لماذا يتوقع إسرائيليون نشوب أزمات مع إدارة بايدن؟

لماذا يتوقع إسرائيليون نشوب أزمات مع إدارة بايدن؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
30/01/2021

يشكّل البرنامج النووي الإيراني والقضية الفلسطينية أبرز القضايا الخلافية المحتملة بين إسرائيل والرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي ينوي اتّباع نهج الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، الذي عكف على توقيع اتفاق مع إيران حول البرنامج النووي، إلى جانب الضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية ومدينة القدس.

وبات واضحاً أنّ الحكومة الإسرائيلية ستواجه صعوبة كبيرة في التكيّف مع إدارة جو بايدن، لأنّ السياسة الخارجية له تختلف بشكل كبير عن إدارة ترامب، الذي منح إسرائيل إنجازات كثيرة، لا يمكن تحقيقها مرة أخرى، ورغبة بايدن في محو إرث ترامب، وتعديل السياسات الخارجية للولايات المتحدة.

الشرق الأوسط لا يعدّ أولوية مهمة لبايدن في الوقت الحالي؛ فلدى واشنطن مصالح إستراتيجية تبحث في المقام الأول عن تحقيقها بسياساتها الخارجية

وتشير المعطيات الحالية إلى أنّ واشنطن لا تنوي إضاعة الوقت والعمل على إصلاح وترميم من خلّفه ترامب من فساد، فالطاقم الذي بلوره بايدن حوله يرى في العودة إلى المفاوضات مع إيران هدفاً رئيساً، فيما يعتزم بايدن العودة إلى الاتّفاق النووي مع إيران، والذي انسحب منه الرئيس السابق، دونالد ترامب، في أيار (مايو) 2018، إلى جانب نواياه في العودة إلى طرح فكرة حلّ الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والضغط على إسرائيل لوقف تمدّد الاستيطان في مناطق الضفة الغربية.

أزمات كبيرة

ويرى المحلل السياسيّ الإسرائيليّ، أليكس قسمان أنّ "التوافقات السياسية التي جرت بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب لن تعود مرة أخرى"، متوقعاً أن تشهد العلاقات مع الإدارة الجديدة أزمات كبيرة، في حين ستصطدم إسرائيل بكثير من المسؤولين، الذين عيّنهم بايدن، وسبق أن خدموا في المنطقة، وغالبيتهم خبراء في قضايا ومشاكل الشرق الأوسط. 

ويؤكد الكاتب الإسرائيلي، ناحوم برنياع؛ أنّ الدبلوماسية الإسرائيلية تواجه فشلاً ذريعاً في كلّ ما يتعلق بالملف النووي الإيرانيّ، والذي يعدّ نقطة الخلاف الحساسة في تعامل الإدارات الأمريكية معه، فرغم الانسحاب الذي أقدم عليه ترامب، وفرضه عقوبات على طهران، إلا أنّ ذلك لم يسقط النظام الإيرانيّ، بل على العكس تماماً؛ حيث سمح الانسحاب الأمريكي باستئناف الإيرانيين العمل في تطوير البرنامج النووي. 

اقرأ أيضاً: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟

وأشار برنياع إلى أنّ الملفّ الفلسطينيّ يعدّ ملفّاً شائكاً لا يقلّ توتراً عن الملف الإيرانيّ، خصوصاً أنّ إسرائيل متجهة نحو انتخابات جديدة، ويشغل هذا الملفّ حيّز اهتمام لدى العديد من المرشحين لرئاسة الحكومة؛ إذ إنّ المنافسة بين رؤساء الأحزاب تتمّ في الشعارات التي تدعو للحفاظ على حقّ إسرائيل في البناء والتوسّع، والدعوة إلى أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.

وتيرة القلق لدى إسرائيل

ومع تصاعد وتيرة القلق لدى إسرائيل، على خلفية إصرار بايدن على العودة سريعاً إلى التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، أفادت القناة الإسرائيلية 12، بأنّ رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية، يوسي كوهين، سيلتقي بالرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، خلال الأسابيع المقبلة في واشنطن، وذلك لعرض وجهة نظر وسلة مطالب إسرائيل، فيما يتعلق بأيّة مراجعة للاتفاق النووي مع إيران، وسينتدب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كوهين لزيارة واشنطن؛ كونه أحد أكثر المقربين منه، ووفق القناة؛ من المتوقّع أن يقدّم كوهين إلى بايدن وكبار مسؤولي الدفاع الأمريكيين معلومات جديدة بشأن برنامج إيران النوويّ السرّي، ومن المتوقّع أيضاً أن يطلب من إدارة بايدن أن تفرض على طهران قيوداً مشدّدة على برنامجها النوويّ.

اقرأ أيضاً: إيران توجه رسالة لإسرائيل: لا ننوي التصعيد

وفي هذا السياق؛ يقول المختص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور عادل سمارة، إنّ "شهر العسل الذي قضاه الإسرائيليون مع ترامب، وما قدّمه لهم من إنجازات طوال فترة ترأّسه، انتهى بتنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، في ظلّ حرص بايدن على التحرك في المنطقة، على عكس سياسات ترامب، الذي جلب لأمريكا العداء الدوليّ، سواء على صعيد أوروبا، أو الشرق الأوسط".

د. عادل سمارة

ويشير سمارة، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "الشرق الأوسط لا يعدّ أولوية مهمة لبايدن في الوقت الحالي؛ فلدى إدارة بايدن مصالح إستراتيجية تبحث في المقام الأول عن تحقيقها بسياساتها الخارجية، خاصّة على الصعيد الاقتصادي، الذي يعدّ أهمّ روافد الدولة؛ حيث ستعمل إدارة بايدن على تعزيز مكانتها الاقتصادية، وذلك بترميم الآثار السلبية التي خلّفها ترامب للولايات المتحدة، مع الصين والاتّحاد الأوروبي وكوريا الشمالية، خلال العامين الأخيرين من حكمه، وذلك بسحب الشركات التجارية من الصين إلى أمريكا، وإعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية والسياسية بين تلك الدول".

المحلل السياسي نهاد أبو غوش لـ"حفريات": "الدور الإقليميّ لإيران هو ما يخيف إسرائيل، وليس البرنامج النوويّ، فإسرائيل تعرف أنّ إيران لن تقدم على ضربها

ويؤكّد المختص في الشأن الإسرائيليّ؛ أنّ "الإسرائيليين لا يعوّلون كثيراً على إدارة بايدن؛ لأنّ المسؤولين الأمريكيين المعنيين بالملف الإيراني يسعون، بدعم من بايدن، إلى شطب كلّ اتّفاق سابق بين نتنياهو وترامب، والإدارة الجديدة ستتجه، رغم معارضة إسرائيل، إلى تفعيل الاتفاق النووي مع إيران، لكن وفق الخطة والشروط التي وضعها الرئيس الأسبق باراك أوباما على طهران، مع فرض إدارة بايدن تعديلات محدودة على الاتفاق، وذلك لخفض حدّة التوتر الذي خلقته إيران في المنطقة، بعد العزلة التي تسبّب بها ترامب لها، وما تبعها من تشكيل إيران حلفاء لها، ودعمهم عسكرياً لزعزعة استقرار المنطقة".

اقرأ أيضاً: هل تكون "حماس" كلمة السر في ترميم علاقات تركيا مع إسرائيل؟

ويرجح سمارة أن تمارس إدارة بايدن على إسرائيل بعض الضغوطات "فيما يخص العودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، إضافة إلى الضغط على إسرائيل لوقف الهجمات الجوية المتكرّرة ضدّ أهداف إيرانية في سوريا، خاصة في حال توصلت أمريكا وإيران إلى مخرجات إيجابية حول الاتفاق على البرنامج النووي، وهذا سيعمل على تأزم العلاقات بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع تلويح القيادة العسكرية الإسرائيلية، بوضع الخيار العسكريّ إزاء إيران على الطاولة مرة أخرى، في حال أقدمت إدارة بايدن على تفعيل الاتفاق النووي مع إيران".

نتنياهو ينتظر مكالمة بايدن

وينتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المحادثة الهاتفية من نظيره الأمريكي، جو بايدن، كي يفهم ما إذا كان سيعود للعمل ضدّ الإدارة الجديدة، مثلما فعل خلال ولاية أوباما، أم سيعمل مع إدارة بايدن في حال توصل الطرفان إلى اتفاق حول القضايا المطروحة، في حين أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك ساليفان؛ أنّ بلاده ملتزمة بأمن إسرائيل، وأنّ الرئيس جو بايدن سيعمل على التشاور مع إسرائيل بشأن القضايا التي تتعلق في الشرق الأوسط، وفتح قنوات حوار إستراتيجية بين البلدين.

اقرأ أيضاً: مصير المنطقة بين سباق محادثات إسرائيلية- سورية ومفاوضات إيرانية- أمريكية

وفي إطار ذلك؛ يرى مدير مركز "مسارات" للدراسات السياسية، نهاد أبو غوش؛ أنّ "القلق الإسرائيلي من توجهات إدارة بايدن السياسية في الشرق الأوسط أمر مبالغ فيه؛ فإسرائيل لا تخشى وصول بايدن للبيت الأبيض، وتعي جيداً أنّ أيّ تغيّر في الإدارة الأمريكية لا يؤثّر في العلاقات بين البلدين، لكن كلّ ما تقوم به إسرائيل مع وصول بايدن، هو الضغط عليه لدفعه نحو تبنّي سياسات ترامب، وبشكل أعمق".

د. نهاد أبو غوش

ويوضح أبو غوش، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "ترامب مثّل حالة شاذة بالنسبة إلى إسرائيل، من خلال منحها رزمة كبيرة من الإنجازات، لم يسبق من قبل أن قدّمها أيّ رئيس أمريكي، في حين أنّ أقصى ما يمكن أن يفعله بايدن، أن يكرّر ما فعله باراك أوباما إبان حكمه للولايات المتحدة، مع إلغاء بعض القرارات التي فرضها ترامب، والتي لا تؤثّر في مجملها على إسرائيل، ومنها إعادة فتح القنصلية الفلسطينية ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بعد إغلاق دام أكثر من عامين، ردّاً على تقديم السلطة الفلسطينية دعوى للمحكمة الجنائية الدولية تطالبها بمحاسبة قادة إسرائيل".

إدارة بايدن ستواصل دعمها لإسرائيل

 ويضيف أبو غوش: "إدارة بايدن ستواصل دعمها لإسرائيل من خلال تقديم المساعدات لها والحفاظ على تفوقها العسكريّ في المنطقة، وربما تزيد تلك المساعدات بشكل أكبر، أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فستعمل إدارة بايدن على إنصاف إسرائيل وإبقاء حدودها مع جيرانها هادئة، مع إبقاء السفارة الأمريكية في القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب دعم إسرائيل في مساعيها نحو إبرام المزيد من اتّفاقيات السلام مع الدول العربية".

ويشير إلى أنّ "الدور الإقليميّ لإيران هو ما يخيف إسرائيل، وليس البرنامج النوويّ، فإسرائيل تعرف جيداً أنّ إيران لن تقدم على ضربها بالسلاح النووي، لكن ما يقلق إسرائيل أكثر ويجعلها تضخّم باستمرار الخطر الإيرانيّ، هو خوفها من تفوق إيران اقتصادياً في المستقبل، بفضل برنامجها النووي، فالمسألة الاقتصادية هي أبرز القضايا التي تقلق إسرائيل، فهي لا ترغب بأيّ وجود أو تفوق لأحد في المنطقة، سواء من قبل تركيا أو إيران أو غيرها من دول المنطقة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية