لهذا لحقت حركة النهضة التونسية بتيار الفشل الإخواني

لهذا لحقت حركة النهضة التونسية بتيار الفشل الإخواني


28/09/2021

يعاني حزب العدالة والتنمية في تركيا، وكل المؤشرات تشير إلى تراجع شعبيته، وسقط الحزب المناظر في المغرب في انهيار مدوٍّ تبعه جملة من الاستقالات، وفي السودان أصبحت النتيجة معروفة للجميع بعد 40 عاماً من الحكم الإخواني، وأخيراً في تونس كان سقوط الجماعة ممثلاً بحركة النهضة.

اقرأ أيضاً: هل انتهى مشروع حركة النهضة الإخوانية في تونس؟

تعددت الأسباب في سقوط الإخوان على جميع المستويات من هرم السلطة، لكن ما يجمع بينها كلها هو الفشل الذي كأنه قدر محتوم عليها في كل المراحل، سواء في بلد المركز مصر أو في بلاد الأفرع، وحركة النهضة التونسية هي نموذج واضح في ذلك.

لماذا تفشل الجماعة؟

يشير خبراء وقادة سابقون في جماعات الإسلام السياسي، في حديثهم لـ"حفريات"، إلى جملة من الأسباب للفشل، منهم ناجح إبراهيم، القيادي السابق المؤسس للجماعة الإسلامية، الذي أرجع ذلك إلى "عدم قدرة الجماعة في التحول من تنظيم إلى إدارة دولة، وتلك العقلية التي أداروا بها المشهد في كل الأقطار العربية".

كما أشار إلى "حداثة تجربة هذه التيارات في العمل السياسي، وأنها ظلّت تعمل وتكابد، ولسنوات طويلة من "تحت الأرض" و"في الظل"، ولهذا فإنّ تكيّفها مع ظروف العمل السياسي العلني من "فوق الأرض" و"على المكشوف" قد يتطلّب فترة من الزمن، وهو ما لم يراعوه، وانتقلوا عقب "الربيع العربي" إلى الحكم مباشرة فغرقوا وأغرقوا بلادهم معهم في جملة من الفوضى".

اقرأ أيضاً: وزير خارجية تونس يدافع عن قرارات سعيد... هذا ما قاله

من جهته، يرى الكاتب والباحث هشام النجار، أنّ "الإسلام السياسي كله حمل معه إلى السلطة والمسؤولية أسباب فشله البنيوية والموضوعية، مثل صراعاته الداخلية، وغروره المفرط بقوته المفترضة في الشارع، وضعف أطره، وقلة تجاربه السياسية، والأهم تحالفاته مع جماعات العنف، وعمله السري والعلني معاً".

صحيفة "لوبون": ثبت افتقار حركة النهضة لقاعدة شعبية حقيقية بسبب تكتيكاتها الملتوية وسوء إدارة البلاد خلال الفترة الماضية

أما  الكاتب كامل رحومة، العضو السابق في الإخوان، فيذهب، في مقال له، إلى أنّ "الجماعة لم يكن لها قدرة على الانتقال من مرحلة الجماعة وفقهها بعد نجاح ثورة يناير وبعد تسلمها للسلطة العليا في مصر واستحواذها على معظم السلطات الأخرى التشريعية والتنفيذية إلى فقه الدولة".

يضيف إبراهيم: إنّ بعض التنظيمات والحركات الدينية أو الميليشيات تملك القفز على السلطة في غفلة من الزمان، لكنها لا تملك خطة محكمة لإدارته وتسيير أمور الدولة واستقرارها وأمنها ونشر السكينة في ربوعها، كما كانت تتحدث من قبل أو تشرح في ندواتها ومحاضراتها، لأن الجماعات والتنظيمات تربت على المعارضة والنقد فقط ولم تدخل يوماً دواليب الدول، ولم تساهم يوماً في إدارتها، وفي معظم أوقاتها تكون في حالة عداء مع الحكام مما يورثها لاشعورياً عداءً مع الدولة، فضلاً عن حالة العداء شبه المستمرة بينها وبين المؤسسات السيادية نتيجة للصراعات الطويلة بينهما.

ويتابع: من أهم الأسباب أيضاً هو فشل حركات الإسلام السياسي في تحقيق الوعود الطوباوية التي رفعتها على مدى العقود الماضية، وعدم وجود تصور للحلول الاجتماعية والاقتصادية اللازمة التي تتجاوز وهم الشعارات الفضفاضة التي يرفعونها مثل الإسلام هو الحل.

النهضة.. نموذج الفشل

ما جرى في تونس لحركة النهضة كان مؤشراً قوياً على انهزام الإسلام السياسي كله في المنطقة، وإن ذلك سيؤدي إلى تغييرات جذرية كبيرة، حتى لو تجاوزت الحركة  تلك الأزمة، فإنّ ما جرى قبلها غير ما بعدها، وكان لهذا جملة أيضاً من الأسباب أهمها هو فشلها في التحول من استراتيجية الصدام الشامل إلى سياسة التعايش، وفي تطبيق مبدأ المشاركة لا المغالبة الذي أعلنته مراراً، كما في تجربة الحكم، وثبت بما لا يدع مجالاً للشك انقطاعها مثل إخوان مصر عن المجتمع رغم فوزها في كثير من الاستحقاقات التنظيمية، واستغلالها من قبل قوى إقليمية.

 أحمد نظيف: هناك أسباب واضحة لانتصار الدولة التونسية على النهضة وهي المؤسسات الصَّلبة والدعم الشعبي

يقول العضو السابق في الجماعة طارق البشبيشي في تصريحه لـ"حفريات": أدارت النهضة عملها السياسي في تونس بنفس طريقتها في إدارة التنظيم، وفشلت في التحول من تنظيم إلى دولة، وتعالت على المجتمع، ولم تنزل إليه إلا لتستخدمه لتحقيق طموحاتها السياسية، بنفس طريقة الجماعة في مصر، التي كانت مصيبتها أكبر حيث غرقت في جملة من الأخطاء الكارثية، ومنها  قضية الهوية، ومسكونيتها بقصة الحكام وتكفيرهم والشريعة الإسلامية، وبدا بوضوح أن أمامهم سنوات طوال حتى يصبحوا جزءاً من المجتمع ويتحولوا اجتماعياً وثقافياً إلى مقاصد الشريعة العامة، والبحث في حلول لمشاكل المواطنين، والعمل داخل مشروع لخدمة شؤونهم، لا مشروع الهوية وخطاب الخلافة، أو ما يطلق عليه الانتقال من الطور الاحتجاجى إلى طور البناء والمشاركة السياسية، وحتى هذه اللحظة لا زالوا في غيهم القديم.

ويتابع البشبيشي: بالنظر إلى أهم أخطاء حركة النهضة فهي تلك الاختلافات الواضحة بين العمود الفقري لها من العناصر الشبابية والقيادات العليا، والخلل بين جناحين داخل الحركة، هما السري والعلني، والمعركة الكبيرة التي أداروها لأخونة الدولة، أو ما أطلقوا عليه "خلق النخب".

من جهته، يقول الباحث أحمد نظيف في دراسة نشرها مركز الإمارات للسياسات: إنّ هناك أسباباً واضحة لانتصار الدولة التونسية على النهضة، وهي المؤسسات الصَّلبة للدولة، والدعم الشعبي في مقابل تخلي القاعدة الجماهيرية لحركة النهضة عن دعمها في خيار النزول إلى الشارع، وكذا الدعم الإقليمي، وإلى جانب هذه الظروف الموضوعية، يبدو أن الخلاف الكبير الذي يشق الحركة منذ مؤتمر العام 2016، بين المجموعة القيادية بزعامة راشد الغنوشي والتيار المعارض له، قد أضعف قدرة التنظيم على التواصل مع القواعد الحزبية.

اقرأ أيضاً: عقد "النهضة" انفرط.. وتونسيون: زمن الإخوان انتهى

وأدى هذا الخلاف، وفق نظيف، إلى "استقالة العشرات من القيادات البارزة في الحركة، وفي القطاع الشبابي، حيث تحولت سيطرة راشد الغنوشي على قيادة الحركة منذ أكثر من خمسة عقود إلى محل انتقاد واسع من طيف كبير من أعضاء الحركة وقواعدها، كما برز العامل العائلي والجهوي بوضوح في تعيين القيادات والمسؤولين، إذ أصبح الغنوشي يقود الحركة بإدارة عائلية من خلال مجموعة ضيقة من الموالين له وأقاربه".

ويتابع: يضاف إلى الأسباب السابقة عدم إيمان النهضة، مثل تنظيمها الأم، بالوطن ولا بالدولة المدنية، لا بل تعارضها معارضة تامة، رغم تغيير جلدها "طوعا" عندما أعلنت في 2016 "الفصل بين العمل الدعوي والسياسي"، خلال مؤتمرها العاشر. الفصل بين النشاطات الدينية السياسية يبقى مجرد تمويه من النهضة وهي "أفضل" من مارس التقية كي تكسب المزيد من الأصوات التي تؤهلها للوصول إلى كل دواليب الحكم، ثم تفتح البلاد أمام تيارات الإسلام السياسي بما يهيئ لها الأرضية الخصبة لتثبيت وإحكام سيطرتها على البلاد والعباد، وقبل إعلان "فصل الديني عن السياسي" داخل النهضة قال الغنوشي في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية إن حركته تريد القيام بنشاط سياسي يكون "مستقلاً تماماً" عن النشاط الديني. إعلانها صراحة بالقول "نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية المسلمة".

وذكرت صحيفة "لوبون" الفرنسية: إنه ثبت افتقار حركة النهضة لقاعدة شعبية حقيقية، بسبب تكتيكاتها الملتوية، سوء إدارة البلاد خلال الفترة الماضية، افتقاد التنظيم للاحترام الدولي، إلى جانب الانقسامات الداخلية.

إنّ انتماء حركة النهضة التونسية للرافد الإخواني المصري، والجماعة الإسلامية الباكستانية، وتنظيم الخميني بإيران جعلها غارقة في جملة من الإشكالات بين الفقهى والسياسي، والسرى والعلنى، الدولة واللا دولة، وغيرها، لذا فقد رفضها غالبية الشعب التونسي، وقد أفرزت تجربتها النهائية أنه يتم توظيفها في مخططات دولية وإقليمية، وإن الفشل كما يقول طارق البشبيشي لـ"حفريات": هو السيناريو الحتمي المكتوب على هذه الجماعة، التي أُنشات من أجل الفتن والخراب ومناهضة أي حكومة وعرقلة أي تنمية حقيقية في الدول التي ابتليت بوجودهم.

 طارق البشبيشي: أدارت النهضة عملها السياسي بنفس طريقتها في إدارة التنظيم وفشلت في التحول إلى إدارة دولة

أما الباحث هشام النجار فيؤكد، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "ارتباط النموذج بقوى خارجية داعمة وبمحور إقليمي له مصالح محددة من دعم هذا التيار وإيصاله للسلطة، هذا بحد ذاته السبب الرئيسي والمشترك في سقوط نماذج حكم كل أفرع الإسلام السياسي حتى التي تحلت ببعض البراغماتية والتلون مثل حركة النهضة، لأنه في النهاية كانت المحصلة واحدة وهي مع تلونها رهنت الثروات والإرادة الوطنية لقوى خارجية وحرمت التونسيين من هذه الثروات وعوائدها.

ويتابع: يضاف إلى ذلك العجز عن الادارة وتقديم نموذج إدارة سيئ لا يقدم إجابات واقعية عن مشكلات الناس اليومية ولا يطرح كوادر وخبرات تسهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المستعصية، ثالثاً تعويض هذا الفشل والعجز بالتحالف مع كيانات وأحزاب ورجال أعمال فاسدين ومكروهين من الشعب وهو ما ضاعف من نفور الناس من حركة النهضة وغيرها فهم سقطوا أخلاقياً وقيمياً وسياسياً فلم يكفهم فشلهم السياسي والإداري، وتحالفوا مع فاسدين اعتادوا سرقة المال العام والاختلاس وتبييض الأموال.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية