لماذا تعجز ألمانيا عن اتّخاذ قرارات جذريّة بشأن جماعة الإخوان؟

لماذا تعجز ألمانيا عن اتّخاذ قرارات جذريّة بشأن جماعة الإخوان؟


07/09/2020

تتجدد النقاشات من حين لآخر، داخل أروقة البرلمان الألماني (البوندستاغ)، حول القيود الواجب فرضها على جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتها الإرهابية، التي بات نفوذها المتمدد في أوروبا، خاصة بريطانيا وألمانيا، مهدداً للمجتمع الأوروبي، وليس الشرق الأوسط فحسب.

اقرأ أيضاً: كيف استغل حزب الله ألمانيا كـ"ملاذ" لعناصره؟

ورغم سرعة اتخاذ ألمانيا لقرار حظر نشاط حزب الله اللبناني على أراضيها، إلّا أنّ هناك اتهامات تتجه صوب برلين، في تردّدها بحظر أنشطة الجماعة الإرهابية، والتي تتخذ من الجمعيات الخيرية المنتشرة في ألمانيا، غطاء لأنشطتها غير المشروعة.

محاولات غير مثمرة

حذرت الاستخبارات الألمانية، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، من النشاط المتزايد لجماعة الإخوان على أراضيها، الذي برز في التحذير من تصريح رئيس جهاز الاستخبارات الألمانية لولاية شمال الراين فيتسيفاليا، بوركهارد فرايير، لوكالة "DW"، الذي أعلن أنّ الخطر الذي تمثله أنشطة الإخوان المسلمين في ألمانيا، والذي تمارسه عبر الجمعية الإسلامية، لا يقلّ عن خطر أنشطة داعش، وتنظيم القاعدة، لكن يبدو أنّ لألمانيا أهدافاً أخرى من التباطؤ في حظر أنشطة الجماعة، يراها الباحث في الشؤون العربية والإسلامية، والكاتب الصحفي بجريدة "الأهرام" المصرية، هشام النجار، ممثلة في تمدّد نشاط الجماعة خارج الشرق الأوسط وصولاً إلى  قلب أوروبا، بعد أن ظلّ لعقود يخدم الأهداف الاستعمارية للخارج، فاليوم أصبح أكبر مهدّد لأمن أوروبا وأمريكا.

ويتابع النجار، في تصريحه لـ "حفريات": "هناك محددات رئيسة تجعل هذه المساعي المتكررة لحظر الجماعة الإرهابية دون المأمول بشأن نتائجها، خاصة فيما يتعلق بأوضاع جماعة الإخوان في كلّ من بريطانيا وألمانيا، اللتين تخضع الرؤية والقرار فيهما بشأن هذا الملف تحديداً لاعتبارات عديدة، وهذه المحددات والاعتبارات تتلخص في وضع جماعة الإخوان تاريخياً، في بريطانيا وألمانيا باعتبارهما الدولتَين الأوروبيتَين الرئيستَين، اللتين احتضنتا مشروع التنظيم الدولي للإخوان منذ تأسيسه، في ستينيات القرن الماضي، ليصبح حالة عابرة مؤدلجة بمثابة الكنز في يد أيّ جهاز مخابرات محترف لدولة تلعب دوراً مهماً في السياسات الدولية وعلاقات المصالح، التي ترى القبض، أو على الأقل القدرة، على التحكم في الدول المحورية بالشرق الأوسط وفي مقدمتها مصر عاملاً مهماً فيها".

اقرأ أيضاً: "ذئاب" نظام أردوغان في ألمانيا: ترهيب وملاحقة للمعارضين

ويرى النجار العامل الثاني ممثلاً في أنّ جماعة الإخوان ليست مجرد جماعة تقليدية يمكن التعامل معها بقرار يمحو تعاوناً استخباراتياً ممتداً على مدى عقود، لكنّها أكبر وأخطر جماعة وظيفية استخدمتها القوى الغربية لتحقيق مصالح وأهداف كبرى، لم يكن للغرب، بكلّ ما تملكه دوله من قدرات وإمكانات، قادراً على تحقيقها من دون مساعدة جماعة الإخوان".

الإخوان دمية الإمبريالية

ومن تلك المصالح والأهداف الكبرى التي حققها الإخوان للغرب؛ تقويض الخطر الشيوعي وتحجيمه، بداية منذ الستينيات، ما يعني تفريغ قوة الاتحاد السوفييتي السابق من ذخيرته الأيديولوجية والمنهجية، وكذلك مساعدة الغرب في هزيمة الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان.

 وبحسب النجار: "لعبت جماعة الإخوان بصحبة أجهزة المخابرات الغربية دوراً رئيساً في حشد المقاتلين العرب من كلّ مكان، والزجّ بهم في حرب لم تكن لصالح الإسلام ضدّ الكفر، أو الإلحاد، أو الشيوعية، كما روّجت جماعة الإخوان، إنّما لتحقيق هدف واحد وهو ترجيح كفّة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب في الميزان الإستراتيجي ولعبة الأمم على المعسكر الشرقي".

مع تصاعد الخلافات بين ألمانيا وتركيا، بسبب الملف السوري والليبي، وجدت تركيا طريقاً للتمدّد عن طريق جماعة الإخوان إلى أوروبا وهو ما يجعل ألمانيا أكثر تحسساً من الجماعة

  وهذا تحقّق بالفعل عقب هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، علاوة على أهداف أخرى كبرى، لا تقلّ أهمية، وفي مقدمتها الإبقاء على التفوق الإسرائيلي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا لا يتحقق إلا بإبقاء الدول العربية ضعيفة من الداخل ومتصارعة، طائفياً ومذهبياً، وجماعة الإخوان هي الأداة المفضلة بيد القوى الدولية لإبقاء الدول العربية في حالة ضعف وتصارع مذهبي وديني، بما تبثّه من كراهية دينية وأحقاد طائفية، وبما تشغل به العرب من قضايا هامشية بعيدة عن قضايا نهضتها وتقدمها.

وفي منتصف العام الماضي؛ دار النقاش مجدداً بين الحزب الديمقراطي المسيحي "CDU"، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، حول مشروع قانون يقدم إلى البرلمان، لحظر جماعة الإخوان، التي تمارس نشاطها تحت غطاء التجمع الإسلامي الذي أسسه سعيد رمضان، عام 1985، والذي رأت فيه الحكومة أخطر أنشطة الإسلامويين في ألمانيا، وبعدها خرجت وثائق برلمانية تداولتها عدة صحف عربية وعالمية، ذكرت أنّ عدد الإخوان في ألمانيا 1040 شخصاً، يستخدمون مجال العقارات كأبرز أنشطة تمويلهم؛ إذ تكمن خطورة جماعة الإخوان في نظر السلطة الألمانية، كونها أنشطة مجتمعية، تتخذ قالباً إنسانياً، ما يجعلها سهلة الوصول إلى الناس، وقادرة على بناء قاعدة شعبية في ألمانيا، خاصة بين أوساط المهاجرين.

المرشد التركي

مع تصاعد الخلافات بين ألمانيا وتركيا، الناشئة من الملف السوري والليبي، وجدت تركيا طريقاً للتمدّد عن طريق جماعة الإخوان إلى الداخل الأوروبي، وهو ما يجعل ألمانيا أكثر تحسساً وغضباً، من الجماعة التي صارت متحدثاً رسمياً باسم السلطان العثماني الجديد، الذي يحكم تركيا، وبحسب النجار؛ فإنّ هناك عدة اعتبارات تحيل دون اتخاذ موقف جذري من الإخوان، على غرار حزب الله، وهي سرّ عدم التضييق على الجماعة واتخاذ إجراءات ضدّها في هذه الدول تحديداً.

اقرأ أيضاً: أمريكا تطالب تركيا بوقف العمل في المتوسط... ماذا عن ألمانيا؟ وكيف ردّ أردوغان؟

ويستطرد النجار قائلاً: "لكن، على الجهة المقابلة، طرأ متغير أدى لتصاعد أصوات نخبوية وسياسية داخل هذه الدول وفي برلماناتها، تحذّر من ممارسات جماعة الإخوان هناك، ومن خطرها على الداخل الأوروبي، وليس على الدول العربية والشرق الأوسط؛ فهؤلاء ينادون بالتضييق على الجماعة لاستشعار خطرها على الداخل الأوروبي، لا العربي، وهذا الطارئ هو دمج التنظيم الدولي للإخوان في مشروع العثمانيين الجدد، بزعامة أردوغان، بما له من طموحات ومخططات أيضاً، داخل أوروبا".

الباحث هشام النجار لـ"حفريات": "لعبت جماعة الإخوان بصحبة أجهزة المخابرات الغربية دوراً رئيساً في حشد المقاتلين العرب من كلّ مكان، والزجّ بهم في حرب لم تكن لصالح الإسلام ضدّ الكفر

ويتابع: "وما يقلق هؤلاء؛ أنّ زعيم التنظيم الدولي للإخوان حالياً ليس إبراهيم منير، بل رجب طيب أردوغان شخصياً، أي أنّ جماعة الإخوان، منذ عام 2012 تقريباً، تلعب دور الأداة في الغزو الناعم لأوروبا عبر المساجد والمراكز الخيرية والدعوية، لرهن مسلمي أوروبا لهذا المشروع، وجعلهم يوالون أردوغان كزعيم لهم، ما يعني عزلهم عن مجتمعاتهم وتحويلهم لقنابل أيديولوجية موقوتة".

 إذاً، يقول النجار "نستطيع أن نجمل المشهد في عنوان رئيس؛ هو أنّ أوروبا اليوم بين إرادتين متنازعتين؛ بين من يوظف جماعة الإخوان في مشروع قديم جديد لمصالح إستراتيجية فائقة في الشرق الأوسط، مقابل إرادة كفّ مشروع أردوغان التوسعي والحدّ من خطره الذي لا يطال فقط المنطقة العربية؛ بل عمق دول أوروبا".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية