لماذا سحبت تركيا نقاطاً عسكرية شمال غرب سوريا؟

لماذا سحبت تركيا نقاطاً عسكرية شمال غرب سوريا؟


09/11/2020

باتت الإستراتيجية العسكرية والسياسية التركية في سوريا مرتبطة ارتباطًا وثيقاً بالتفاهمات الروسية التركية في المنطقة؛ بل يمكن الذهاب لأبعد من ذلك، والقول إنّ تركيا قد تقدّم بعض التنازلات لروسيا في سوريا، على حساب المصالح المشتركة بين البلدين؛ إذ إنّ روسيا باتت في الأعوام الأخيرة أقرب إلى تركيا من أمريكا والأتحاد الأوروبي، تحديداً بعد الصفقة العسكرية الروسية التركية، بشراء الأخيرة منظومة الصواريخ الروسية "إس 400"، وتوتّر العلاقات التركية الأمريكية عقب اختبار تركيا لتلك الصواريخ؛ حيث قال المتحدث باسم البنتاغون، جوناثان هوفمان، بتاريخ 23 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي: إنّ "وزارة الدفاع الأمريكية تدين بأشدّ العبارات الاختبار الذي أجرته تركيا، في 16 تشرين الأول (أكتوبر)، لنظام الدفاع الجوي "إس-400"، وهو اختبار أكّد رجب طيب أردوغان، اليوم، حدوثه".

لذلك تبدو عملية سحب نقاط عسكرية تركية من بعض مناطق شمال غرب سوريا، وسط صمت إعلامي تركي، وغياب لأيّة تصريحات رسمية من قبل مسؤولين أتراك، إشارة لهذا التفاهم، التنازل مع الحليف الروسي، صمت إعلامي يذكّرنا بالصمت الإعلامي والرسمي الذي تزامن مع دخول قوات النظام السوري، المدعومة من روسيا، وسيطرتها على مدينتَي مورك وخان شيخون في وقت سابق.

اقرأ أيضاً: حقيقة دور تركيا في سوريا

بدأ الجيش التركي، في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بتفكيك أكبر نقطة مراقبة عسكرية في مورك، والمعروفة باسم "النقطة التاسعة"، وقام بتخريب التحصينات، وفكّ السواتر والأسقف الصناعية، وجرت عملية التفكيك تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية، لضمان عدم حدوث أيّ احتكاك بين الجيش التركي وقوات النظام السوري، ونقلت المعدّات والقوات التي كان في نقطة مورك إلى قرية "قوقفين" في منطقة جبل الزاوية التابعة لمحافظة إدلب.

تفكيك نقطة عسكرية

تبع الانسحاب من نقطة مورك انسحاب القوات التركية من نقطة "شير مغار" في جبل شحشبو، شمال غرب حماه، الذي بدأه في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وتلا ذلك تفكيك نقطته العسكرية في منطقة "معرحطاط" على الطريق الدولي دمشق- حلب "M4"، جنوب إدلب، في 7 تشرين الثاني (نوفمبر).

ترى تركيا أن تمدُّدها إلى مناطق أخرى في عمق الشمال الشرقي لسوريا، من شأنه أن يبدّد مخاطر قُرْب قوات سوريا الديمقراطية من حدودها

وحول انسحاب النقاط العسكرية التركية، قال الكاتب الصحفي السوري، مالك الحافظ، لـ "حفريات": "يشير مقياس تطور الأوضاع الميدانية في الشمال السوري إلى أنّ الانسحاب التركي من نقطة المراقبة الأكبر في الشمال السوري (مورك بريف حماه الشمالي)، يدخل ضمن إطار صفقة تبادل نفوذ بين الجانبين الروسي والتركي، حيث من الممكن الإشارة هنا إلى رغبة تركية في التوسّع ضمن مناطق في شمال شرق سوريا، وتأمين عمق حدودي مناسب لها، يخدم رؤيتها في حماية أمنها القومي، كما تقول، من الوجود الكردي هناك؛ لذلك فإنّ الأتراك يرون أنّ البقاء في نقاط المراقبة المحاصرة لا يجدي نفعاً في جغرافية الشمال الغربي من سوريا، لكنّه سيفيدها في إدخال هذه النقاط ضمن صفقة تبادلية لرسم خطوط جديدة للنفوذ بين الجانبين".

وأضاف: "عملت تركيا على البقاء في نقاط مراقبتها المحاصرة في الشمال السوري، منذ مطلع العام الجاري، من أجل استخدامها ورقة تفاوض لمصلحتها تُقايض بها محاولات روسيا للتمدّد في مناطق الشمال الشرقي الحدودية".

اقرأ أيضاً: من هم رجال تركيا في سوريا؟

ويرى الحافظ أنّه و"بالتزامن مع الانسحابات التركية؛ شهدنا قصفاً روسياً متصاعداً على مناطق في إدلب بمحيط الطريق الدولي "إم 4"، وهو ينسجم مع رؤية الجانبين لتوسيع نفوذَيهما، كلّ بحسب ما يخدم مصالحه، فتركيا تريد فرض شريط حدودي في الشمال السوري بعمق 30 كيلو متراً، يضمن لها السيطرة على المناطق الحدودية التي ستمتدّ من الشمال الغربي وحتى الشرقي منه، بالعمق المشار إليه".

مخاطر قُرْب قوات سوريا الديمقراطية

وترى تركيا أن تمدُّدها إلى مناطق أخرى في عمق الشمال الشرقي لسوريا، من شأنه أن يبدّد مخاطر قُرْب قوات سوريا الديمقراطية من حدودها، بحسب الحافظ، بينما "ترغب روسيا في التمدّد إلى مناطق جديدة في الشمال الغربي من أجل تضييق الدائرة على القوى المصنّفة على قوائم الإرهاب هناك، مثل: "الحزب التركستاني"، و"جبهة النصرة"، ومن يتصل بتنظيم "القاعدة"".

أما الكاتب والمحلل السياسي، حسام نجار، فقال لـ "حفريات" إنّ "اتفاق أستانة لم يكن مطلباً ثورياً سورياً، بل كان مطلب الدول الثلاث الضامنة؛ حيث جُرَّت له فصائل المعارضة مجبرة، بحكم تحكّم تركيا بتحركات تلك الفصائل، بالتالي؛ تمّ إجبار تلك الفصائل على القبول ببنوده رغم عدم قناعتها بجدواه".

وأضاف: "نتيجة ذلك؛ امتدّت نقاط المراقبة التركية (12 نقطة) من مورك إلى الحدود التركية، لتكون قريبة من بعضها، بالطبع تلك النقاط كان لها دور أساسيّ في البداية؛ بإيقاف هجوم النظام السوري على مناطق إدلب وشمال حماه، حينها؛ كان هناك مطلب بتسيير دوريات مشتركة مع الأتراك على طريق "إم 5"، والروس رفضوا ذلك وصرّحوا بأنّهم غير مسؤولين عن مهاجمة تلك النقاط من قبل قوات النظام السوري".

اقرأ أيضاً: تقرير: طموحات تركيا في سوريا خير دليل على اتباع أردوغان النهج العثماني للتغيير العرقي

 وتابع نجار: "فما كان من الروس إلا أن سهَّلوا للنظام القيام، على عدة مراحل، بهجوم عسكري على تلك المناطق، وحتى على النقاط التركية، ومحاصرة بعضها، وهذا كان مفاجئاً للأتراك، ودخلوا بشدّ وجذب مع الروس، فجعل الأتراك الطريق "M4" مجال المناورة مع الروس، بجعل الدوريات المشتركة هناك".

ومع تصاعد هجوم النظام ومحاصرة النقاط التركية، واشتراك تركيا في عدة مناطق عسكرياً، وبعض المساومات السياسية والاتفاقيات غير المعلنة مع الروس؛ كان لا بدّ لهم، كما يقول نجار "من الانسحاب من بعض النقاط، والتمركز في أخرى بعيدة عن متناول قوات النظام البرية".

فاجعة للأهالي

وأضاف: "في المحصلة؛ إنّ انسحاب الأتراك من تلك المناطق كان فاجعة لأهالي تلك المناطق والفصائل العاملة هناك، فلم يكن هناك مبرّر عمليّ لهذا الانسحاب سوى الخوف على الجنود الأتراك، وهذا ما جعل اتفاق "أستانة" محلّ شكّ وريبة، وأظهر الفصائل التي وقّعت عليه على أنّها وضعت كامل البيض في سلّة تركيا، خاصة أنّ فصائل كثيرة اتّجهت للعمل في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وتركت هيئة تحرير الشام تمرح وتلعب".

الصحفي مالك الحافظ لـ"حفريات": عملت تركيا على البقاء في نقاط مراقبتها المحاصرة في الشمال السوري لاستخدامها ورقة تفاوض تُقايض بها محاولات روسيا للتمدّد

ويعتقد نجار بأنّ أيّ دولة إن لم تكن قادرة على أن تلعب دور الضامن، "فلا يجب أن تضع نفسها بالمقدمة، رغم معرفتنا أنّ تركيا تسير في بحر من الألغام، لكن عليك أن تطابق القول بالفعل".

وتزامن الانسحاب التركي من بعض النقاط العسكرية شمال غرب سوريا، بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من طريق "إم 4" من ناحية منطقة عين عيسى شمال محافظة الرقة، وذلك بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

كما أشارت مصادر للمرصد؛ إلى أنّ القوات التركية أصبحت تتمركز في 5 قواعد عسكرية قرب طريق "إم 4"، وهي: كفيفة، وعين رمانة، وتينة، والرابعة على الطريق الواصل بين عين عيسى واستراحة صقر، وتقع الأخيرة غرب عين عيسى.

وكانت الفصائل الموالية لتركيا قد استقدمت تعزيزات عسكرية إلى ريفَي تل أبيض وعين عيسى.

وكان الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا شنّ هجمات على مواقع وحدات حماية الشعب الكردي في منطقة عين عيسى، بتاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أي في اليوم نفسه الذي بدأت القوات التركية فيه بالانسحاب من بعض النقاط العسكرية في شمال غرب سوريا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية