لماذا تسعى روسيا لإشراك فلول القذافي في العملية السياسية؟

لماذا تسعى روسيا لإشراك فلول القذافي في العملية السياسية؟


12/01/2021

أثار الإعلان الروسيّ الأخير، الخاص بضرورة إشراك أنصار الرئيس الليبيّ الراحل، معمرّ القذافي، في العمليّة السياسيّة، تساؤلات المراقبين حول مبتغى التواجد الروسي في ليبيا، وعززت هذه التساؤلات الدعاوى القائلة برغبة روسيا في تولية سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الراحل، حكم البلاد، بعد ما يقرب من عقد كامل من الفوضى الليبية.

اقرأ أيضاً: أمِن أجل الذهب أراد ساركوزي إطاحة القذافي؟

ولطالما سعت روسيا إلى دخول المياه المتوسطية، لتصبح جزءاً من القوى العظمى المهيمنة على المنطقة، لكن إلى أيّ مدى يمكن أن يصل طموح روسيا في ليبيا، كحلقة الوصل بين التواجد في المنطقة ودول أفريقيا جنوب الصحراء؟

النفوذ الروسيّ في أوروبا

كانت ليبيا، خلال عام 2020، بطلة الساحة السياسيّة العالميّة بلا منازع؛ حيث برزت روسيا للمرة الأولى في ليبيا، خلال أيلول (سبتمبر) 2019، بعد أن سخّرت كلّ جهودها لدعم المشير خليفة حفتر، في مواجهة ميليشيات حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من تركيا، ما فجر مخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا من أنّ الكرملين قد ألقى قبعته أخيراً في الحرب الأهلية الليبية؛ إذ أثار هذا التواجد ذاكرة الساسة، الذين قارنوا على الفور بين التدخل في ليبيا، والدور الحاسم الذي لعبته الإدارة الروسية في سوريا، بعد أن دعمت نظام بشّار الأسد، وأنقذت حكمه من الانهيار والتداعي. 

انتشرت موسكو، عبر مختلف فصائل الصراع، ودعمت حفتر، وأشركت خصمه الرئيس ، فايز السرّاج، وأعضاء سابقين في نظام معمر القذافي، وهو ما يعكس استغلال روسيا للصراع الليبي من كلّ الجوانب، في محاولة واضحة للضغط على الاتحاد الأوروبي للتفاوض بشأن إنهاء المجموعة الشاملة للعقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد  على روسيا، بعد تدخّلاتها في أوكرانيا عام 2014.

اقرأ أيضاً: لماذا كان الإباضيون معارضين شرسين للقذافي؟

ظهرت رغبة روسيا في اللعب على الجانبين على المستوى الدولي؛ عندما استقبل الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطنيّ، فايز السراج، في قمة في سوتشي، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وفي المقابل؛ غادر حفتر موسكو، في كانون الثاني (يناير) الماضي، ورفض التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار، التي بادر بها بوتين.

التقارب بين نظام القذافي والاتحاد السوفييتي، تزايد مع تعمّق النفوذ الأمريكي في المنطقة، وأصبحت ليبيا أفضل عملاء الكرملين في مشتريات الصناعات الثقيلة والأسلحة

 ووفق تقرير نشرته صحيفة "فورين بوليسي"، مطلع العام الماضي؛ منذ قمة سوتشي، بين بوتين والسراج، يُعتقد أنّ روسيا على وشك الحصول على صفقة بمليار دولار لتزويد حكومة الوفاق الوطني بمليون طنّ من القمح، وهي خطوة تهدف جزئياً إلى تعزيز الإنتاجية الاقتصادية للبلاد، ولها بعد إستراتيجيّ؛ إذ يحاول بوتين السيطرة على سوق فرنسية/ إيطالية بامتياز، وهو ما يعكس بشكل جليّ التنافس على النفوذ مع أوروبا في ليبيا.

جاء دعم روسيا لقوات الجيش الوطني الليبي، أملاً في بسط نفوذه على الشرق والجنوب الليبي،  بما يضمن وصول روسيا إلى احتياطيات النفط، وإحياء اتفاقيات إنشاء القواعد التي تمّت في عهد القذافي، لتطلّ على ساحل المتوسّط الليبيّ.

اللّعب مع كافة الأطراف

وفي نظر موسكو، أدّت الهزيمة التي لحقت بالجيش الليبي، منتصف العام الماضي، إلى تأكيد الشكوك الروسيّة في قيادة حفتر للحرب في ليبيا، ما دفع موسكو إلى الحفاظ على قناة دبلوماسيّة خلفيّة مع حكومة الوفاق الوطنيّ، وهو ما يُؤكد صحته، النائب في البرلمان الليبي، زياد دغيم، الذي يرى أنّ الجانب الروسي أتقن اللعب مع طرفي الصراع، وهي لعبة سياسية مفهومة، على عكس تركيا التي جاوزت أطماعها حدود اللعبة السياسية، وأصبح وجودها احتلالاً رسمياً تشرعنه حكومة الوفاق.

النائب في البرلمان الليبي، زياد دغيم

ويضيف دغيم، في تصريح لـ "حفريات": "حافظت روسيا على علاقات إيجابية مع الجيش الوطني الليبي من خلال دعم عملياته ضدّ حكومة الوفاق الوطني، وكان إلى جانب ليبيا أيضاً الدعم المصريّ والإماراتيّ، وبذلك الدعم عزّزت روسيا دورها في مسألة التحكيم الدوليّ في ليبيا، وكان أبرز مثال على ذلك؛ ما حدث في كانون الأول (يناير) الماضي، حين استضافت روسيا مفاوضات دبلوماسيّة بشأن ليبيا، لكنّ هذه المحادثات فشلت، بعد أن غادر حفتر موسكو دون التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، وعلى الرغم من هذا التراجع الذي حدث، انخرطت روسيا بانتظام مع القادة الأوروبيين في عملية السلام الليبيّة، وهي بذلك كانت تسعى إلى توسيع قيادتها للمبادرات الدولية لحلّ النزاع، مثل ما حدث في سوريا، وهو ما يعكس دورها المتنامي تجاه تواجدها الإقليمي، الذي صار يزعج أوروبا بشكل كبير".

البرلماني الليبيّ زياد دغيم، لـ "حفريات": "حافظت روسيا على علاقات جيدة مع الجيش الوطني الليبي من خلال دعم عملياته لتحرير البلاد

إلى جانب سوريا، تعدّ ليبيا معقلًا مهمّاً للروس، الذين تربطهم بالبلدين علاقات قديمة، قدم الاتحاد السوفييتي، الذي اجتذب قوى بعينها في المنطقة منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، في مواجهة التمدّد الأمريكي الذي ابتلع منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ولم ينجُ من أنياب الأمريكيين سوى القلة، مثل: القذافي في ليبيا، وحافظ الأسد في سوريا، ولما للنظام الروسي من علاقات قديمة مع رجل ليبيا القويّ، يبدو أنّ الروس اختاروا الوقوف إلى جانب خليفته المنتظر، سيف الإسلام القذافي، وتضمّنت الخطة الروسية تنظيم حشد سريع للجالية الليبية في لاهاي، تحت شعار "Safe with Saif" أو "آمناً مع سيف".

تاريخ من التحالف أفسده الأطلسي

كان التقارب بين نظام معمر القذافي والاتحاد السوفييتي يتزايد مع تعمّق النفوذ الأمريكي في المنطقة، وبدأ منحنى التقارب متصاعداً عام 1976، حيث كانت ليبيا أفضل عملاء الكرملين في مشتريات الصناعات الثقيلة والأسلحة، وبحسب الباحثة الإيطالية ببرنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، فيدريكا فاسانوتي، في مقالٍ لها؛ فإنّ "القذافي وقّع عقوداً لجلب حوالي ألف مهندس ومدرّب عسكريّ سوفييتيّ إلى ليبيا، من أجل بناء قواعد صواريخ جديدة وأكثر حداثة، وكانت تلك بداية صداقة وثيقة وطويلة الأمد، على مدى العقد التالي؛ حيث ظهر أكثر من 11 ألف جندي روسي على الأراضي الليبية، بحسب بعض المصادر، والذين شاركوا جنباً إلى جنب مع جيش القذافي في نزاعات مختلفة، كما تمّ إرسال العديد من المسؤولين الليبيين، إلى الاتحاد السوفييتيّ للحصول على دورات متخصصة". 

ومع حلول منتصف الثمانينيات؛ تراجعت زيارات القذافي إلى موسكو، ولم تعد المياه إلى مجاريها إلّا عام 2008؛ حين كان بوتين رئيساً لوزراء روسيا للمرّة الثانية، وكان مستعدّاً لإلغاء ديون بلغت 4.5 مليار دولار أمريكي، تراكمت على ليبيا خلال الحقبة السوفييتية، مقابل اتفاقيات تجارية بين البلدين، وفي ذلك الوقت نوقشت عدة مشروعات، بلغت قيمتها 10 مليارات  دولار، وشملت مبيعات أسلحة، وعقوداً لبناء خطّ سكة حديد بين سرت وبنغازي بواسطة الشركات الروسية، بلغ قيمة العقد الخاص بها 2.2 مليار دولار.

 في الوقت نفسه، كانت روسيا تبحث بناء قواعد إستراتيجية على البحر الأبيض المتوسط، وهو ما سمح به القذافي حين وصلت الأساطيل الروسية إلى ميناء بنغازي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية