعدم السيطرة الكاملة على ملف الحشد في العراق.
ويشير المصدر إلى أنّ اللامي "تدرّج في عدة فصائل مسلحة، أبرزها كتائب حزب الله، ثم انتقل إلى كتائب سيد الشهداء، ومن ثم ميليشيا عصائب أهل الحقّ".

أبو زينب اللامي بجوار القيادي في الحشد أبومهدي المهندس

الحشد على لائحة الاتهامات مجدداً
ورغم مضي أكثر من عشرين يوماً على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق، ظلت أصابع الاتهام توجه لفصائل الحشد الشعبي بقتل المتظاهرين السلميين وقتذاك.
وقال الناشط علي الجابري على حسابه في "تويتر" إن "اللجنة المكلفة من الحكومة لم تؤشر إلى القاتل الحقيقي الأول الذي أوعز بقتل أبنائنا.. كل هؤلاء القادة لا يمكن أن يكونوا جميعاً قد تصرفوا بمفردهم دون أمر؟"، مضيفاً أنّ "القاتل الأول إيران وقاسم سليماني، القرار صدر منهم ولجانهم التحقيقية ليست سوى حبر على ورق؟".

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ اعترافات الحلبوسي وصالح حول قمع الاحتجاجات في العراق؟
ويقول النقيب حازم الخالدي (اسم مستعار لضابط في جهاز الأمن الوطني العراقي): "عقدت مديرية استخبارات الحشد الشعبي اجتماعاً استثنائياً مع جهازنا الأمني داخل المنطقة الخضراء، للوصول إلى آليات لاحتواء الاحتجاجات التي عمّت الشوارع، والتي كادت أن تخرج عن السيطرة"، مبيناً أنّ "الضباط وقادة الأجهزة تيقنوا أنّ الأمور اتّخذت مستويات خطيرة تتطلب إنهاءَها بأيّة طريقة كانت، فقسموا الأدوار فيما بينهم لمواجهة الأزمة الاحتجاجية الراهنة".

ويؤكّد الخالدي لـ "حفريات" أنّ "الاجتماع الأمني خلا من ذكر موضوعة القناصة الذين استهدفوا المتظاهرين مؤخراً"، لافتاً إلى أنّ "الأجهزة الرسمية في وزارتَي الدفاع والداخلية والأمن الوطني، أخذت أوامرها في التعاطي مع الأزمة من مرجعياتها الرسمية، وكثير من الزملاء في الأجهزة الأمنية، قد نفوا وجود أمر عامّ يوجّه بإطلاق الرصاص الحيّ صوب المتظاهرين".
وأشار الضابط العراقي إلى أنّ "الاتهامات الموجهة للحشد الشعبي من قبل الساسة والإعلام والجمهور، تأتي لغياب مركزية القرار الأمني في العراق، وهذا ما نعانيه منذ أعوام قليلة".

تسريبات من نتائج التحقيق
وكان رئيس لجنة التحقيق، وزير التخطيط، نوري الدليمي، أكد أنّ التقرير التزم "المهنية والأمانة التي تعاملت بها اللجنة في أدقّ التفاصيل"، والنتائج "المهمة" التي توصلت لها اللجان الفرعية الاستقصائية خلال استماعها لشهادات المتضررين وذويهم، ومعاينتها لجميع الأماكن المتضررة.

ضابط عراقي: عدم مركزية القرار الأمني في العراق وراء موجات القتل التي رافقت التظاهرات الشعبية

وكشف محمد صباح، الموظف في مجلس الوزراء وأحد المطلعين على اجتماعات لجنة التحقيق؛ "تبرئة اللجنة لفصائل الحشد الشعبي، المتهمة بقتل المتظاهرين"، مبيناً أنّ "التحقيقات دانت قادة عسكريين في وزارتَي الدفاع والداخلية، فضلاً عن قيادة عمليات بغداد".

وأضاف صباح لـ "حفريات": "قيادة عمليات بغداد عاشت لحظة انهيار أثناء التظاهرات التي اندلعت في ساحة التحرير وسط بغداد، ما أدّى إلى فتح النيران من قبل منتسبيها، بناءً على أوامر اجتهادية من قبل بعض القادة العسكريين".
وعن موضوعة القناصة الذين استهدفوا المتظاهرين؛ أكّد صباح أنّ "اللجنة لم تتوصل إلى إدانة كافية لعناصر الحشد، كما كان مطروحاً في الإعلام والشارع".

عبد المهدي والمواجهة الشعبية

يقول لؤي كسار (ناشط من مدينة الصدر): إنّ "الجميع متهيّئ ليوم الجمعة، لمطالبة الحكومة بالكشف عن الجناة، وبيان خريطة طريق للإنجازات الموعودة"، مشيراً إلى أنّ "الدعوات للتحشيد لاقت صدى واسعاً في أغلب مدن الجنوب والفرات الأوسط، نتيجة مناخ المظلومية المساعد على الاحتجاج ثانيةً ضدّ السلطة الفاسدة".

اقرأ أيضاً: الغموض يلف المشهد في العراق.. تهديدات تطال ناشطين وإغلاق عدة فضائيات

في غضون ذلك، وفي أعقاب كشف نتائج التحقيق، دعا أكاديميون عراقيون، رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، إلى تقديم استقالته، وتبيان الحقيقة للشارع العراقي "حفظاً لماء الوجه"، على حدِّ تعبيرهم. وقال غازي الكناني، أستاذ القانون الدولي في جامعة ميسان: "عبد المهدي وحكومته في مواجهة شعبية، يوم الجمعة المقبل؛ لذا ينبغي أن يحفظ ماء وجهه وتأريخه السياسي؛ عبر الاستقالة والكشف عن الأدوات الدولية اللاعبة بالوضع الداخلي".

الصدر يعاود الحضور ثانيةً

إلى ذلك، عاود زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الحضور ثانيةً عبر تفاعله الإعلامي مع مخرجات العملية الاحتجاجية في العراق، ودعا الصدر أنصاره إلى تلبية دعوات استئناف التظاهرات المطلبية المناهضة للحكومة، الجمعة المقبل.
وخاطب الصدر المتظاهرين، قائلاً: "عزمتم أمركم على أن تتظاهروا، في 25 من تشرين الأول (أكتوبر)، وهذا حقّ من حقوقكم"، لكنّه أضاف: "العراق أمانة في أعناقكم، فلا تضيعوه، وإن شئتم الإحجام عن الثورة، فلكم ثورة أخرى عبر صناديق اقتراع بيد دولية أمينة، ومن دون اشتراك من تشاؤون من الساسة الحاليين، الذين قال إنّهم "يحاولون تدارك أمرهم، لكن لم ولن يستطيعوا، فقد فات الأوان".

وأكّد الصدر، في بيانهِ على التظاهر بشكل سلمي، وقال: "يشيعون أنّكم ستحملون السلاح، ولا أظنكم ستفعلون، فأنتم غير متعطشين للدماء، أيّها الثوار الأحرار، يا عشاق الإصلاح"، في حين طالب في الوقت نفسه القوات الأمنية بـ "الابتعاد عن استخدام القوة ضدّ المتظاهرين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية