لماذا لا يرد الحرس الثوري على عنتريات إسرائيل؟

لماذا لا يرد الحرس الثوري على عنتريات إسرائيل؟


27/05/2018

ترجمة: علي عبيدات

على غير عادتها، غطّت وسائل الإعلام العبرية عملياتها العسكرية على الأراضي السورية، رغم أنَّها لا تعطي ضرباتها العسكرية الخارجية أهمية إعلامية، فهي لا تؤيد ولا تنفي هذه الضربات، ورغم أنّ وسائل الإعلام العبرية تناولت تفاصيل هجومها السابق على الأراضي السورية، إلّا أنه لم يكن تناولاً واسعاً، كما حدث بعد ضرباتها التي جرت قبل أسبوعين.

صرّح ناطقون باسم الجيش الإسرائيلي، بلغات مختلفة، حول الضربات العسكرية الإسرائيلية التي قصفت مواقع إيرانية في سوريا، وأرفق الإعلام العبري الصور ومقاطع الفيديو والرسومات التوضيحية التي نالت وسخرت من قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، وبهذا، نجحت إسرائيل بالتهليل والاستعراض لضرباتها العسكرية.

قال الإسرائيليون: إنَّ ضرباتهم كانت ردّاً على راجمة صواريخ نصبها فيلق القدس التابع للحرس الثوري على مرتفاعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وتصدرت هذه الرواية الكثير من وسائل الإعلام الدولية، إلّا أنّ الرواية الأخرى، التي جاءت بعد أيام، على لسان وسائل إعلامية متنفّذة مثل "نيويورك تايمز"، وجاء فيها أنّ إسرائيل هي التي بدأت بقصف مواقع محددة على الأراضي السورية.

وسائل إعلامية متنفّذة مثل نيويورك تايمز قالت أنّ إسرائيل هي التي بدأت بقصف مواقع محددة على الأراضي السورية

صرّح السوريون أنّ الضربات الإسرئيلية أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر من الجيش السوري، إلّا أنّ المرصد السوري لحقوق الإنسان (مركزه بريطانيا) نقل رواية أخرى؛ حيث إنّ الضربات الإسرائيلية دمرت كلّ المواقع العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية، وقتِل أكثر من 11 إيرانياً إثر هذه الضربات، وفق المرصد.

وظهر رئيس الوزارء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في شريط مصور محذراً إيران من تجاوز "الخط الأحمر"، ونال اسم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، حظوة كبيرة في كل وسائل الإعلام العالمية. كذلك الحال، دانت أمريكا وبريطانيا الاعتداء الإيراني على الأراضي الإسرائيلية، بينما طلب الأوروبيون من الطرفين (أمريكا وإسرائيل) ضبط النفس، تزامناً مع إدانتهم لإيران وحدها، وجاءت كلّ هذه الاتهمات والإدانات بعد حلّ الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.

لم يشمل الرد الرسمي الوحيد أيّة إشارة للمواقع التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية

ماذا فعل الحرس الثوري؟

قادة الحرس الثوري، المتهمون من الغرب وإسرائيل ووسائل الإعلام الدولية، ومعهم قادة الجيش الإيراني، لم يردوا -حتى الآن- على الضربات الإسرئيلية لمواقعهم في سوريا، وعلى الأغلب أخذ كلّ جانب مكان الآخر؛ إسرائيل التي كانت تتَّهَم بـ "قتل علماء الذرة"، و"اغتيال أبو الصواريخ الإيرانية"(1)، و"عمليات تخريبية"، وكان رد إسرائيل الدائم على هذه التهم هو الصمت. اليوم، أخذت إيران مكان إسرئيل في هذه الحرب الإعلامية الشرسة التي تشنّها إسرائيل على عسكريي ومسؤولي إيران، والرد الإيراني هو الصمت.

لم يشمل الرد الرسمي الوحيد أيّة إشارة للمواقع التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية في معرض الاتهامات الواسعة التي نالت من إيران، ولم يأت على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية إلّا إدانة هذه الضربات.

جاءت الضربات الإسرائيلية على سوريا بعد يومين من خروج أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي ولّد قلقاً إيرانياً بشأن الأيام القادمة، وكانت إيران على أمل إصدار بيانات دعم وتأييد لها من أوروبا والصين وروسيا، وكان الموقف الإسرائيلي من هذا الاتفاق واضحاً؛ حيث تتفانى وتعمل بلا هوادة حتى تنهي هذا الاتفاق.

جاءت الضربات الإسرائيلية على سوريا بعد يومين من خروج أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران

إضعاف الثقل الأوروبي

لم تتوانَ أوروبا عن شجب قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي، وأكّدت في تصريحاتها على المضيّ قدماً بالاتفاق، إلّا أنّ موقفها بدأ يتغير بعد تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل على الأرضي السورية، ليفرَض على الأوروبيين أن ينتقدوا إيران.

في ظروف كهذه، آثر القادة العسكريون الإيرانيون عدم الرد على اتهمامات إسرائيل تواجدهم العسكري في سوريا، وقرروا أن تكون مهتمهم التعليق والرد على أمريكا التي أخلت بالاتفاق النووي وانسحبت منه، من تلك التعليقات، ما ردّده القادة العسكريون على لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، بينما حذوا حذوه في التشكيك بأمريكا والتنبؤ بما سيحدث في المستقبل.

كانت أول تصريحات من عسكريين إيرانيين لنائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، الذي قال: إنّ الدول الأوروبية عاجزة عن إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق.

عدّ جعفري ضربات إسرائيل لإيران إضفاءً لطابع رسمي ودولي على العقوبات، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي

كذلك، بارك قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، قرار ترامب، وعدّه "بشارة خير ولا يعوَّل عليه"، ووجه كلامه للرئيس روحاني: "الأوروبيون عاجزون عن عقد أيّ اتفاق مع إيران دون وصاية أمريكا عليهم"، وعدّ الانسحاب محض محاولة جديدة ضمن مساعي أمريكا لإضعاف القوة العسكرية لإيران.

وعدّ جعفري ضربات إسرائيل لإيران إضفاءً لطابع رسمي ودولي على العقوبات، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، قائلاً: "مشكلة إيران أن بعض الأشخاص يعشقون الغرب، ولا يريدون أن يقتنعوا بأنّ الغرب لا يعود على إيران بأية منفعة اقتصادية، ويتوجب علينا أن نستقل عن الغرب بشكل تام بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق".

وجاءت هذه التصريحات تزامناً مع جولة وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد طراف، ليبدأ المباحثات العاجلة مع الأطراف الأخرى (غير أمريكا) للوصول إلى حلّ ينقذ إيران من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، بينما يسكت الحرس الثوري أمام اتهامات إسرائيل لها في سوريا، واصل قادته الخوض فيما بعد الاتفاق، وسط شكوك مزعومة، وبضغط هائل على الحكومة الإيرانية التي أصبحت بين مطرقة الحرس الثوري وسندان الضغوطات الخارجية وإسرائيل.

لماذا يسكت الحرس الثوري أمام ضربات إسرائيل على سوريا؟

ثمة سيناريوهات مختلفة لصمت الحرس الثوري في سوريا، وفق وسائل إعلامية مختلفة ومحللين سياسيين، أولها: أنّ أيّ اعتداء على القواعد الإيرانية في سوريا دون الردّ عليه، سيحسب هزيمة عسكرية واستضعافاً لإيران، من جهة أخرى لم تكذّب إيران –حتى الآن- رواية إسرائيل بأنّها قصفت مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، وإذا كان الاتهام الإسرائيلي (ضرب القواعد الإيرانية لمناطق تحتلها إسرائيل) كاذباً، فلماذا لا تردّ إيران وتكذّب هذا الادعاء؟ كذلك، لماذا لا توضح إيران ما حدث لقواعدها العسكرية في سوريا بعد تصريح إسرائيل بقصفها؟

مثل هذه التصريحات، تؤكّد التواجد العسكري الإيراني في سوريا، وأنّه يقوم بمهام عسكرية، الأمر الذي نفته إيران على الدوام، مؤكدة أنّ حضور قواتها في سوريا ليس إلّا من باب تقديم الاستشارات العسكرية للسوريين، كما حدث بعد ضرب إسرائيل لمطار T4 في سوريا، وقتذآك اعترفت إيران بمقتل أربعة عسكريين إيرانيين، ادّعت أنّهم مستشارون عسكريون.

يتلخص السيناريو الثاني، كما تشيعُ بعض وسائل الأنباء المقربة من الأصوليين، في أنّ الحرس الثوري يمشي وفق برنامج وخطط دقيقة، ولا ينقاد إلى الردود الانفعالية. رغم أنّ الحرس الثوري لا يواصل تصريحاته الرنانة منذ أعوام، حول الاستعدادات الصاروخية التي سيردّ بها على إسرائيل، عند أول خطأ ترتكبه بحقّ إيران، ربما لم يحن الوقت -حتى الآن- للردّ على إسرائيل، كما يتصوّر القادة العسكريون.

هامش:

_____________________

(1)  أبو الصواريخ الإيرانية: حسن طهراني (2011/1959)، المؤسس الرئيس لصناعة الصواريخ الإيرانية، ومؤسس وحدات المدفعية لصورايخ الحرس الثوري الإيراني خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية، وهو مسؤول منظمة الاكتفاء الذاتي، والبحوث الصناعية للحرس الثوري الإيراني، أسس برامج الصواريخ بعيدة المدى الإيرانية، وصمّم صواريخ شهاب، ولهذه الأسباب سمّي "أبو البرنامج الصاروخي في إيران"، قتل في انفجار ترسانة بیدغانة (مدينة شهريار في محافظة طهران)، والموساد الإسرائيلي هو أبرز المتهمين بهذا التفجير.

مقال للكاتب رضا ثابتي، "بي بي سي" الفارسية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية