لماذا يكثف أردوغان جهوده لاستعادة العلاقات مع إسرائيل؟

لماذا يكثف أردوغان جهوده لاستعادة العلاقات مع إسرائيل؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
06/03/2022

ترجمة: إسماعيل حسن

أظهرت تركيا نوايا متزايدة للتقارب مع إسرائيل، تمثّلت بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام إعلام بلاده عن زيارة مرتقبة للرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى تركيا، إضافة إلى اتصال الرئيس أردوغان بنظيره الإسرائيلي وتعزيته بوفاة والدته، كما اتصل وزير الخارجية التركي بنظيره الإسرائيلي للسؤال عن سلامته بعد إصابته بكورونا، هذه الإشارات أدت إلى استغراب القيادة السياسية في إسرائيل، وطرحت العديد من التساؤلات عما إذا كان هناك شهر عسل جديد بين إسرائيل وتركيا بعد قطيعة دامت سنوات، أوساط إسرائيلية حذرت من أنّ هذا التقارب المتزايد من قبل أنقرة، لا يجب أن يكون على حساب العلاقات الإسرائيلية مع اليونان وقبرص، في وقت ستحدد فيه الأيام القادمة ما إذا كان أردوغان سيتوقف عن النبرة المعادية لإسرائيل، مع العلم أنّه رغم جمود العلاقات السياسية مع تركيا، إلا أنّ العلاقات التجارية مستمرة بل وفي تطور؛ لذلك يطالب الإسرائيليون هذه المرة بأن يكون استئناف العلاقات بين إسرائيل وتركيا غير مشروط بإدراج خطابات الاعتذار، بل تكفي نبرات المصالحة الصادرة عن أردوغان.

توخي الحذر

يرى إسرائيليون أنّ توجهات تركيا نحو ترميم العلاقات مع إسرائيل على الرغم من أنّها خطوة إيجابية لمصلحة الطرفين، إلا أنّها ستمر في سلوك متقلب من قبل الرئيس أردوغان، ولا يمكن التنبؤ بأية تصرفات مستقبلاً تصدر عنه؛ لذلك يجب توخي الحذر في أيّ اتفاق مصالحة مع تركيا، يهدف من خلاله أردوغان إلى التقارب مع إدارة بايدن، الأمر الذي يتطلب من إسرائيل أن تنتبه من ترميم غير منضبط للعلاقات، فالرغبة المفرطة التي يبديها المستوى السياسي الإسرائيلي للتقارب مع أنقرة مطلوب فيها التروي، فيجب الانتباه إلى أنّ تركيا ما تزال تؤوي جماعة الإخوان المسلمين، كما أنّ هناك خشية من الإضرار بالاتفاقات الأمنية والبحرية والاقتصادية مع أصدقاء إسرائيل، مثل مصر واليونان وقبرص، صحيح أنّ أردوغان يهيئ الرأي العام في بلاده لتغيير العلاقات مع إسرائيل، وهناك حوار يجري بين كبار المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم في المخابرات التركية، لكنّ النقطة الأهم في الاتصالات هي مقر قيادة حماس في إسطنبول، الذي يواصل نشاطه ويوجه عمليات في الضفة الغربية وداخل إسرائيل، فالوفد المكلّف في تنفيذ اتفاق المصالحة عليه التحفظ بجملة من المطالب التي تهم المؤسسة الأمنية في إسرائيل، حتى يرتفع مستوى الثقة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتركية، ومن أبرز تلك المطالب الإصرار على إغلاق مكاتب حماس المفتوحة بتركيا، رغم تعهدها بعدم السماح بإطلاق أيّ هجوم ضدّ إسرائيل من أراضيها، إلى جانب إخراج عدد من كوادر الحركة الذين يعملون بصمت على توجيه خلايا لتنفيذ هجمات ضدّ إسرائيل.

بين تركيا وإسرائيل مصالح مشتركة

 أمام كل المطالب التي يريدها الإسرائيليون، تبقى هناك فرضية لدى القيادة الأمنية في إسرائيل، مفادها أنّه من أجل إنجاح مواجهة الغرب لإيران، فمن الأفضل أن تكون تركيا حليفاً محتملاً ومهماً للوقوف إلى جانب إسرائيل والغرب، من أجل التصدي للتحدي المركزي في الشرق الأوسط المتمثل في إيران، كما أنّ القناعة الإسرائيلية ترى أنّها أمام عملية طويلة في المصالح الإسرائيلية، تستدعي سدّ الثغرات مع تركيا وتسوية الخلافات معها، أو على الأقل تقليص مواقع تضارب المصالح بينهما، فضلاً عن معرفة حجم ثراء التجارة بينهما التي أقيمت في السنوات الأخيرة، رغم العقبات التي تعترض تقدم العلاقات بينهما، فالإسرائيليون لا ينكرون أنّ تركيا أول دولة إسلامية أقامت علاقات علنية مع إسرائيل منذ سنوات طويلة، فقد انضمت إسرائيل وتركيا أواخر خمسينيات القرن الماضي لإنشاء تحالف، يهدف موازنة سعي مصر لتزعم العالم العربي، بقيادة جمال عبد الناصر، وتضمّن هذا التحالف السري تبادلاً استخباراتياً أمنياً، ولكن مع تراجع هذا التهديد توترت العلاقات الإسرائيلية مع تركيا، بسبب حاجتها لصوت عربي في الأمم المتحدة بشأن النزاع القبرصي، المحافل السياسية والأمنية الإسرائيلية تناقش كيفية الرد على الخطوات التركية، ولعلّ المعضلة الأهم تجاهها تتمثل في بقاء تعاون تركيا مع إيران، واحتضانها للإخوان المسلمين وقيادات حماس داخل أراضيها، ما قد يجعل تل أبيب تعتقد أنّه لا ينبغي تقديم هدايا مجانية، بل إنّ عليها الاستفادة من تطورات المنطقة، وهي تدرك أهمية التجارة المتبادلة مع تركيا بغضّ النظر عن التوترات السياسية.

أردوغان يحرض ضدّ إسرائيل

الإسرائيليون يدركون أنّ أيّ حدث على الساحة الفلسطينية، قد يعيد الأمور إلى حالها من التوتر في العلاقة مع تركيا، خاصة بسبب حساسية الرأي العام التركي نحو القضية الفلسطينية، كما يحصل عقب كلّ حرب تشنها إسرائيل على غزة، وفي كل اقتحامات يهودية مستفزة للمسجد الأقصى، فأردوغان يشهد له بعدائه المتواصل لإسرائيل، ودعمه لكل آفاق الكفاح الفلسطيني والعنيف ضدها، من المهم أن نتذكر خطواته قبل أكثر من عشرة أعوام، وما دار من مواجهة مع شمعون بيرس في دافوس، عقب حملة الرصاص المصبوب على غزة والطرد المتكرر للسفير الإسرائيلي، إلى جانب إرسال متضامنين أتراك على سفينة مرمرة، ومحاولته فتح ميناء غزة أمام إرساليات السلاح وتحريض شعبه ضدّ إسرائيل، وعلى رأس ذلك إتاحة مأوى لصالح العاروري، ناشط الإرهاب الحمساوي، في الضفة الغربية، ومن المهم أيضاً التذكير بعدم رده على مبادرة المصالحة الإسرائيلية عام (2013).

 وللوقوف على طبيعة النظام الذي انتهجه في تركيا، من المهم أنّ نتذكر الآمال العابثة التي علقها الرئيس أوباما على الإسلام المعتدل للإخوان المسلمين في أنقرة، إلى أن تبيّن كما كان متوقعاً بأنّه ذر للرماد في العيون لكلّ من أصرّ على خداع نفسه، أردوغان ليس الدكتاتور الطموح الوحيد في المنطقة وليس الأكثر وحشية، وتركيا ليست مختلفة بسبب عضويتها في الناتو فقط، فقد نجحت في الثمانين سنة قبل ثورة أردوغان المضادة، في تخليص نفسها من الطغيان والتخلف الإقليمي، وإقامة نظام يسعى إلى الحداثة والديمقراطية، بل وهناك شريحة اجتماعية واسعة تحمل هذه الأهداف وتطورها، أردوغان يواجه عقبات كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة على خلفية طغيانه وعدوانه الإقليمي، فالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنقذ الشرق الأوسط وإسرائيل من نظام الإخوان المسلمين، ورغم التفاهمات في موضوع ليبيا يعدّ الإخوان والرئيس التركي أعداء لمصر، يهدّد الإخوان أيضاً الأنظمة في الأردن والخليج، أما الأكراد فيذبحهم أردوغان في بلاده وفي سوريا، ويحاول السيطرة على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، والاستيلاء على مقدرات الغاز في البحر من قبرص واليونان، وفي نهاية المطاف كلّ شبكات التحالفات والتفاهمات المركبة لإسرائيل في المنطقة ستتضرر، فليس جديراً بإسرائيل أن تشكل جهة توصي باستقامته في واشنطن وفي الديمقراطيات الغربية، ولا حاجة لإسرائيل أن تساعده في تقويضه لمصالح حيوية في الناتو أو في علاقاته مع روسيا أو تطرف الأقليات التركية في أوروبا، والأهم من هذا أنّ أردوغان يعرّض جهات صديقة لإسرائيل في الشرق الأوسط لخطورة بمستويات مختلفة، وهنا الحديث على وجه الخصوص يدور عن مصر والسعودية واليونان وقبرص. 

عودة العلاقات ستخدم إسرائيل

إنّ الخطوات الإيجابية التركية نحو إسرائيل تتزامن مع مثلها نحو مصر، إلى جانب توقيع اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات مع الإمارات العربية المتحدة تمهيداً للتقارب مع الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً، فقد تسبب قرار الولايات المتحدة بعدم دعم خط أنابيب الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص، بإيجاد فرصة العودة للخيار التركي كنقطة انطلاق لنقل الغاز من إسرائيل، وفي هذه الحالة يمكن تطوير مثلث اقتصادي إسرائيلي تركي إماراتي، وهذا يعطي الرغبة في أن تتجه الأمور نحو تحسين العلاقات؛ فتركيا قوة إقليمية عظمى والتعاون الاقتصادي معها في التجارة واستخدام المنشآت، وفتح مسار للمواصلات الإسرائيلية من خلال تركيا مع العالم سيعزز ذلك الاقتصاد الإسرائيلي، أما عند الحديث عن العوامل الخارجية لمستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية، من المهم التأكيد على حجم استفادة إسرائيل من مثلث إسرائيل واليونان وقبرص، وبشكل كبير من التنقيب عن الغاز تحت السيادة الإسرائيلية، وهنا تتسع أعين الأتراك وتزداد رغبتهم في المشاركة.

أردوغان المتقلب

إنّ الرئيس الإسرائيلي مطالب بأن يوضح لأردوغان، ما يمكن وصفها بشروط لتجديد العلاقات الثنائية، كما أنّ هرتسوغ مدعو لكتابة فصل جديد في العلاقات الإسرائيلية التركية وهو في الواقع بدأ بفعل ذلك، فمنذ انتخابه للرئاسة، في تموز (يوليو) الماضي، تمكّن من إنشاء قناة اتصال إيجابية وفعالة مع أردوغان، ويبدو أنّه اكتسب ثقته بالتوازي مع ما شهدته الأشهر الأخيرة من تلميحات وتصريحات واضحة من أردوغان نفسه، مع العلم أنّه خلال الأزمة السابقة حافظ كلا الجانبين على خطّ علاقة قائمة، وعلى خلفية تصريحات نفتالي بينيت ويائير ولبيد السابقة، وجد أردوغان في الرئيس هرتسوغ المحور المركزي للاتصالات بين الدولتين، تحدّث كلاهما في الأشهر الأخيرة ثلاث مرات، لكن رغم هذا التقارب يقدر متابعون بأنّ اللقاء بين أردوغان وهرتسوغ ما زال بعيداً عن التحقق، لم يتم تحديد موعد أو مكان له، وفي إسرائيل هناك من يحذرون من مزاج أردوغان المتقلب الذي يمكن أن يلغي الحدث في اللحظة الأخيرة، لكن هناك من يرون أنّ البرود الذي تظهره إسرائيل نحو جهود تركيا قد يمسّ بالعلاقات بين الدولتين، وبهذا يمكن أن تفوّت الدولة فرصة بذلك.

التقارب لن يتم بسهولة

منذ سنة والأتراك يبثون إشارات عن استعدادهم لتحسين العلاقات مع إسرائيل، تقترب اللحظة التي سيضطر فيها بينيت إلى اتخاذ قرار، فقد فتحت قنوات اتصال جديدة بينه وبيّن أردوغان، وصرّح أردوغان بأنّ بينيت لديه مواقف إيجابية، وبالتوازي مع إسرائيل يحاول أردوغان المضي قدماً في علاقاته الخارجية مع الإمارات ومصر والسعودية، ووقّع معها اتفاقيات اقتصادية، كما ألمح عن مشاريع مشتركة مستقبلية مع إسرائيل، وفي اللقاء الذي جرى مؤخراً في أنقرة بين أردوغان ومحمد بن زايد، تم الاتفاق على استثمارات بحجم (10) مليارات دولار في تركيا، التي تعاني من أزمة اقتصادية شديدة، وصفقات تبادل نقدي أخرى بحجم (5) مليارات دولار على الأقل، كما أعلن أردوغان في حينها أنّه ينوي تطوير العلاقات مع إسرائيل ومصر لفتح آفاق إضافية للتصدير التركي، إضافة إلى أنّ هناك مشروع الغاز الإسرائيلي الواصل من خلال البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا عبر اليونان وإيطاليا، ويبدو أنّ تركيا ستكون جزءاً أساسياً منه، رغم معارضتها السابقة له لأنّه تجاوزها، مع العلم أنّ القناعة الإسرائيلية السائدة تتمثل بأنّ ترميم العلاقات بين تركيا وإسرائيل أمر مهم لكنّه لن يأتي بسهولة، لأنّ هناك المزيد من الاعتبارات الصعبة التي سيتعيّن على إسرائيل تنفيذها أمام تركيا، لكن من الأفضل لإسرائيل التأكيد على الفوائد الأخرى لإعادة العلاقات مع تركيا وصولاً لتبادل السفراء، ومنها تعزيز الحوار الإستراتيجي مع سوريا وإيران، ورفع مستوى التجارة والسياحة، وتوسيع التعاون السياسي والمدني، والحاجة لمساعدة الأتراك في إنجاز التسوية مع الفلسطينيين.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinions/article/7600783




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية