لماذا يتجاهل الغرب عواقب الإرهاب الأبيض؟

الإرهاب الأبيض

لماذا يتجاهل الغرب عواقب الإرهاب الأبيض؟


06/09/2019

لا يكاد يخلو أسبوع في الولايات المتحدة من حادثة إطلاق نار جماعية، استخدم فيها أحدهم السلاح الفرديّ ضدّ جَمعٍ من الناس، أكبرها كان الشهر الماضي؛ إذ وقع هجومان في الرابع من آب (أغسطس) الماضي، في كلّ من ولايتي إيلونويز ونيومكسيكو؛ حيث قُتل ستة أشخاص في الأول وثلاثة في الثانيّ، ما يجعل عدد الهجمات من هذا النوع تصل هذا العام إلى 255 حادثاً حتى الآن.

اقرأ أيضاً: ما هي نقاط التشابه والاختلاف بين الإرهاب الأبيض و "القاعدة" و"داعش"؟
هذه الإحصائية لا تتضمن استخدام السلاح في عمليات القتل والانتحار، لكن ما يجعل أعمال العنف السابقة شديدة التأثير، هو قدرتها على إثارة الفزع، وتهديد أمن الموجودين في أيّ مكان، سواء في المدرسة، أو الشارع، أو حفل موسيقيّ، ما يجعل الحذر والخوف جزءاً من الحياة اليوميّة الأمريكية.

صورة من اجتماع علني للمتشددين البيض في ولاية منيسوتا في الولايات المتحدة
يعزو كثيرون هذا "القتل الجماعي" إلى حقّ امتلاك السلاح في أمريكا، الإشكاليّة التي ما تزال منذ أعوام محطّ نقاش محتدم؛ لأنّ امتلاك السلاح حقّ دستوري، بل جزء من تكوين أمريكا؛ إذ لا يجوز للدولة مصادرة أو منع امتلاك الأفراد للأسلحة، بعكس دول أخرى ألغت هذا الحقّ، كأستراليا التي منعت امتلاك السلاح، العام 1996، بعد حادث إطلاق نار جماعي، راح ضحيته 35 شخصاً، ومنذ ذلك العام لم يتكرر الأمر.

لا يكاد يخلو أسبوع في الولايات المتحدة من حادثة إطلاق نار جماعية

الإشكالية في الموضوع السابق تكمن في التعامل مع "المجرم"، ضمن الخطاب السياسيّ، ونقصد التعريفات السياسيّة المختلفة التي توضع لمن يمارس "القتل الجماعيّ"، والتي توظّف ضمن سياسات اليمين واليمين المتطرف، والأهم ضمن خطاب ترامب السياسيّ، الذي يتفادى توجيه تهمة الهجوم الإرهابي، حين يكون مُطلق النار "أبيض"، كما في هجوم "إيلباسو"، الذي راح ضحيته 31 شخصاً، فيغدو الأمر لا علاقة له بـ "التطرف الأبيض"، بل مجرد "خلل عقلي"، إذ قال  ترامب في المؤتمر الصحفي الذي تلا الاعتداء: "علينا إصلاح قوانين الصحة العقليّة لنتعرف أكثر على الأفراد المضطربين، الذي يمكن لهم أن يرتكبوا أعمالاً عنيفة، والتأكّد من أنّهم ليسوا فقط ينالون العلاج المناسب؛ بل أيضاً الاحتجاز إن دعت الضرورة، المرض العقلي والكراهية هي مَن تضغط الزناد، لا السلاح".
طهرانيّة الجسد الوطنيّ
يُستخدم المرض العقليّ لنفي تهمة الإرهاب عن المجرم "الأبيض"؛ كون الإرهاب مرتبطاً بخطاب اليمين بالمسلمين، و"السُمر" في الولايات المتحدة، هذا الخطاب لا يعني فقط تشديداً عليهم، كما نرى في قوانين منع الدخول والسفر؛ بل أيضاً في العقوبات القانونية، كذلك يُوظَّف الوسم السياسيّ "إرهابيّ" لاتهام فئة بأكملها بالإرهاب، ما يجعلهم عرضة لجرائم الكراهيّة، التي يمهد لها ترامب ويخلق مبررات غير مباشرة لها؛ إذ يتم إطلاق النار على المساجد من قبل متعصبين بصورة عشوائيّة، كما حدث في نيوزيلندا، التي يقال إنّ مطلق النار على المسجد استوحى جريمته من مطلق النار في ألباسو.

ذكرى أحداث لاس فيغاس ما تزال مستمرة
هذه القدرة على ممارسة العنف واستعراضه عبر حمل السلاح أمام المساجد وتهديد اللاجئين في الولايات المتحدة، تعكس خطورة الموقف، والاختلاف بين وسم "المريض العقلي" و"الإرهابي" ضمن الفضاء الإعلاميّ؛ لأنّ هذا الاختلاف يرتبط بمفهوم السيادة نفسه، والعلاقة بين "الداخل" و"الخارج"، وهذا ما يسعى له ترامب، وذلك عبر تحويل الداخل إلى مساحة نظيفة، خالية من "الأمراض"، وإغلاقها عبر بناء الجدران وتحفيز دوريات الحدود التطوعيّة إلى جانب جعل كلّ من يأتي من "الخارج"، أو له تاريخ في "الخارج"، تهديداً محتملاً، تهديداً يحمله الجسد "الملوّن" ذاته، بوصفه "ليس أمريكياً" في حجة عنصريّة يبيح خطاب ترامب تداولها؛ بل ونتلمّسها في المانيفستوهات والنصوص التي كتبها بعض من قاموا بإطلاق النار على المهاجرين، كحالة مطلق النار في إلباسو، الذي وضّح أنّه يكره المهاجرين، وخصوصاً المكسيكيين، كما أنّه يحبّ أمريكا، "ويدافع عنها ضدّ الغزو العرقي والثقافيّ".

اقرأ أيضاً: هجوم نيوزيلندا: إلى متى يتجنب الغرب الاعتراف بـ"الإرهاب الأبيض"؟
يذكر أنّ جمعية الطبّ النفسي الأمريكيّ، تشير إلى أنّ العلاقة بين "المرض العقلي"، واستخدام العنف ضدّ الناس ليست واضحة، و"معظم الذين يعانون من مشاكل عقليّة ليسوا خطرين"، والحلّ هو "منع الجماعات التي تشكّل خطراً من الحصول على السلاح، خصوصاً من يمارسون العنف المنزلي، والمدانين بجرائم عنيفة، والمرضى العقليين الذين لهم تاريخ بأن يكونوا خطراً على أنفسهم وعلى الآخرين"
أعداء أمريكا في الداخل
بعيداً عن الرأي الطبيّ، الاستخدام الإعلامي لمصطلح "المرض العقليّ"، لوصف الإرهابي الأبيض، يرتبط أيضاً بتقديمه "كذئب منفرد"، بحسب المصطلح المتداول، أي شخص يمارس ما يفعله من عنف "وحيداً"، بأوامر من "مرضه"، ما يعني أنّ تعديل قوانين حمل السلاح لا جدوى منه، في حين أنّ "الأسمر" المتهم بالإرهاب، هو دوماً جزء من جماعة تكره أمريكا وتوجه "جنودها" لزعزعة الأمن والقيم الأمريكيّة، وهذا ما يبرّر العنف تجاه "السمر" بأكملهم، بوصفهم مشبوهين دوماً.

الخطاب السياسي اليميني يتفادى توجيه تهمة الإرهاب حين يكون مُطلق النار أبيض البشرة

استخدام ترامب ومناصريه لمفاهيم "المرض العقلي" و"ألعاب الفيديو"، كأسباب للعنف الذي يمارسه بعض "البيض"، يهدف إلى تشتيت الانتباه عن المشكلة الرئيسة، وهي السلاح، وفي الوقت ذاته؛ يساعد على ترسيخ مفهوم "الـنقاء البياض"، الذي لا بدّ من الحفاظ عليه ولو بالسلاح، وهي الحملة التي يقودها اليمين المتطرف والنازيون الجدد، والذين لا يدينهم ترامب بوضوح، وهنا تظهر تهمة الإرهابي مرة أخرى ضدّ "السمر"، كونها تحمل داخلها تهديداً يستخدم في أمريكا فقط، وهي وسم "اللا أمريكي"، والذي يتم توظيفه ضدّ الآتين من أصول مختلفة، بالتالي هم "إرهابيون محتملون" كونهم يكرهون فكرة أمريكا نفسها، فلا يتم النظر لهم كمواطنين بحقوق كاملة، وهذا ما نراه في التصريحات التي يطلقها  ترامب وبعض أعضاء الكونغرس، والتي تلخَّص بعبارة "ارجعوا من حيث أتيتم"، أو عبارة "أعدها للمنزل"، التي أطلقها ترامب في حديثه عن النائبة في الكونغرس من أصول صوماليّة، إلهان عمر.
ما يحرّك هذا الاختلاف العنصريّ في وسم المجرمين بين "أبيض" و "أسمر"، "مريض عقلي" و"إرهابيّ"؛ التغطيّة الإعلامية الموجهة؛ فوفق دراسة أجراها باحثون من جامعة جورجيا الأميركية العام 2017 فإن الأعمال الإرهابية التي يرتكبها "السمر" تنال تغطية إعلامية أكثر بمقدار "449%" من تلك التي يرتكبها "البيض"، واعتمدت هذه الدراسة على رصد جميع التغطيات الصحفية التي تناولت كل الهجمات الإرهابية في الأراضي الأميركية بين عامي 2011 و2015.

دورية غير نظاميّة من حرس الحدود
وهذا ما يتضح في التعامل مثلاً مع دايفيد باتريك كايلي، الذي أطلق النار على كنيسة يوم الأحد، وكان ردّ ترامب هو تعزية أهالي المفقودين، في حين أنّ هجوم لاس فيغاس، كان تعليق ترامب عليه؛ هو السعي للحدّ من الهجرة إلى الولايات المتحدة، وإيقاف دخول "المسلمين" إلى البلاد.

تَذرُّع ترامب بالمرض العقلي وألعاب الفيديو كأسباب للعنف الأبيض يهدف إلى تشتيت الانتباه عن المشكلة

هذا الاختلاف بين المرض العقلي بوصفه حالة فرديّة لا يمكن تعميمها وتستدعي الشفقة، والإرهابي العقلاني والمنطقي، يسمح للسلطة بالنظر إلى فئة من الأفراد كأنّها تخطط سرّاً لتدمير الولايات المتحدة، وهذا يعود إلى أحداث الحادي عشر من أيلول، وظهور التشريع المعروف باسم "Patriot act"، الذي يبيح انتهاك الحقوق المدنيّة لأيّ مواطن مشكوك في أمره، ومنعه من السفر، ومراقبته في حال الاشتباه به.
وحول الاختلافات القانونيّة بين "المريض العقلي" و"الإرهابي"، تقول المحاميّة الفرنسيّة، حنا راجبنباش إنّ هذا الموضوع شائك قانونياً، موضحة في تصريحها لـ(حفريات) أنّ إثبات المرض العقلي يعني "النظر إلى المجرم كحالة منفردة، والتعاطف معه، واعتبار سلوكه عارضاً  لمشكلة طبية، ما ينفي تأثير المناخ السياسيّ والدعوات إلى جرائم الكراهيّة".
وتضيف راجبنباش" "في حين أنّ تهمة إرهابي لها ملابسات أعقد، خصوصاً أنها ترضي الرأي العام في الكثير من الحالات، فالمريض العقلي قد ينتهي به الأمر في مصحّ دون أن يعاقب، على عكس الإرهابي الذي يمكن أن يعدم في بعض الولايات، وهنا تبرز مشكلة الولايات المتحدة الأمريكيّة، والتمييز العنصري الذي يحاول ترامب قيادته"، وأكدت أنّ الترويج لتهم الإرهاب ضدّ فئة محددة "رسّخ سرديته عن ضرورة إغلاق الحدود، ومنع دخول المهاجرين بوصفهم تهديداً للمواطنين، إلى جانب اتهام المسلمين والمقيمين بصورة غير شرعيّة بتخريب البلاد و(احتلالها)، واعتبارهم عدواً جديداً، كما كان الحال مع أصحاب البشرة الداكنة سابقاً، خلال السبعينيات والثمانينيات، وهذا ما بدأ يتغير مع مطلع الألفيّة الجديدة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية