ليبيا... بين خطوات التسامح والتحالف

ليبيا... بين خطوات التسامح والتحالف


08/09/2021

جبريل العبيدي

خطوات مهمة جرت في ليبيا، منها إطلاق سراح معتقلين وسجناء يعود بعضهم «لأنصار» النظام السابق، ومنهم النجل الثاني للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ودعوات للكشف عن قبر معمر القذافي وتسليم جثمانه المخفي لأكثر من 10 سنوات.
خطوات رأى فيها بعضٌ طريقاً نحو التسامح والمصالحة، بينما شكّك فيها بعض واعتبرها محاولة للتأثير على الانتخابات بإعادة ترتيب قوائم الأصدقاء والأعداء، ولا تمثل خطوة تسامح ومصالحة وطنية، بل مجرد تحالفات جديدة قد تعيد رحى الحرب من جديد.
فالمصالحة الوطنية في ليبيا تتطلب التسامح، كما عبّر عنها شعار الأمم المتحدة: «تلتزم الأمم المتحدة تدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب».
أياً كانت التفسيرات المتضاربة، فإنَّ إطلاق سراح أي معتقل أو سجين يعتبر خطوة مهمة نحو المصالحة الوطنية، التي هي من أهم ركائز دعم الاستقرار في ليبيا، البلد المنكوب بالحروب والتدخلات الأجنبية والمرتزقة والفوضى، والحروب بالوكالة وتحوله إلى معبر للهجرة غير القانونية.
الحاجة ماسة وملحة فعلاً للمصالحة الوطنية في ليبيا من أجل النهوض وصنع التقدم قبل فوات الأوان، بعد سنوات من الظلم والتهجير والنزوح والملاحقة والعقاب الجماعي، لم يفلح معها أصحاب قرار «حماية» المدنيين الذي بسببه أُسقطت الدولة الليبية بطائرات الناتو، وليس فقط نظام القذافي.
الشروع في مصالحة وطنية شاملة والابتعاد عن اللغة الخشبية كالمطالبة بـ«كليب» حياً، فالتعنت وتغليب الذات على الوطن هو ما سيفسد أي مشروع للمصالحة الوطنية، ينطلق من بوابة جبر الضرر أو التعويضات عن فترة ظلم سابقة، ويعدّ خطوة أساسية للتصالح والقبول بالتسامح ونسيان آلام الماضي، فالأصل أن كل فعل خاطئ تسبب في ضرر للغير يوجب مسؤولية فاعله عن تعويض مُرضٍ.
لا بد من تعويض السكان الذين تعرضوا للتهجير القسري وخاصة سكان بلدة تاورغاء، الذين سكنوا أكواخ الصفيح وتنقلوا بين المدن والقرى والواحات، تطاردهم نظرات استعلائية، لم يكن فقط الجهلاء من يطلقونها، بل طالت من يمتهنون الثقافة حرفة، فقالوا عنهم بكل تكبر واستعلاء «إنهم مجرد بقايا رقيق»، لا لشيء إلا لأنهم وجدوا بين المطرقة والسندان عندما استغلهم النظام السابق، الذي تتزاحم اليوم زعامات في حراك فبراير (شباط) للتحالف مع «أنصاره»، وإن كان الأمر في نظري ليس خطأ لو كان لأجل المصالحة ودفن جروح وعذابات الماضي، وليس لمجرد إعادة ترتيب أجندة الأصدقاء والأعداء.
كما تشهد البلاد محاولات تنظيم «الإخوان» والإسلام السياسي الاستحواذ على ليبيا كاملة وحتى مقسمة لكن بالنفط، وهذا واضح من من محاولات بعض قياداته في إعادة رسم خريطة التحالفات الداخلية، ولهذا شهدنا انفراجة في ملف المعتقلين، ومنها إطلاق سراح نجل القذافي الساعدي، بعد سنوات من تبرئة المحكمة له من تهمة القتل، وهو الذي دفعت حكومة «الإخوان» أكثر من مليار دولار لحكومة النيجر لاستعادته ليقبع في السجن بضع سنين، ثم يفرج عنه ضمن صفقة سياسية لا تزال فصولها غامضة، وقابلة للتكهنات، على رأسها إعادة ترتيب ورسم خريطة تحالفات تنظيم «الإخوان» الجديدة، التي بالتأكيد ستتخلص منهم بمجرد وصولها للسلطة، «لا قدر الله».
منذ شهر رمضان الماضي، الذي مرَّ بلا حروب ولا قتال في ليبيا، استطاع الليبيون بعد عشر سنوات من دوي المدافع، سماع صوت الآذان واضحاً من دون أن تشوش عليه أصوات القذائف وأزيز الطائرات وجلجلة المدافع واهتزازات الرشاشات ولا طلقات بنادق القناصة، ولهذا تعتبر فرصة نادرة لانطلاق مشروع ناضج للمصالحة الوطنية يُبنى على أساس حق المواطنة، لا المغالبة السياسية أو القبلية، فأسلم نهج للتعايش في ظل وطن للجميع، هو التحرر من أي تعصب قبلي أو قومي أو إثني والتحرر من الشوفينية الإثنية، والابتعاد عن منهج التصادم والتضاد.
فالمهم اليوم هو العبور نحو الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، الذي يمثل يوم استقلال ليبيا، وقد تحققت خطوات بناءة في مشروع التسامح والمصالحة الوطنية.

عن "الشرق الأوسط" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية