لماذا تصعّد حماس ضدّ عباس؟

فلسطين

لماذا تصعّد حماس ضدّ عباس؟


02/10/2018

بالتزامن مع الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتّحدة، مؤخراً، عقدت حركة حماس، في خطوة مفاجئة وغير مبرَّرة، اجتماعاً لأعضائها في المجلس التشريعي الفلسطيني، في قطاع غزة، بعد حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من كوادر حركة فتح في القطاع، في خطوة أرادت منها حماس تأكيد سيطرتها المطلقة على القطاع.

وبينما كان عباس يلقي خطاباً، كبقية زعماء العالم، باسم الشعب الفلسطيني، حاملاً قضية فلسطين في أهمّ وأبرز المحافل الدولية، لاستقطاب الدعم للقضية الفلسطينية ومواجهة صفقة القرن والمقاربات الأمريكية المطروحة لحلّ القضية الفلسطينية، كانت حماس تعلن انتهاء اجتماعات أعضائها في المجلس الوطني "المنتهية صلاحيته"، ويعلن القيادي في حماس، أحمد بحر، نائب رئيس المجلس التشريعي؛ أنّ "الرئيس عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني، وأنّه يخطب في الأمم المتحدة دون شرعية، وعلى السلطة الفلسطينية إلغاء "أوسلو"، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها".

 القيادي في حماس، أحمد بحر، نائب رئيس المجلس التشريعي

خطوة بهذا الحجم من قبل حماس، وفي هذا التوقيت، تلغي احتمالات الذهاب بتفسيرها، باعتبارها ردّة فعل و"رعونة" سياسية من الحركة، أو سوء تقدير موقف، وجهل بتقدير خطورة تداعياتها على حماس وفتح والقضية الفلسطينية، خاصّة أنّ حماس تدرك أنّها لن تكون بديلاً لمنظمة التحرير، أو للسلطة الفلسطينية، وأنّ احتمالات أن تمتلك شرعية التمثيل الفلسطيني لا تتجاوز الصفر، وتجربة أكثر من عشرة أعوام في استيلائها على السلطة في غزة تؤكّد ذلك.

نزع الشرعية عن الرئيس عباس، باعتباره الهدف الذي أعلنته حماس، ووفق السياقات وتطورات القضية الفلسطينية، والمأزق الذي تواجهه كافة المكونات الفلسطينية "فصائلية وشعبية"، محطّ شكوك عميقة لدى المتابعين، بدلالة ردود الفعل الفلسطينية الرافضة بالمطلق لخطوة حماس، والمشكّكة في أهدافها، التي تمكن قراءتها، انطلاقاً من معطيات الداخل الفلسطيني، وتحديداً "إفشال "جهود المصالحة بين حماس وفتح، ومعطيات الارتباطات الوثيقة لحماس وفتح بسياسات المحاور والصراعات الإقليمية؛ العربية والإسلامية.

خطوة حماس تزامنت مع تصعيد من قبل محور الممانعة مع أمريكا، وخاصّة من قبل إيران وثمّ تركيا

فعلى صعيد المصالحة الفلسطينية؛ فشلت الجهود التي قادتها المخابرات المصرية، عبر العديد من المؤتمرات والاجتماعات "السرية والعلنية"، وعلى مدى أكثر من عام، في ردم الفجوات العميقة بين الجانبين، لخلافات على مكاسب تنظيمية تنطبق عليها مقولة "القتال على جلد الدبّ قبل صيده"، خاصّة أنّها تزامنت مع الطروحات المرتبطة بصفقة القرن، والمشروعات المطروحة على هامشها، التي أبدت حماس تفاعلاً معها، تحت عناوين التهدئة والهدنة مع إسرائيل، وحزمة مشروعات اقتصادية ضخمة لقطاع غزة، وهو ما عزّز شكوك فتح، ودفع السلطة الفلسطينية وفتح للتمسّك بشعار "استعادة كامل السلطة"، "المنقلَب عليها" من قبل حركة حماس في القطاع، ومن اللافت، بالنسبة إلى فتح وحماس، أنّه كلّما فشلت جولة من جولات المصالحة بين الجانبين، تظهر إشارات تقدّم في مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل.

اقرأ أيضاً: استياء مصري من تمادي حماس في استفزاز السلطة الفلسطينية

وعلى صعيد ارتباطات طرفي الصراع الفلسطيني بالمحاور والصراعات، العربية والإقليمية، وارتباط فتح والسلطة مع محور "الاعتدال" العربي، مقابل ارتباط حماس بـــ "الممانعة" العربية والإسلامية، فإنّ خطوة حماس غير بعيدة عن ذلك، خاصة أنّها تزامنت مع تصعيد من قبل محور الممانعة مع أمريكا، وخاصّة من قبل إيران، وبدرجة أقلّ تركيا، ولا يمكن عزل خطوة حماس المفاجئة عن ضغوط إيرانية لإرسال رسالة "ناعمة"، لأمريكا وإسرائيل، بقدرتها على إفشال، أو إنجاح، أيّة ترتيبات مرتبطة بالقضية الفلسطينية، خاصّة في ظلّ التصعيد الذي يشهده الصراع الأمريكي – الإيراني في الإقليم.

خطوة حماس لن تصبّ إلّا في مصلحة أمريكا وإسرائيل

تداعيات خطوة حماس، تبدو محدودة في الداخل الفلسطيني، إلا أنّها لن تصبّ إلّا في مصلحة أمريكا وإسرائيل، وستكون ورقة ضغط جديدة لمحاصرة عباس، الذي تجهد أمريكا في عزله والتشكيك في شرعيّته، وسترسل رسالة بأنّه لا شرعية فلسطينية لأيّ طرف، غير أنّ تداعياتها الأخطر ستكون على حماس نفسها، التي أعلنت مواجهة مفتوحة، بعد خطوتها مع عباس وإسرائيل، ستكون نتائجها المزيد من تدمير قطاع غزة، وربّما تذهب في أسوأ السيناريوهات لقيام إسرائيل بشنّ حرب جديدة على قطاع غزّة، تشكّل مطلباً لاتجاهات يمينية إسرائيلية. من المرجح أنّ حماس غير قادرة على تحمّل تبعاتها، مقابل اتجاهات أخرى ترى أنّ الحلّ النهائي في دولة فلسطينية في غزة تتبع لها الضفة الغربية.

اقرأ أيضاً: ما الذي تفعله حماس لغزّة؟

كان على حماس أن تدرك ألّا صفقات مطروحة على الطاولة إلّا صفقة القرن، وأنّها لن تكون بديلاً عن منظمة التحرير وسلطة عباس، إلا إذا قدّمت أضعاف ما يقدّمه عباس، بما في ذلك؛ التنسيق الأمني مع إسرائيل، ونزع أسلحتها، أو تغيير اتجاهات استخدامها، وأنّ خطوتها، بفرضية صحّة تقدير أنّها في خدمة أجندة إيرانية، تشبه خطوة حزب الله باختطاف جنود إسرائيليين العام 2006، خدمة لمفاوضات إيران مع أمريكا حينها، وتدمير لبنان بعدها، في حرب تموز المعروفة، واعتراف زعيم "حزب الله" لاحقاً بأنّه لو كان يعرف حجم ردّ الفعل الإسرائيليّ لما أقدم على تلك الخطوة، فهل سيقول قادة حماس لاحقاً: لو أنّهم كانوا يعرفون تبعات خطوتهم لمّا اقترفوها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية