لماذا سقط الأطفال من حسابات صناع الدراما في رمضان؟

لماذا سقط الأطفال من حسابات صناع الدراما في رمضان؟


28/04/2022

حميدة أبو هميلة

من "بوجي وطمطم، وعمو فؤاد، وجدو عبده"، وصولاً إلى بكار والقصص القرآني، هذه بعض من العناوين التي زيّنت شاشة رمضان مصر بدءاً من الثمانينيات وحتى بعض سنوات الألفية، إذ كانت أجندة العرض عامرة خلال هذا الشهر بأعمال مختلفة ومتعددة موجهة للصغار.

وفي الماضي كانت المنافسة بين مسلسلات وفوازير الأطفال توازي نظيرتها بين الأعمال الدرامية المعتادة، بل كان الكبار يزاحمون الأبناء والأحفاد لمتابعة الإنتاج المقدم لهم لشدة جودتها وجاذبيتها وتنوع محتواها، فما الذي تغير؟

تدريجاً، تقلصت الأعمال التي تخاطب هذه الفئة على شاشة رمضان، بعدما كان موسماً استثنائياً بالنسبة لهم، ومرّت بمراحل صعود وهبوط، لدرجة أنه أصبح من النادر أن نجد على خريطة القنوات المصرية عملاً جديداً خلال هذا الشهر صنع خصيصاً من أجل الأجيال الأصغر سناً.

وعلى رغم أن أطفال هذا الجيل يفضّلون متابعة حلقاتهم عبر الإنترنت، فإن من طقوس العائلات العربية بشكل عام خلال رمضان هو التجمع أمام المحطات التلفزيونية، بالتالي كان من الطبيعي أن تكون المائدة الدرامية الرمضانية عامرة بحلقات من الثقافة المحلية تخاطب الأصغر سناً، وهو ما لم يعد يحدث تقريباً.

محاولات منفردة و"بكار" الأكثر نجاحاً

من الصعب أن نقول إنه على مدار السنوات القليلة الماضية كانت هناك خطة لتقديم إنتاج رمضاني خاص بالأطفال، حيث كانت التجارب منفردة من هنا وهناك من دون تخطيط واضح.

وقبل خمس سنوات، عرض مسلسل عرائس حمل عنوان "زووو"، دارت أحداثه في إطار كوميدي حول أسرة متوسطة، تتنوّع اهتمامات أفرادها مع مناقشة بعض القيم المجتمعية الإيجابية، كما كانت هناك تجارب أخرى بسيطة لم تعلق بالذاكرة، فعلى ما يبدو كلها محاولات للوصول إلى تيمة ناجحة يرتبط بها الأطفال، مثلما حدث في ما قبل مع مسلسل "بكار" الذي عرض آخر موسم له في عام 2016، وهو العمل الكارتوني الشهير الذي كتبه المؤلف عمرو سمير عاطف، وانطلق عرضه عام 1998.

وحقق "بكار" شعبية كبيرة بين كل الفئات، واستمر 11 موسماً، حيث كان مرتبطاً بموعد الإفطار في رمضان، وتدور قصته حول فتى نوبي صغير يخوض مغامرات درامية لطيفة، ويروي قصصاً عن الآثار المصرية، وقد يكون "بكار" من أبرز الإنتاجات التي وجّهت للأطفال في السنوات الأخيرة، وحققت نجاحاً ملموساً.

وخلال عامي 2018 و2019، حاول سامح حسين والمؤلف محسن رزق والمخرج أيمن محمد استكمال نجاح مسلسل الكارتون "القبطان عزوز"، الذي عرض على ثلاثة أجزاء في "2009 و2010 و2011"، بتقديم موسمين جديدين بعنوان "الكابتن عزوز"، لكن التجربة لم تستمر، ولم يكن لها صدى كبير، فقد ظل الإنتاج الخاص بالصغار خلال مواسم دراما رمضان يتقلص، حتى إنه في بعض الأعوام لم يكن موجوداً من الأصل، وإن وجد يكون بلا تأثير تقريباً، ولا يشعر به أحد، بمن فيهم الأطفال المستهدفون أنفسهم.

المصريون القدماء يجذبون أطفال 2022

وأخيراً، عُرض هذا العام مسلسل كارتوني من إخراج محمد عيد هو "يحيى وكنوز" تلقى إشادات تتعلق بقصته التي تتناول حياة المصريين القدماء انطلاقاً من حفل نقل المومياوات الملكية الشهير العام الماضي، وأيضاً بمستوى تنفيذه، وكذلك دقة معلوماته التاريخية، وكذلك تصاعد الدراما التي كانت بتوقيع المؤلف محمد عدلي.

وبرأي عدلي أن سبب انجذاب الأطفال للعمل بأنه قد يكون نابعاً في الأساس للتركيز مع الجمهور المستهدف، ويخاطبه بلغته، ويراعي أيضاً أن هذا الجيل مختلف تماماً، مشيراً إلى أن الدراما واحدة سواء للكبار أو الصغار، لكن الأسلوب هو الذي يتغير، مشدداً على أنه وضع على عاتقه أن يحاول من خلال هذا العمل تصحيح صورة القدماء المصريين، التي تظهر بشكل غير دقيق في كثير من الأعمال العالمية، حيث وجد أنه يجب أن يتعلم الأطفال حقيقة التاريخ بشكل سليم، موضحاً أن العمل خضع للمراجعة التاريخية على يد متخصصين آثاريين.

وتابع، "الفضول هو الدافع الأول للأطفال، ومن هذا المنطلق بدأت مغامرات يحيى الخيالية حيث حاولت فتح تابوت بموكب المومياوات الملكية، وتطورت الأحداث ليعود بالزمن آلاف السنوات، ويشاهد الأطفال كيف كان يعيش قدماء المصريين في عصر الأسرات، وفي ما بعد يأخذ معه شقيقته ووالده ليروا بأنفسهم تلك التجربة".

العمل الذي شارك فيه صوتياً نجوم مثل أحمد السقا وياسر جلال وأشرف عبد الباقي وأحمد العوضي وإٍسعاد يونس، اتهمه البعض بأنه مقتبس من مسلسل إنجليزي شهير عرض على مدار ستة أجزاء هوOutlander  بطولة كاترينا بالف وسام هيوين، حيث تعود البطلة بالزمن مئتي عام للوراء في اسكتلندا، وتعيش هناك بعض الوقت ثم ترجع إلى عصرها مرة أخرى، ويسوقها الفضول والحب لتعود للحياة القديمة مجدداً، ثم تأتي إليها ابنتها وهكذا، وتحاول من خلال معرفتها بالمستقبل أن تساند من يعيشون في العصر القديم في تجنب آثار المعارك التاريخية المدمرة.

لكن المؤلف محمد عدلي يرفض هذا الأمر، ويؤكد أن البعض يخلط ما بين الاقتباس والاستعانة بنفس التيمة، مشيراً إلى أنه من الممكن أن تقدم التيمة ذاتها في عشرات الأعمال، لكن هذا لا يعني أنه جرى اقتباسها بشكل أو بآخر، ضارباً المثل بتيمة الانتقام التي قدمت آلاف المرات، في أعمال عالمية ومحلية، وكذلك فكرة الصعود، وهكذا.

ويستعرض المسلسل ألفاظاً باللغة المصرية القديمة مثل "اتروعا وكيميت" وغيرها من المعلومات التي تبدو مبهرة بالنسبة للصغار، حيث يرى مؤلفه أن الاقتراب من هذا العالم كان شديد الحساسية، بالتالي استغرق العمل شهوراً طويلة ليخرج بهذا الشكل، كما قال إن الصدى الذي لقيه المسلسل سوف "يفتح الباب أمام أعمال كثيرة للأطفال في المواسم المقبلة، ولن يقتصر عرضها على رمضان فقط، آملاً في أن يحدث استقبال الجمهور له انتعاشة في ما يتعلق بالإنتاجات المقدمة للأطفال".

ما الذي يبحث عنه جيل ديزني؟!

أن يلتفت الجمهور لعمل وحيد للأطفال في رمضان 2022، يشير إلى أن هذه الفئة باتت تسقط عمداً أو حتى من دون قصد من حسبة صناع الفن، حيث يتركونهم لبرامج المقالب العنيفة أو المسلسلات التي لا تناسب أعمارهم من الأساس، فهل سيتمكّن عمل جديد من أن يجعل الصغار يرتبطون به ويستمر مواسم متعددة مثل "بوجي وطمطم"، الذي قدم على مدار عشرة أجزاء من بطولة يونس شلبي وهالة فاخر كان آخرها عام 1998 من تأليف وإخراج محمود رحمي، ثم حاول المخرج باسم رحمي إحياءه عام 2009 بمشاركة إيمي سمير غانم ومحمد شاهين، لكن التجربة لم تلفت الانتباه بالمرة، فالعبرة ليست بمجرد التواجد، لكن بكيفية ظهور المحتوى ومدى طزاجته وجاذبيته.

من جهته يرى الناقد إيهاب التركي، أنه على الرغم من نجاح نوعية أعمال مثل "بوجي وطمطم" في توقيت عرضها لكنها بالطبع "لم تعد تناسب أطفال هذه الأيام. كانت ملائمة لظروف القنوات ومستوى الإنتاج في حينها. غياب الأطفال عن خريطة رمضان خطأ رهيب مسؤولة عنه شركات إنتاج الدراما، سواء كان السبب عدم وجود فكرة جيدة وقوية، أم القصور متعمد، وعودة تلك الأعمال للخريطة والمنافسة بحاجة لنية حقيقية من المنتجين لتوجيه خططهم لشريحة الجمهور الأصغر سناً، وهي فئة مهمة للغاية".

ويلوم التركي على بعض الأعمال، التي تقدّم من دون تخطيط بأنها "تخرج باهتة"، بالتالي لا يلتفت أحد، يوضح "قد يكون السبب الأول هنا أنه لا يوجد تخطيط، ولا دراسة لما يرغب الطفل في أن يشاهده، فتخرج الحلقات بطريقة تربوية وتعليمية مباشرة وليست ترفيهية، وهناك نقطة أخرى وهي عدم وجود استطلاعات أو بحوث تكشف ما يريد الأطفال الذين يتابعون أعمالاً بمستوى ما تقدمه ديزني أن يشاهدوه، فالأعمال العالمية تحتوي على خيال ومغامرات وإبهار وأغنيات أي إنتاج ضخم لتوليفة وتركيبة ناجحة مدروسة بعناية، بالتالي هناك معضلة كبيرة في تقديم محتوى خاص بهذا العالم في المنطقة العربية، وإن وجد يكون نادراً للغاية، وليس كمنتج ثابت طوال العام".

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية