لماذا لم يعتذر الممثل فارس الحلو للإخوان المسلمين في سوريا؟

الإخوان المسلمون

لماذا لم يعتذر الممثل فارس الحلو للإخوان المسلمين في سوريا؟


06/08/2019

"كما سُحقت النازية، سيسحق السوريون الأحرار الفكر الإخواني والأسدي"؛ بهذا المنشور الذي كتبه على حسابه الخاص في الفيسبوك، أعلن الممثل السوري فارس الحلو موقفه من تخاذل الإخوان المسلمين في سوريا، ممّا جرى في تركيا في الأيام الماضية، فيما يخصّ ترحيل اللاجئين السوريين في تركيا، وتحديداً بعد أن كتب ملهم الدروبي، وهو عضو بارز في جماعة الإخوان السوريين، منشوراً على صفحته في الفيسبوك قال فيه: "استقبلت في بيتي ضيفاً، وقمت بواجبي نحوه فترة طويلة أعامله كما أبنائي؛ بل أحياناً أفضّله عليهم، لكنّه –للأسف- لا يُحسن التصرّف، جهلاً منه، أو طمعاً من ذويه، وقد طال العهد وضاقت ذات يدي، وهو لا حسّ ولا ذوق، ماذا تنصحوني أن أفعل؟"، كما أنّ بيان الإخوان المسلمين في سوريا، بعد منشور الدروبي، كان مخيباً للآمال بخصوص قضية ترحيل السوريّين.

اقرأ أيضاً: إخوان سوريا: من تأييد "ربيع دمشق" إلى تجميد الخلافات مع النظام
لكنّ فارس الحلو تعرّض لحملة انتقادات واسعة، وهجوم شرس من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم ممن حاولوا تحميل منشور فارس أبعاداً، تتخطى ما كان مقصوداً في منشوره، كترجمة كلامه عن "سحق الفكر الإخواني"؛ بأنّ المقصود منه "سحق الفكر الإسلامي"، أو سحق "الإسلام"، لكنّ مفردة "سحق" كانت السبب الرئيس لجملة الانتقادات التي وجهت لفارس الحلو.

تحدي أن يتراجع الحلو
كما أنّ فداء الدين السيد عيسى، وهو عضو شاب في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، كتب على حسابه الخاص في الفيسبوك؛ أنّ "ملهم الدروبي (الإخوان المسلمون) تراجع وقدّم اعتذاره للناس بكلّ شجاعة، بعد منشوره الذي انتقده الناس عليه، أنا أتحدّى فارس الحلو (اليساري العلماني التقدمي) أن يعتذر عن منشوره السيئ والتشبيحي، وإذا ما فعل ذلك سأشكره أمام الناس".
بعدها، كتب فارس الحلو ردّاً على ما كتبه الأخير؛ أنّ "توصيف الإخوان لي بحسب منشور السيّد فداء السيّد الذي يطالبني باعتذار على دعوتي لسحق فكر سياسي فاشل ومؤذي، أنّني يساري وعلماني وتقدمي، وهي توصيفات بعثية بامتياز، في محاولة لتكريس الشرخ الذي أحدثوه في جسم الثورة السورية العظيمة، بابتداعهم التصنيف السخيف بين علماني وإسلامي".

اقرأ أيضاً: قيادي في حماس يكشف علاقة الحركة بسوريا وإيران
وأضاف الحلو: "ولأنّني لست على عداء شخصي مع أحد منهم، ورغم صداقتي لبعض المنتمين لهم، فأنا أغتنم الفرصة لأصحّح لهم توصيفي؛ أنا سوري أباً عن جدّ، انتمائي الأول لسوريا والأخير للعدالة، أعتزّ بسوريتي وأتألم لها، ولا يثير غثياني سوى الذليل بإرادته".

مفردة "السحق"

في حوار أجرته صحيفة "ليفانت" (The Levant) مع فارس الحلو، بتاريخ 26 تموز (يوليو) الماضي، سأله الكاتب الصحفي شيار خليل: "هل ترى أنّ هجومك على الإخوان في هذه المرحلة يعدّ أمراً صائباً، وبالأخص أنّك استخدمت مفردة "السحق" في منشورك؟"، ليجيب الحلو: "أكثر ما أثار البعض هو مفردة "السحق" في عبارتي "سيسحق السوريون الأحرار الفكر الأسدي والإخواني"؛ حيث إنّ المفردة هنا شائعة سياسياً حتى ضمن الأدبيات الديمقراطية، ونسمعها على الدوام، ممثلة بعبارات مثل: "تلقّى هزيمة ساحقة"، أو "حاز انتصاراً ساحقاً"، أو "سحق الحزب الفلاني منافسيه بأغلبية الأصوات"؛ فهل تُسحق الأفكار بالدبابات والمدافع، أم بأفكار بديلة؟ أو حتى ضمن صناديق الاقتراع؟".

لماذا لم يقف الإخوان المسلمون "في وجه الظلم" عند اختطاف أربعة ناشطين حقوقين علمانيين وتهجير الأكراد من عفرين؟

وأضاف: "أمّا فكرياً، وهذا هو الأهم لديّ؛ فإنّ سحق الأفكار الظلامية والاستئصالية ذات التكوين الشمولي، يكون بنشر التنوير والأفكار المعاصرة القائمة على الحرية والديمقراطية والاعتراف بالآخر ضمن دولة المواطنة والقانون التي ثرنا من أجلها، دولة يتساوى فيها الجميع بعيداً عن انتماءاتهم الفكرية أو المذهبية أو العقائدية".
لكنّ فداء الدين السيد عيسى نشر مقالاً على موقع "عربي 21"، بتاريخ 29 تموز (يوليو) الماضي، تحت عنوان "ثورتنا لا تسحق الأفكار يا فارس الحلو"، والذي استشهد في مقدمته بـ "شعارات وأدبيات نظام الأسد ضدّ الإخوان المسلمين"، "عهدُنا أن نتصدّى للإمبريالية والصهيونية والرجعية، وأن نسحق أداتهم المجرمة عصابة الإخوان المسلمين العميلة"، في محاولة منه لمقاربة خطاب فارس الحلو بخطاب النظام.
فارس الحلو تعرّض لحملة انتقادات واسعة وهجوم شرس من قبل جماعة الإخوان المسلمين

هشاشة بعض المحسوبين على الثورة
يقول السيد عيسى، في معرض نقده للحلو: "أظهرت الآونة الأخيرة هشاشة بعض المحسوبين على الثورة ممّن نتأمل منهم القدرة على توليد الأفكار والتمثّل بها، ورفع لواء الوطنية التي ينطوي تحته الفرقاء والشركاء ضمن أولويات الثورة ومبادئ العمل الثوري، لكنّ الثورة السورية كاشفة بحقّ، لا تُجامل أحداً، ولا ترفع أحداً فوق قدره، ولا تُبرّر لأحد غير الشهداء؛ إنّها الثورة التي علّمتنا الحق والعدل والكرامة والوقوف في وجه الظلم، سواء تمثّل الظلم في هيئة دول كروسيا وإيران، أو أحزاب كحزب الله وحزب البعث، أو شخصيات أو هيئات.

اقرأ أيضاً: الذئاب الرمادية .. طليعة الغزو التركي لشمال سوريا
لم يختر الأسد مُفردة "سحق" اعتباطاً، ولا يمكن لنا لا في السياق التاريخي ولا اللغوي ولا السياسي أن نتعامل معها كمصطلح لغوي منعزل عن كلّ السياقات التي ذُكرت سابقاً".
وأردف: "مُفردة "سحق" في اللغة العربية تعني: الإبادة والاجتثاث والاستئصال، مثال ذلك في المُعجم الوسيط: السحق هو القتل، وسحقه أي دقّه أشدّ الدق. وكذلك في معجم الغني؛ السحق هو الطحن والهلاك. من أجل ذلك ساهمت هذه التصريحات المُستفزة في صنع حالة انتقاد واسعة بين شريحة من شباب الثورة الذين تختلف مشاربهم وتتعدّد أفكارهم وتتباين منطلقاتهم، لكنّهم لا يختلفون حول مبادئ الثورة التي وحدّتهم جميعاً ضمن إطار العمل الثوري الوطني، بعيداً عن ثقافة السحق والتصنيف".

اقرأ أيضاً: ما حقيقة إعادة سوريا علاقاتها مع حركة حماس؟
وكانت، وما تزال، علاقة الإخوان المسلمين، والإسلاميين عموماً في سوريا، مع شخصيات وقوى يسارية أو علمانية، مثقلة بالصراعات، ومعدومة الثقة، والأمر لا يحتاج منا إلى سرد تاريخ الإخوان المسلمين كلّه، بل بإمكاننا تأمّل أدائهم السياسي في الأعوام العشرة التي سبقت الثورة السورية، والأعوام التي تلتها؛ ففي الأعوام التي تلت استلام بشار الأسد السلطة، سعى الإخوان المسلمون إلى التقرّب من جميع القوى والأحزاب السورية المعارضة الموجودة في الداخل، وخصوصاً عام 2005، عندما صدرت وثيقة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، والتي كانت حصيلة تحالف قوى يسارية وعلمانية وليبرالية سورية، لكنّهم سرعان ما تجاهلوا تحالفهم مع هذه القوى، وذهبوا للتحالف مع عبد الحليم خدام، بعد انشقاقه عن النظام السوري، وتأسيسه لـ "جبهة الخلاص الوطني" 2006. وعام 2008؛ سيعلّق الإخوان السوريون خلافاتهم مع النظام، إثر العدوان الإسرائيلي على غزة، بالتزامن مع طلب الإخوان من تركيا أن تكون وسيطاً بينهم وبين النظام السوري.
 ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا

إخوان سوريا ليسوا أهلاً للثقة
وثبت، في نظر مراقبين، حتى قبل الثورة السورية، أنّ إخوان سوريا ليسوا أهلاً للثقة، وأنّهم مستعدّون لوضع يدهم بيد نظام الأسد "عدوّهم التاريخي"، لتحقيق مكاسب سياسية تخدم مصالحهم فقط.
وما حدث بعد الثورة السورية، ورغم أنّهم أعلنوا تأييدهم لها، إلّا أنّ هيمنتهم على المجلس الوطني السوري المعارض، ومن بعده الائتلاف السوري المعارض كانت واضحة.

اقرأ أيضاً: ما هدف الإخوان المسلمين من دعوة تركيا للسيطرة على شمال سوريا؟
ورغم وجود شخصيات معارضة من خلفية علمانية أو يسارية، تتضامن مع أيّ سوري يقتل في معركة ما، أو يجري اعتقاله وتعذيبه، بغضّ النظر عن انتماءاته الفكرية أو الأيديولوجية، مثل ما جرى من تضامن شعبي، مع مغني الثورة وحارس مرمى نادي الكرامة سابقاً، عبد الباسط الساروت، لم يرَ معارضون يساريّون وعلمانيّون، أيّ تضامن من قبل إخوان سوريا أو من الكثير من شخصيات "إسلامية معارضة" بحقّ معتقلين سوريين لا ينتمون لخندقهم الفكري أو الأيديولوجي.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في سوريا: خفايا التحالف مع عبد الحليم خدام
على سبيل المثال؛ لم ير السوريون تضامناً حقيقياً وتحرّكاً جادّاً مع قضية اختطاف الحقوقية رزان زيتونة، وسميرة الخليل (زوجة الكاتب السوري ياسين الحاج صالح)، ووائل حمادة وناظم حمادي، والذين تمّ اختطافهم من دوما في الغوطة الشرقية، عام 2013، هذا عدا اصطفافهم السياسي الأعمى، وتأييدهم المطلق لسياسات رجب طيب أردوغان في المنطقة، والتي توّجت في معركة "غصن الزيتون" في منطقة عفرين، والانتهاكات التي حصلت بحقّ الأكراد، من قتل وتشريد وتهجير للأهالي.
لماذا لم يقف الإخوان المسلمون "في وجه الظلم"، بحسب تعبير السيد عيسى، عندما تعلّق الأمر باختطاف أربعة ناشطين حقوقيين علمانيين، وتهجير الأكراد من عفرين، وأخيراً ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا؟ لذلك بات هناك نفور شديد من قبل شرائح ونخب معارضة من مختلف الانتماءات السياسية، سواء كانت علمانية أو يسارية، تجاه الإخوان المسلمين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية