لماذا على الدول الغربية الوقوف في وجه إمبريالية أردوغان؟

لماذا على الدول الغربية الوقوف في وجه إمبريالية أردوغان؟


كاتب ومترجم جزائري
19/08/2020

ترجمة: مدني قصري

يؤكد قرار الرئيس التركي تحويل آيا صوفيا السابقة إلى مسجد على هروبه إلى الأمام (اندفاعه المتهور)، وعدوانيته تجاه الدول الغربية، التي ينبغي في النهاية أن تستخلص النتائج وتواجه أردوغان دون ضعف؛ هذا ما يحلّله تشارلز دي ماير وبنجامين بلانشارد، المسؤولان بمنظمة "SOS Chrétiens d’Orient" "النجدة، مسيحيو الشرق".

يوضح الحادث الخطير، الذي وقع خلال دورية بين اثنين من حلفاء الناتو، مدى الحاجة إلى العودة لبعض أحكام معاهدة "سيفر" للوقوف في وجه تركيا، اللاعب الجيوسياسي السامّ

إنّ لإعادة أسلمة آيا صوفيا في تركيا أهمية سياسية ورمزية ودينية، بهذه البادرة، يلقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استفزازاً جديداً في وجه أوروبا، التي ما انفكّ يهينها ويهدّدها، إنّه يدمّر رمزاً قوياً من رموز تركيا العلمانية القومية المفترضة لمصطفى كمال، المعروف باسم أتاتورك.

حوّل، هذا الأخير، عام 1934، البازيليكا القديمة، التي أصبحت مسجداً منذ استيلاء العثمانيين على القسطنطينية، عام 1453، إلى متحف مفتوح للجميع، يمثل جزءاً من التراث العالمي للإنسانية، وكان أتاتورك قريباً من حركة "تركيا الفتاة"، التي رسمت ونفّذت الإبادة الجماعية للمسيحيين في تركيا، من خلال وصفهم بأنهم أعداء الداخل، منذ عام 1915، ومع ذلك؛ فقد فهم هو نفسه أنّ هذه الكنيسة البيزنطية لا يمكن تحويلها إلى مسجد دون التأكيد على الإرادة في محو أيّ وجود مسيحي في تركيا.

من خلال تحطيم هذا الإرث؛ يحافظ أردوغان على أسطورة  (قوية جداً في بلاده)؛ هي إيقاظ الإمبراطورية العثمانية، ونشر الدين الإسلامي في كلّ زاوية وركن من أراضيه، في الخارج، اختار أيضاً الظهور كخصم لأوروبا، التي يصفها بالمسيحية "المعادية للإسلام".

اقرأ ايضاً: أردوغان يغلق المجال العام ويلاحق المعارضة في الواقع الافتراضي

لعقود طويلة، ظلت أوروبا تنظر بعين لطيفة إلى تركيا، التي يُنظر إليها على أنّها شريك موثوق به، بل وحتى كعضو محتمل في الاتحاد الأوروبي، رغم أنّها احتلت نصف قبرص، وهي دولة عضو في الأمم المتحدة، وفي الاتحاد الأوروبي والناتو، والأسوأ من ذلك؛ أنّ تركيا تستأنف أحلامها العتيقة، من خلال مهاجمة سيادة الجزر اليونانية المجاورة لأراضيها، بانتظام.

تعمل أنقرة على صبّ الزيت على نار الصراع السوري من أجل تصفية السكان الأكراد بذريعة القتال ضدّ حزب العمال الكردستاني، مما يخفي رغبتها في ضمّ شمال شرق البلاد

على مدى عقود من الزمن، أنفقت بروكسل مئات الملايين من اليوروهات للترويج لـ "الممارسات الديمقراطية الجيّدة"، ورفع وعي أنقرة بقضايا حقوق الإنسان، أو بالنهوض بقضية المرأة، كما اعتمدت بروكسل على تركيا في حراسة حدود أوروبا.

كان ذلك في الفترة التي كان صُنّاع السياسة الأتراك ينطلقون فيها في عملية "إسلام السوق"؛ فمن دون إنكار أيّ شيء، من حيث الجوهر، لأيديولوجيتهم المستوحاة من حركة الإخوان المسلمين، ارتدى هؤلاء الملابس الغربية للقيام بالأعمال التجارية وممارسة الدبلوماسية في أوروبا، فصار مظهر الشريعة حلّة وربطة عنق، مما جعل التكنوقراط سعداء بتخيل أنّ الأموال الأوروبية لم تذهب هدراً.

اقرأ أيضاً: أردوغان يقطف ثمار عقد من الخيارات السيئة

في الواقع؛ لم تتقدّم حقوق الإنسان، لا سيما ما يتعلق منها بقضية المرأة وحقوقها؛ لقد مارس الشريك المزعوم، أردوغان، ضغوطاً متكررة على أوروبا بالابتزاز بأداة "المهاجرين"؛ لقد سمح الرئيس التركي بعبور حدود الاتحاد الأوروبي لجماهير المهاجرين غير الشرعيين، ومن بينهم عدد من الإرهابيين.

على جانب قبرص واليونان  تقوم تركيا الآن بتصعيد أعمالها وانتهاكات الأراضي من أجل تعزيز نفوذها على هذه الفتوحات العثمانية السابقة.

في الوقت نفسه؛ تعمل أنقرة على صبّ الزيت على نار الصراع السوري من أجل تصفية السكان الأكراد بذريعة القتال ضدّ الجماعات المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني، مما يخفي، بشكل سيئ، رغبتها في ضمّ شمال شرق البلاد، والأسوأ من ذلك؛ أنّ الحكومة التركية لا تتردّد في دعم الجماعات الإرهابية الإسلامية في سوريا، أو جماعة متطرفة وقومية متطرفة، مثل "الذئاب الرمادية"، في أوروبا، ثم إنّ تركيا تتدخل في ليبيا للسيطرة على تدفق النفط.

اقرأ ايضاً: هكذا أصبحت تركيا في عهد أردوغان دولة منبوذة إقليمياً

وافق القضاة الأتراك على إلغاء مرسوم عام 1934 لإضفاء الشرعية على تحويل آيا صوفيا إلى مسجد؛ لذلك، في 10 آب (أغسطس) 2020، الذكرى المئوية لمعاهدة "سيفر"، التي كرّست تفكيك الإمبراطورية العثمانية، ربما يكون من الجيد الاعتماد على القانون الدولي وعلى التاريخ من أجل كبح الإمبريالية التركية، الأكثر فأكثر عدوانية.

لقد طُبقت معاهدات؛ "فرساي"، و"سان جيرمان"، و"أون لاي" (Saint-Germain-en-Laye)، وتريانون  (Trianon)؛ التي أقرّت بتقطيع أوصال المهزومين (أي ألمانيا والنمسا والمجر) في الحرب العالمية الأولى، بصرامة، على الأقل فيما يتعلق بالجوانب الإقليمية، تحت رقابة المنتصرين الصارمة، لكن لم يكن هذا هو الحال مع معاهدة سيفر، الموقَّعة في 10 آب (أغسطس) 1920 من قبل الحلفاء المنتصرين والسلطان المهزوم، رغم الإبادة الجماعية للأرمن، عام 1915، والتي لم تدفع تركيا حتى الآن المبلغ المالي المتوقع للتعويض عن معاناة آلاف العائلات التي أبيدت ودمّرت، أو أجبرت على النفي.

اقرأ ايضاً: هل يعاني أردوغان من "شيزوفرينيا شرق المتوسط"؟

لقد نصّت معاهدة "سيفر"، بشكل خاص، على إنشاء كردستان تتمتع بالحكم الذاتي، وفرضت بشكل خاص، تحت السيطرة الدولية، نزعَ السلاح العثماني  من مضائق بحر إيجة على البحر الأسود، وهو ما يبدو اليوم أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى، في ظلّ العدوان على الفرقاطة الفرنسية "كوربيه" من قبل فرقاطة تركية، في حزيران (يونيو) 2020 ، في البحر الأبيض المتوسط، فلم يكن بالإمكان أبداً تطبيق معاهدة "سيفر"، إذ كانت أوروبا تضمّد جروحها، ثم تولى كمال قيادة الجيش للإطاحة بالسلطان، وطرد جيوش الحلفاء ومحاربة الجيش اليوناني، من أجل الدوس على المعاهدة، التي حلّت محلّها في النهاية معاهدة لوزان، في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) 1923، مع تكريس تركيا الكبرى، وإنهاء تطهير المسيحيين في تركيا، وخاصة اليونانيين.

اقرأ أيضاً: هل يدفع الأتراك ثمن مغامرات أردوغان وحساباته الخاطئة؟

يوضح الحادث الخطير، الذي وقع خلال دورية بين اثنين من حلفاء الناتو، مدى الحاجة إلى العودة لبعض أحكام معاهدة "سيفر" للوقوف في وجه تركيا، اللاعب الجيوسياسي السامّ، الذي يفاقم بشكل خطير عدم الاستقرار في المنطقة والعالم.

إنّ شرف بلادنا، فرنسا، على المحكّ، وبحكم المصير الغامض؛ ما تزال المعاهدة مناسبة للدفاع عن مصير المسيحيين، ضحايا الأحلام العثمانية.

الهوامش:

(1) معاهدة "سيڨر"، 10 أغسطس 1920 ، هي واحدة من سلسلة معاهدات وقعتها دول المركز، عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقد كانت مصادقة الدولة العثمانية عليها هي المسمار الأخير في نعش تفككها وانهيارها بسبب خسارة قوى المركز في الحرب العالمية الأولى، وتضمّنت تلك المعاهدة التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، إضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراضٍ تركية، فقُسِّمت بلدان شرق المتوسط؛ حيث أخضعت فلسطين للانتداب البريطاني، ولبنان وسوريا للانتداب الفرنسيوقد ألهبت شروط المعاهدة حالة من العداء والشعور القومي لدى الأتراك، فجرّد البرلمان، الذي كان يقوده مصطفى كمال أتاتورك موقّعي المعاهدة من جنسيتهم، ثمّ بدأت حرب الاستقلال التركية التي أفرزت معاهدة لوزان؛ حيث وافق عليها القوميون الأتراك، بقيادة أتاتورك، ممّا ساعد في تشكيل الجمهورية التركية الحديثة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:  www.lefigaro.fr/vox



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية