لم يصلح "عطّار" لندن ما أفسدته واشنطن..

لم يصلح "عطّار" لندن ما أفسدته واشنطن..


23/03/2022

محمد قواص

فهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إثر زيارته السعوديّة والإمارات أنّ مزاج الدولتين قد تغيّر في العلاقة مع الغرب عموماً، ومع الولايات المتحدة بالأخص، على النحو الذي لا يمكن لوساطة بريطانيا ومواهب "العطّار" اللندني إصلاح ما أفسده الدهر بين واشنطن من جهة، والرياض وأبوظبي من جهة ثانية.

لا تنسى دول مجلس التعاون الخليجي تاريخاً من العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. دشّن لقاء العاهل السعودي الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945 عقوداً من المسار المشترك انسحب عبقُه على كلّ دول الخليج. ولا تنسى هذه المنطقة أنّها وثقت بالمظلّة الأميركية – الغربية طوال عهد الحرب الباردة، وأنّها كانت من أولويّات الأمن الاستراتيجي لواشنطن ودول أوروبا، وهو ما وفّر سقف حماية ودفاع خلال حربيْ الخليج.

المنطقة التي استكانت لثبات السياسة الخارجية الأميركية، استفاقت على أولويّات الولايات المتحدة منذ عهد باراك أوباما في توجيه بوصلة واشنطن صوب الشرق لردّ أخطار الصين المقبلة ولو بعد حين. تفهّم الخليجيون هواجس حليفهم، واستطراداً تبدّل استراتيجياته، لكنّهم لم يجدوا تفسيراً لمقاربة الولايات المتحدة ملفَّ إيران، التي قفزت من سياسة "الاحتواء" إلى سياسة التغافل و"التواطؤ" والشراكة التي أسّس لها الاتفاق النووي عام 2015، ونظّرت لها لاحقاً "عقيدة أوباما" عام 2016.

وإذا ما كانت الولايات المتحدة تجد في الصين تهديداً في المدييْن المتوسّط والآجل، فإنّ دول الخليج، ولا سيّما السعودية والإمارات، تجد في إيران خطراً داهماً لا تخطئه عين. وما افتخار منابر إيران بالسيطرة على أربع عواصم عربية إلا دليل لواشنطن على وجاهة هواجس المنطقة وحقيقتها التي لا تحتاج إلى وثائق خليجية – عربية تُقنع صاحب القرار في البيت الأبيض.

العداء الأميركي للخليج

لم تستشِر إدارة أوباما دول المنطقة في ما بات يُعرف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" مع إيران التي أُبرمت مع طهران قبل سبع سنوات. ولا يبدو أنّ إدارة جو بايدن معنيّة هذه الأيام بالاستماع إلى ما يُقلق أهل المنطقة من أخطار متعدّدة الواجهات (وليست النووية فقط) تشكّلها إيران نظاماً وسلوكاً وأجندةً وسبيلَ بقاء.

حين بات الخطر الإيراني المُطلّ من اليمن واقعاً لا احتمالاً، أطلقت السعودية مع حلفائها "عاصفة الحزم" تحت سقف "التحالف العربي" لردّ مشروع "تصدير الثورة" الذي لم تُخفِه طهران ومنابر الحوثيين باتجاه السعودية وبقيّة دول الخليج. ولئن أظهرت إدارة أوباما آنذاك دعماً خجولاً للجهد العسكري الخليجي صوناً لأجواء الودّ مع إيران، فإنّ الرئيس بايدن كشف، لأسباب انتخابية ثمّ عقائدية، عن وجه عدائي اتجاه الخليج، والسعودية خصوصاً، من بوّابة الحرب في اليمن.

كان لافتاً أنّ إطلالة بايدن الأولى على الشرق الأوسط كان عنوانها الحصري حرب اليمن. استخدم بايدن لهجة تنطوي على تحميل الخليجيين وزر تلك الحرب، وفاقم من تلك اللهجة قرار إدارته رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب. ولئن بدا من ذلك المزاج نكايات يُعبّر عنها الرئيس الديمقراطي ضدّ الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، غير أنّ الأمر كشف خفّة في مقاربة وقف المأساة في اليمن استنتجها بنفسه مبعوث بايدن إلى اليمن تيموثي ليندركينغ. أدرك الأميركيون عجزهم اليمني، فيما الخليجيون مستمرّون في العمل على وقف مأساة اليمنيين، وهم من جديد هذه الأيّام رعاة حوار يمنيّ جديد.

على أنّ شلل الولايات المتحدة أمام هجمات الصواريخ والمسيَّرات التي تعرّضت لها السعودية والإمارات، وإعراضها عن اتّخاذ مواقف سياسية عسكرية أمنيّة رادعة، وعبثها في سحب منظومات دفاع جوي من المنطقة، رفعت من منسوب الغضب لدى الرياض وأبوظبي اللتين لطالما تعاملتا مع واشنطن بصفتها الصديق والحليف. وما زاد من حدّة استياء العاصمتين ما أظهره سلوك بايدن وإدارته من عدم احترام لأصول العلاقات مع السعودية بما يكشف عن مظاهر استخفاف بهياكل الحكم وخيارات الحاكم في السياسة والمجتمع والاقتصاد والأمن في الرياض.

روسيا والصين

نسجت دول الخليج خلال السنوات الأخيرة شبكة علاقات مع دول العالم، ومن بينها روسيا والصين. يأتي الأمر تصويباً لسياسات سابقة بالغت في الاستناد إلى حصريّة غربيّة، وتطويراً لوجهات باتت تجد أنّ أمن الخليج وازدهاره يقوم على تعدّد المصادر. ولئن صادفت الخيارات المُحدثة تشكيكاً حتى لدى بعض دوائر التفكير في الخليج، فإنّ أزمة صفقة مقاتلات F35 الأميركية مع الإمارات فضحت خواء الرهان على "الحليف الاستراتيجي"، وصحّة اعتماد بدائل الأمن المؤاتية.

إنّ تمسُّك السعودية والإمارات بالاتفاق داخل منظومة "أوبك +" لرفض طلب أميركا رفع مستويات الإنتاج من النفط، وما تردّدَ عن جفاء في علاقة البلدين مع واشنطن، فسَّر التعجّل بالاستعانة بوساطة جونسون. وما سبق أن كشفته الصحافة الأميركية عن برنامج صواريخ باليستية قائم في السعودية بالتعاون مع الصين، وما قد يظهر من مؤشّرات أخرى، إلا أعراض أزمة لم تواجهها إدارة أميركية مع دول الخليج من قبل.

الواضح أنّ واشنطن استفاقت على مواقف يُفترض أن لا تكون مفاجئة لأيّ مراقب أميركي للتحوّلات الجارية في الخليج. والواضح أيضاً أنّ ردّة فعل السعودية والإمارات هي مرآة دقيقة لفشل دبلوماسية بايدن في المنطقة. والأرجح أنّ ما يحدث هو صراع أجيال بين ذلك الحاكم في الخليج وذلك الحاكم في واشنطن، العاجز عن إدراك "لحظة خليجية" لم تعد عقاربها تسير وفق معايير جيل وزمن باتا ماضياً لا رجوع إليه.

عن "أساس ميديا"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية