لماذا يثور العرب؟.. السؤال العثماني الوقح!

لماذا يثور العرب؟.. السؤال العثماني الوقح!


11/07/2020

وليد فكري

في دراسة التاريخ نوعان من التساؤلات: النوع الأول استفهامي غرضه المعرفة، وهو من أوجه الفضول العلمي المحمود..

أما النوع الآخر فهو استنكاري غرضه الاعتراض على واقعة تاريخية، وهذا النوع يخضع للتقييم حسب الواقعة..

من ضروب النوع الاستنكاري من الأسئلة التاريخية سؤال: لماذا ثار العرب ضد العثمانيين؟ هنا يمكنني بكل ثقة أن أصف هذا السؤال بـ"الوقح".

فالقارئ المتأمل في أحوال العرب تحت حكم آل عثمان يدرك تردي أوضاع تلك الأمة العربية العظيمة العريقة بفعل خضوعها لتسلط أمة همجية طفيلية كالعثمانيين.. حتى أنه ليتساءل بدوره مستنكرًا: لماذا تأخرت ثورة العرب على هؤلاء!؟

العنصرية العثمانية وتهميش الشخصية العربية
لم يكن العثمانيون أصحاب أول دولة غير عربية في التاريخ الإسلامي ولكنهم كانوا أول حكام يتعمدون تهميش وإقصاء العنصر العربي بشكل منهجي واضح

فبعد أن كان العرب عنصرًا فاعلًا في الدول السلجوقية والزنكية والأيوبية، وبعد أن كانوا يمثلون نصف الجهاز الإداري للدولة المملوكية (أهل العمامة والقلم) أصبح العربي تحت الحكم العثماني مجرد ممول للخزانة السلطانية بالضرائب والهدايا..

أما استغلال طاقاته الإبداعية والإدارية والقتالية فقد كان أمرًا مرفوضًا، إلى حد أن المحتل العثماني قد قام بإلغاء القضاة العرب للمذاهب الأربعة ووضع عوضًا عنهم قاضياً عثمانياً حنفي المذهب يتبع لاسطنبول!

وحتى الأسر العربية الحاكمة العريقة في الشام - كآل معنى وآل شهاب وغيرهم-عندما لم يتمكن العثماني من إزاحتهم مباشرة قام بضرب بعضهم ببعض ووضع العراقيل أمام قيامهم بتطوير وتنمية بلادهم،

وتعمد إغراق الشام في سلسلة من الحروب القبلية والعشائرية بل الطائفية بطريقة "فرق تسد"
وكلما بزغ نجم حاكم محلي قوي ومحبوب من رعيته، تعمد العثمانيون اختلاق صدام معه لضرب طموحه والقضاء على سطوته، والقارئ لأعمال المحتل العثماني مع ظاهر العمر الزيداني في فلسطين أو سياساتهم ضد الأسرة المملوكية في العراق يدرك أن هؤلاء القوم كانوا يستكثرون أن يحظى العربي بحاكم يرضى عنه ويستريح لعدله.

القضاء على الحواضر العربية
وكأنما يعاني العثماني من حقد وحسد قديمين ضد الحواضر العربية، فقد تعمد أن يحط من مستواها بعد أن نهبها ونهب خيراتها بل وربما قبض على أساطين فنونها وعمارتها ونقلهم لاسطنبول- كما فعل المجرم سليم الأول في القاهرة - فبعد أن كانت بلاد العرب تتيه بحواضر عالمية عظيمة كدمشق وحلب والقاهرة والإسكندرية وغيرها، صارت تلك المدن تعاني البؤس والعشوائية وانعدام الأمن وانهيار الخدمات إلى حد أن مدينة عريقة الحضارة كالإسكندرية قد تشعثت واضمحلت حتى صارت خرائب متهالكة ونقص عدد سكانها إلى 4000 نسمة وصارت مساحتها لا تزيد عن كيلومتر عرضًا ومثله طولا!

هذا بينما كانت اسطنبول تزهو وتتيه بقصورها ومساجدها ومتنزهاتها وبيوتها التي إنما بُنِيَت من منهوبات العثمانيين بحق المدن العربية!

الأمان المنعدم
يومًا ما كان بعض حكام العرب يتفاخرون بأنهم قد فرضوا الأمن إلى حد أن الرجل كان يضع متاعه على قارعة الطريق ويقول "يا فلان"-يعني الحاكم-احفظ متاعي-فلا يجرؤ أحد على سرقته، وكان الناس يتركون أبواب ونوافذ بيوتهم مفتوحة أمنًا منهم.. وكان الحاكم يقول "إن ضاع لأحد شيء فضمانه عندي"

أما في عصر الاحتلال العثماني فقد صار المرء لا يأمن على ماله ولا نفسه ولا ولده ولا عرضه، فماله عرضة للنهب من الجنود الترك والانكشارية المنتشرين كالجراد ينهبون الناس ويروّعونهم.. ونفسه قد تضيع إذا ما تصدى لبعض هؤلاء إذا ما حاول سرقته أو أخذ أشيائه عنوة.. وولده قد يُخطَف ليلوط به بعضهم جهرة وكذلك زوجه وبنته... وقراءة فيما كتب المؤرخ الجبرتي عن ممارسات الجنود الترك (السباهية) والانكشارية تثير فزع القارئ من هؤلاء الشياطين الذين كانوا لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الموبقات حتى في نهار رمضان نفسه على رؤوس الأشهاد!

هذا غير انتشار قطاع الطرق من العربان، أو عصابات النهب المسلحة (المنسر) .. بل صراعات الولاة أنفسهم فيما بينهم، فقد شاع بين بعض الولاة العثمانيين مسلك أن أحدهم إذا ما صدر فرمان بعزله أو نقله امتنع عن تنفيذه وتحصن في ولايته ودارت الحرب بينه وبين الوالي الجديد.. ومع الحرب يأتي انعدام الأمن وقطع الطرق وخراب المدن..

اضطهاد الطوائف بجريرة الحرب الخارجية
إضافة لذلك كانت سياسة العثمانيين تقوم على تحميل الطوائف الدينية من الرعايا مسئولية الحروب الخارجية..

فالشيعة تعرضوا لمذابح سليم الأول انتقامًا من قيام الشاه الصفوي بتدبير مذابح بحق السُنة في بلاده.. والكاثوليك عانوا من الاضطهاد نتيجة حروب بعض الدول الكاثوليكية-كإسبانيا- ضد الدولة العثمانية، والروم الأرثوذكس تعرضوا للأذى نتيجة حروب روسيا الأرثذوكسية ضد العثمانين.. هذا باسم الدين مع أن الدين نفسه يقول أن "لا تزر وازرة وزر أخرى"..

وقد نتج عن ذلك استغلال الدول الأجنبية حالة الانغلاق والخوف من الطوائف المضطهدة على نفسها أن سعت لفرض حمايتها عليها.. فسعى الفرنسيون لاستغلال الامتيازات الأجنبية لحماية الكاثوليك، واعتبر الروس أنفسهم مسؤولين عن الروم الأرثوذكس، وعندما لم تجد إنجلترا من يشابهها في الطائفة سعت لفرض حمايتها على الدروز.. كل هذا كان مجرد ذريعة للمستعمر لاستغلال الحماقة العثمانية في شق الصف العربي والتدخل في الداخل!

ختاماً
اجتماع تلك العوامل لإثارة وتعاظم السخط العربي على الحكم العثماني لم يكن السبب الوحيد لظهور حركات الغضب القومي العربي من الاحتلال العثماني والمجاهرة بالرغبة في التحرر من ربقته، وإنما أشعل شرارتها ما لمسه العرب من عجز العثمانيين وتراخيهم في الحفاظ على ولاياتهم العربية ضد الغزو والاحتلال الأجنبي، كما جرى مع مصر حين غزاها الفرنسيون بقيادة نابوليون بونابارت..

وكذلك شجعت عليه ما بلغت مسامعهم من أنباء ثورات الأقاليم الأوروبية على العثمانيين كالصرب واليونان والبلغار وغيرهم..

فظهرت حركات القومية العربية المناهضة لاحتلال العثمانيين وظلمهم.. تلك الحركات التي حاول العثمانيون الالتفاف عليها وتشويهها وضربها باستخدام سلاح "الدين" ضدها والتهمة الجاهزة بـ"التآمر على الإسلام والمسلمين".

عن "سكاي نيوز عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية