لماذا تصر تركيا على التواجد في أفغانستان رغم تحذيرات طالبان؟

لماذا تصر تركيا على التواجد في أفغانستان رغم تحذيرات طالبان؟


13/07/2021

جددت حركة طالبان مطالبتها لتركيا بالانسحاب ضمن باقي القوات الأجنبية من البلاد، لكنه تحذير ينضوي على انفتاح أو عدم رفض مطلق للتعاون مع تركيا، ما يطرح التساؤلات حول كواليس القرار التركي الذي تم الإعلان عنه بتأمين مطار كابول، سواء من حيث إمكانية التفاهم مع طهران لخلق صيغة مقبولة لدى الحركة من التواجد، أو الأسباب والمكاسب التي تتوقع تركيا حصدها للمخاطرة بتواجدها حال فشلت في التوصل إلى التراضي مع طالبان.

ونقلت قناة "تولو نيوز" الأفغانية عن المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين قوله: "باعتبارها عضواً في الناتو، يجب على تركيا سحب قواتها من أفغانستان على أساس اتفاق وقعناه مع الولايات المتحدة في 29 شباط (فبراير) 2020".

 وأضاف، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم": "وبما أنّ تركيا دولة مسلمة كبرى، فإنّ أفغانستان لديها علاقات تاريخية معها، ونأمل أن تكون لنا معها علاقة وثيقة وطيبة بعد تشكيل حكومة إسلامية جديدة في بلادنا في المستقبل".

لتركيا نفوذ قوي في أفغانستان

ولتركيا نفوذ قوي في أفغانستان، فقد دأبت تركيا على تخصيص عدد من المنح الدراسية للأفغان، فضلاً عن المدارس التركية في أفغانستان، وسبق أن صرح مسؤول أفغاني بأنّ "الشعب الأفغاني يحب الجنود الأتراك في أفغانستان مثل أبنائه".

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة: إنّ بلاده ستتولى تأمين المطار الدولي بالعاصمة الأفغانية كابل بعد الانسحاب الأمريكي، مشيراً إلى أنّ أنقرة وواشنطن اتفقتا على "ترتيبات" تولّي القوات التركية تأمين مطار كابل بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

وأضاف أردوغان، بحسب ما نقله موقع الجزيرة: "حددنا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ترتيبات المهمة المستقبلية، وما نقبله وما لا نقبله... طرحنا هذا الموضوع خلال اجتماعات الناتو وخلال لقائي مع (الرئيس الأمريكي جو) بايدن وأثناء المناقشات بين وفودنا… سننفذ هذا الإجراء في أفغانستان بأفضل طريقة ممكنة".

 

لفت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أنّ تركيا تستعد لنقل مقاتلين سوريين إلى أفغانستان، في تكرار للسيناريو التركي الذي نفذته من قبل في ليبيا وأذربيجان

 

وعقب الإعلان التركي، لفت المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أنّ تركيا تستعد لنقل مقاتلين سوريين إلى أفغانستان، في تكرار للسيناريو التركي الذي نفذته من قبل في ليبيا وأذربيجان.

لكن على خلاف الموقف في ليبيا وأذربيجان الذي كان يُعدّ حرباً بالوكالة، إذ تقدم تركيا المقاتلين لدعم حكومات حليفة لها، فإنّ تأمين مطار كابول يتطلب تواجداً تركياً فعلياً في المطار، وحالياً يتواجد 500 جندي تركي ضمن قوات الناتو في أفغانستان.

ويدور مستقبل التواجد التركي في أفغانستان ضمن سيناريوهين: الأول أن تستطيع الحكومة التركية التوصل إلى تفاهمات مع حركة طالبان، وهو سيناريو غير مستبعد على الرغم من تحذيرات طالبان، في ظل إغراءات قد تقدمها الحكومة التركية إلى الحركة المسلحة.

اقرأ أيضاً: إيران وكرة النار الأفغانية

والسيناريو الثاني الأقرب هو دخول تركيا في عداء مع حركة طالبان، التي وصفتها حال استمرارها في البلاد بقوة احتلال، ما يعني إمكانية استهداف الحركة للجنود الأتراك، وهو ما استدعى رفض المعارضة التركية وانتقادها موقف تركيا البقاء في أفغانستان "لنيل إعجاب الرئيس الأمريكي جو بايدن"، على حد وصف أحد زعماء المعارضة التركية كمال كلشدار أوغلو.

قال الرئيس التركي: إنّ بلاده ستتولى تأمين المطار الدولي بالعاصمة الأفغانية كابل بعد الانسحاب الأمريكي

وقرار تركيا البقاء في أفغانستان، وإن كان ينطوي على مخاطر، ويفرض تفاهماً بعد جفاء بين بايدن وأردوغان، غير أنّ تركيا التي لعبت على مدار أعوام في ملفات عدة حتى باتت إحدى القوى الإقليمية المؤثرة والمثيرة للفوضى والقلق، لا يمكن أن تخاطر لمجرد نيل رضا الولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن تحقق تركيا عدة مكاسب ببقائها في أفغانستان؛ فمن جهة تضمن دعماً استراتيجياً وعسكرياً ومالياً من الولايات المتحدة ودول الناتو، ومن جهة أخرى يوفر ساحة لها لنقل المرتزقة والمقاتلين الأجانب لتمهيد الطريق أمام تفاهماتها في سوريا.

ويعدد الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيري مكاسب تركيا من البقاء في أفغانستان، ومنها ما تمثله من "حل جزئي لمعضلة إدلب في سوريا".

 

يبدو السيناريو الأقرب هو دخول تركيا في عداء مع طالبان، التي وصفتها حال استمرارها في البلاد بقوة احتلال، ما يعني إمكانية استهداف الحركة للجنود الأتراك

 

يوضح البحيري، بحسب مقال على موقع المركز، أنّ إدلب تشكل إحدى أهم الأزمات التي تواجه أي عملية تسوية مستقبلية للصراع في سوريا، حيث تُعتبر "الخزان الجهادي" لأغلب التنظيمات والجماعات المتطرفة والمسلحة في الإقليم، لما تتضمنه من تعدد الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب على غرار الإيغور والحزب التركستاني الإسلامي والأوزبك، والعديد من الجنسيات العربية والآسيوية والأوروبية.

وأضاف أنّ هذا يجعل من إدلب إشكالية كبرى بالنسبة إلى تركيا، نتيجة الارتباط الوظيفي بين أنقرة والعديد من الفصائل والجماعات المسلحة الفاعلة فيها، ومن ثم فإنّ العمل على نقل عناصر مسلحة من إدلب إلى أفغانستان يساعد على حل جزئي لأزمة إدلب بإيجاد بديل للتمركز لهذه الجماعات المسلحة في حالة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، أو على أقل تقدير إمكانية نقل الأجانب الموجودين في إدلب إلى أفغانستان، وهو ما يعني إنشاء إدلب أفغانستان، على نحو يمكن أن يساعد في حل أهم الأزمات التي تواجه العديد من دول العالم التي ترفض استقبال عناصر متطرفة ومسلحة نشطة في سوريا، بالإضافة إلى عدم تحمل أنقرة مسؤولية استضافة بعض هذه الجماعات فيما بعد حل الأزمة السورية.

اقرأ أيضاً: الفشل السياسي الأمريكي... في أفغانستان والعراق

ويشير أيضاً إلى أنّ التواجد التركي يُعدّ بمثابة "مواجهة للتدخلات الإيرانية والصينية"، قائلاً: إنه "مع انتهاء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية والناتو من أفغانستان سوف يتنامى الدور الصيني والإيراني، وهو ما ظهر عبر استضافة طهران اجتماعاً بين حركة "طالبان" وحكومة كابول، في 7  تموز (يوليو) الجاري، في محاولة من جانبها لممارسة دور أكبر في الداخل الأفغاني، يتوازى مع سعي الصين للاستحواذ على عمليات استخراج النفط الأفغاني، وهو ما يجعل من النفوذ الصيني والإيراني مُهدِّداً للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، على نحو يتطلب، وفقاً لاتجاهات عديدة، وضع سيناريوهات لمنع التمدد الصيني والإيراني في الداخل الأفغاني، وهو ما يمكن أن يحدث عبر تعزيز النفوذ التركي بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن يمارسه نقل المسلحين من سوريا إلى الحدود مع إيران والصين، وخاصة أنّ الكثير من العناصر المسلحة في سورية هم من التابعين للأقلية المسلمة في الصين "الإيغور"، وأنّ وجود مسلحين متطرفين من السنّة على الحدود مع إيران يمكن أن يشكل تعزيزاً للعناصر المسلحة من "البلوش" في الداخل الإيراني.

ويتابع أنّ ذلك التواجد يمثل إعادة تعزيز وهيكلة تحالف الشمال: ترى اتجاهات عديدة أن نقل عناصر مسلحة من إدلب في سورية إلى أفغانستان يمكن أن يساعد تحالف الشمال عبر تعزيز القوات التابعة للفصائل المسلحة الأفغانية في الشمال بدعم بشري من خلال نقل مجموعات تابعة لميليشيات وجماعات سورية تمتلك تكتيكات حروب العصابات، وهو ما يمكن أن يواجه تنامي نفوذ حركة طالبان مستقبلاً، ويساعد في تحويل الاستراتيجية الأمريكية من المواجهة المباشرة في أفغانستان إلى المواجهة غير المباشرة، أو ما يطلق عليه المواجهة عبر الحروب بالوكالة.

 

تحقق تركيا عدة مكاسب ببقائها في أفغانستان، فمن جهة تضمن دعماً استراتيجياً وعسكرياً ومالياً من أمريكا ودول الناتو، ومن جهة أخرى قد يمهد لتفاهمات في سورية

 

ولفت إلى أنّ التواجد التركي المدعوم أمريكياً يمكن أن يمثل "مواجهة لتنامي نفوذ "داعش" في محور وزيرستان خراسان"، قائلاً: مع تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في أفغانستان منذ بدء الانسحاب الأمريكي في أول أيار (مايو) الماضي، وصلت معدلات العمليات الإرهابية للتنظيم إلى ما يقرب من 83 عملية إرهابية حتى 9 تموز (يوليو) الجاري، أسفرت عن سقوط حوالي 377 ما بين جريح وقتيل من قوات الأمن الأفغانية وحركة "طالبان"، وهو ما يجعل من نشاط "داعش" في أفغانستان مصدراً رئيسياً لتهديد المصالح الأمريكية، ومن ثم فإنّ دفع عناصر مسلحة من إدلب إلى أفغانستان عبر رعاية تركية قد يساعد في الحد من نفوذ تنظيم "داعش"، مع محاولة قطع "الحزام الداعشي" الممتد من الهند وباكستان ووزيرستان، والذي يمر عبر أفغانستان، ويصل إلى دول آسيا الوسطى.

اقرأ أيضاً: هل تصبح أفغانستان ملاذاً للإرهابيين؟

واختتم قائلاً: "في المجمل، يمكن القول إنّ الانسحاب الأمريكي المتسارع من أفغانستان دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانخراط في عملية جديدة لصياغة ترتيبات أمنية وعسكرية مع تركيا، لوضع بعض السيناريوهات المستقبلية للدور التركي في أفغانستان، فيما بعد انتهاء الانسحاب الأمريكي في 31  آب (أغسطس) المقبل، على نحو سوف يفرض تداعيات مباشرة ليس على أفغانستان فحسب، وإنما على سوريا أيضاً، وهو ما قد تبدأ مؤشراته في الظهور مبكراً خلال المرحلة القادمة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية