لماذا يدعم الإخوان يوسف الشاهد في تونس؟

الإخوان المسلمون

لماذا يدعم الإخوان يوسف الشاهد في تونس؟


07/05/2019

يبدو المشهد السياسي في تونس غائماً، يصعب تحديد آفاقه في ظل خريطة حزبية متحركة لا يقر لها قرار؛ أحزاب تختفي وتنشطر لتصعد أحزاب أخرى، وظهور مرشحين للرئاسات القادمة متخطّين كل التوقعات.

يبدو المشهد السياسي التونسي غائماً يصعب تحديد آفاقه في ظل خريطة حزبية متحركة لا يقر لها قرار

وفي خضم هذا المشهد المربك انشطر حزب "نداء تونس" الذي كان يحكم "بالتوافق" مع الإخوان، ليفرز حزباً جديداً يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في حين انقسمت البقية الباقية منه إلى فرعين يحملان الاسم نفسه، أولهما بزعامة نجل الرئيس حافظ قايد السبسي، وثانيهما بزعامة سفيان طوبال، وكلاهما يصدر قرارات بتجميد الشق الثاني من الحزب نفسه (نداء تونس) ويؤكد أنه الممثل الشرعي للحزب!
وفي غمرة الخلافات هذه يسير الإخوان في صمت وفق مسارين: أولهما إعلان "التمسك" بالتوافق مع "نداء تونس" واحترام رئيس الجمهورية، وثانيهما دعم خصمه اللدود حالياً والمتهم الأول بتخريب الحزب و"الانقلاب" عليه يوسف الشاهد الذي تم تأسيس حزب "تحيا تونس" بزعامته مؤخراً.
 انشطر حزب "نداء تونس" الذي كان يحكم "بالتوافق" مع الإخوان

أزمة بنيوية شاملة
هذه الفوضى التي يشهدها المشهد السياسي تبدو مرتبطة بالوضع العام في البلاد في أبعاده المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، وهي فوضى يصفها الباحث محمد السويلمي بأنّها "أزمة بنيوية شاملة".
ويؤكد السويلمي في تصريح لـ"حفريات" أن "كلّ المؤشّرات الاقتصاديّة تؤكّد واقع الركود والتضخّم واختلال الموازنات التجاريّة والنقديّة والاستهلاكيّة، وانحسار الاستثمار وتراجع الإنتاج. وهذا نتيجة طبيعيّة للسياسات الاقتصاديّة المرتجلة والانتهازيّة للحكومات السابقة، وخاصّة حكومة الشاهد المدعومة من حزب حركة النهضة، فهذه الحكومة تفتقر إلى رؤية تخطيطيّة واضحة المعالم والمناهج والمقاصد، ولا تملك مشروعا تنمويّاً مدروساً يلبّي بعض انتظارات التونسيّين في الجهات والأرياف".

اقرأ أيضاً: تونس في مواجهة الحقيقة
ويضيف السويلمي أنّ حكومة الشاهد "لا تعدو أن تكون ثمرة صفقة سياسيّة في اقتسام مغانم السلطة والسيطرة على أدواتها بين النهضة والنداء ممّا ينزع عنها روح الالتزام الوطنيّ والقدرة على بلوغ المنشود".
سقوط حرّ ورسائل مضللة
والمتأمل في وضع البلاد، وفق السويلمي، يلاحظ بيسر أنّها تغرق في الأزمات يوماً بعد يوم رغم "رسائل الطمأنة" المضلِّلة التي ما فتئ الشاهد ووزراؤه يثبتونها بأرقام لم تعد تقنع أحداً، مادام المواطن البسيط يلحظ تدهور مقدرته الشرائية وانهيار شامل للدينار التونسي مقابل اليورو والدولار.

اقرأ أيضاً: هل يساند "إخوان" تونس الميليشيات المسلحة في ليبيا؟
ويؤكد السويلمي أنّ "حكومة الشاهد قد أخفقت في إدارة الشأن المجتمعيّ بكلّ تفاصيله من انهيار المقدرة الشرائيّة، واهتراء الطبقة الوسطى، وتعاظم البطالة بين متخرّجي الجامعة، واتّساع دوائر الفقر والتهميش، وتدنّي واقع التربية والتعليم العالي، وازدياد حالات الاعتداء على الطفولة، وانتشار مظاهر الفوضى كالمدارس العشوائيّة والتهريب والعنف والجريمة، وفساد أجهزة الدولة".
حكومة الشاهد أخفقت في إدارة الشأن المجتمعيّ التونسي بكلّ تفاصيله

إخفاق سياسي وعقم
ويضيف السويلمي أنّه رغم هذه الأزمة الخانقة والحلول "الترقيعية العقيمة"، فإنّ حكومة الشاهد تواصل سعيها بإسناد من الإخوان وإصرار على دعمها في البرلمان متجاهلة صرخات الاستغاثة وصيحات الاحتجاج التي تطلق في كل مرة من قطاع من القطاعات أو جهة من الجهات.
ويتابع السويلمي بأنّ ذلك يعكس حالة "إخفاق سياسيّ عامّ ترجمته وقائع كثيرة وأحداث جمّة لعلّ أبرزها افتقار الحكومة إلى النجاعة والأهليّة بسبب غلبة المحاصصة الحزبيّة بين كتلة رئيس الحكومة وحزب النهضة التي شملت الوزارات والمناصب السامية والمنشآت العموميّة والتمكين للمتنفّذين في مجالات المال والأعمال والاستحواذ على مفاصل الدولة وتسخير مقدّراتها لخدمة أجنداتها الحزبيّة والسياسيّة".
للإخوان رأي آخر
لكن يبدو أنّ للإخوان في تونس رأياً آخر، فهم وفق تصريحات عديدة، مصرون على وصف الوضع الذي حققته الحكومة الحالية بـ"الاستقرار"، وهو ما يصطدم مع الأزمات الاجتماعية التي تنفجر من حين إلى آخر في شتى ربوع البلاد، فضلاً عن ذلك نشاط الخلايا الإرهابية التي لم تستطع حكومة الشاهد القضاء عليها.

هذه الفوضى التي يشهدها المشهد السياسي تبدو مرتبطة بالوضع العام في تونس بأبعاده المختلفة الاقتصادية والاجتماعية

في هذا السياق يرى الباحث السويلمي أنّ "المتابع للمشهد السياسيّ التونسيّ قد يستغرب من ذلك الاصطفاف العجيب والدعم اللامتناهي الذي يقدّمه إخوان تونس لحكومة يوسف الشاهد مع ما فيها من إخفاقات"، مؤكداً أنّ الإخوان "وجدوا في يوسف الشاهد وأنصاره فرصة مناسبة لتعميق حالة التشظّي المؤسّسيّ في حركة نداء تونس حليف الأمس وعدوّ الراهن ممّا ييسّر الطريق للسيطرة على المشهد الانتخابيّ المرتقب في نهايات 2019".
ويضيف "إنّ هذا الدعم الذي يشتّت الصفّ الحداثيّ يخلق حالة من الارتباك السياسيّ والصدامات الحزبيّة، وبالتالي خدمة مصالحهم القريبة والبعيدة وتلبية أغراضهم، ومنها التغلغل في أجهزة الدولة تمكّن الإخوان من الإفلات من دائرة الضوء واهتمام الرأي العامّ بهم وبمخطّطاتهم، وكأنّما الانتصار للشاهد يجنّب الإخوان المتابعة والمحاسبة داخليّاً وخارجيّاً".

اقرأ أيضاً: لمن يحمّل الشاهد مسؤولية الإخفاقات الاقتصادية في تونس؟
وأمام تشظي "نداء تونس" وعدم قدرة رئيسه المؤسس الباجي قائد السبسي وعجزه عن رأب الصدع وجد الإخوان في يوسف الشاهد المرتهن لقرارهم المنقذ والبديل بما أنه، كما يقول الباحث السويلمي، "طيّع ولا يملك القدرة والدهاء السياسيّ لشريكه الباجي قايد السبسي، فيكون الشاهد وسيلة لإزاحة الباجي من المشهد والاستفادة من فوضى المال وعقد تحالفات مع المتنفّذين الاقتصاديّين والإعلاميّين والمساومة على الامتيازات المنتظرة".
ويخلص السويلمي إلى أنّ "الإخوان حاضرون بقوّة من خلال الشاهد الذي يعي أنّ وضعه السياسيّ لا يستقرّ إلّا بدعمهم ومؤازرتهم ممّا يجبره على تقديم مقابل لهذا الدعم الإخوانيّ المشروط ليس أقلّه إفساح المجالات جميعها أمامهم للاستحواذ الخفيّ والمنظّم على الدولة والمجتمع بالإعلام والمال وشبكات المجتمع المدنيّ".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية