ليبيا: لماذا يخشى الإخوان الانتخابات المقبلة؟

ليبيا: لماذا يخشى الإخوان الانتخابات المقبلة؟


10/06/2021

بغضّ النظر عن الاحتفاء الدولي بتشكيل السلطة الانتقالية في ليبيا، تبقى الحقائق كما هي؛ فلا انفراجة حقيقية حتى الآن بين الفرقاء، خصوصاً معسكر الإخوان المسلمين والميليشيات وتركيا، الذين لا يصبّ الاستقرار ووحدة البلاد في صالحهم، لذلك يسعون إلى عرقلة إجراء الانتخابات العامّة في أجلها المحدد، في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

بإمكان واشنطن، المؤيدة بشدة لإجراء الانتخابات، فرض عقوبات على معرقلي الانتقال السياسي، بعد إجازة الكونغرس لقانون يسمح بذلك، كما هدّدت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة

ولم تخفَ هذه النية عن المراقبين، وعضدها سلوك رئيس الحكومة الانتقالية، عبد الحميد الدبيبة، الذي لم يزر بنغازي حتى الآن، بينما لم يتردد في لقاء قادة الميليشيات وحضور العرض العسكري لميليشيات مصراتة، في حين دان عضو المجلس الرئاسي عن الغرب العرض العسكري المهيب للقيادة العامة للقوات المسلحة.

وبشكل عام؛ الحقائق على الأرض لم تتغير، وما حدث هو تصعيد وجوه جديدة من معسكر الإخوان وتركيا المتحالف مع الأطماع الجهوية لمدينة مصراتة التي ينحدر منها الدبيبة وغيره من القيادات التي تهيمن على السلطة.

القاعدة الدستورية

وفق اتفاق خارطة الطريق الذي توصل إليه المشاركون في الملتقى السياسي الليبي في تونس، والذي انبثقت عنه السلطة الانتقالية في ليبيا، ستعقد الانتخابات العامة في البلاد لكلّ من رئيس الجمهورية ومجلس النواب، في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وهو الهدف الذي من أجله تشكلت السلطة الانتقالية.

اجتماع اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي

ويحظى موعد الانتخابات بدعم محلي ودولي كبيرَين، ونصّ عليه قرارا مجلس الأمن الدولي حول ليبيا (رقم 2570 و2571)، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

 ولتحقيق ذلك حدّد المجلس تاريخ الأول من تموز (يوليو) المقبل موعداً نهائياً لتوضيح الأساس الدستوري (القاعدة الدستورية) الذي ستعقد الانتخابات بموجبه، وهي المهمة المنوطة بمجلس النواب وملتقى الحوار السياسي.

اقرأ أيضاً: كيف تحولت ليبيا إلى "ساحة تجارب" للروبوت التركي القاتل؟

وأخفق الملتقى في التوصل لقاعدة دستورية واضحة، بسبب الخلاف حول انتخاب رئيس الجمهورية وصلاحياته؛ بين فريق يطالب بانتخابه مباشرة من الشعب بالاقتراع السري، وآخر يريد انتخابه بطريق غير مباشر وبصلاحيات محدودة عبر مجلس النواب، وهم المؤيدون للإخوان المسلمين.

وأوضح المحلل السياسي الليبي، هيثم أحمد الورفلي، أنّ القاعدة الدستورية التي أعلنت عنها اللجنة القانونية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي هي عبارة عن تعديلات ومرحلة انتقالية جديدة، جاءت بعد أن تعذّر الاستفتاء حول مسودة الدستور، التي لم يتوافق عليها أغلب الشعب الليبي، وأثارت جدلاً واسعاً من قبل المكونات العرقية والاجتماعية كالتبو والطوارق والأمازيغ، فتعذّر الاستفتاء على هذه المسودة والتي يعرف الجميع نتيجتها مسبقاً.

وأشار الورفلي، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ مشروع الدستور الذي يطالب الإخوان بالاستفتاء عليه تمّ وضعه من قبل لجنة الستين التي يسيطر الإسلام السياسي عليها، الذي حرّف عمل اللجنة من صياغة دستور توافقي إلى دستور خلافي.

اقرأ أيضاً: ما هي فتنة إخوان ليبيا للوقيعة بين الجيش والحكومة والمجلس الرئاسي؟

وذكر الورفلي؛ أنّ عمل اللجنة القانونية المنبثقة عن الملتقى مشابه للجنة فبراير التي أنهت المؤتمر الوطني وأنتجت ورقة فبراير، التي ضُمنت في الإعلان الدستوري لعام 2011، وجرى انتخاب البرلمان عام 2014 وفقاً لها، ولم يقبل الإخوان والميليشيات بنتائج الانتخابات لأنّها لم تأتِ في صالحهم.

وأعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش، في بيان الرئاسة المشتركة للجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، في الثاني من شهر حزيران (يونيو) الجاري، إحالة نتائج انعقاد ملتقى الحوار في 26-27 أيار (مايو)، إلى مجلس النواب، بما في ذلك مقترح اللجنة القانونية المنبثقة عن الملتقى بشأن القاعدة الدستورية للانتخابات، ودعا المجلس إلى إيضاح القاعدة الدستورية للانتخابات وسنّ التشريع الانتخابي اللازم.

المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش

وحال إخفاق مجلس النواب في إقرار القاعدة الدستورية سيعود الأمر إلى ملتقى الحوار السياسي الليبي والأمم المتحدة، وكان المبعوث الأممي قد أوضح للجنة القانونية بضرورة عدم طرح أيّة مقترحات لا تتعلق بالقاعدة الدستورية، وذلك رداً على محاولات موالين للإخوان والغرب الليبي طرح الاستفتاء على الدستور قبيل الانتخابات، وهو ما رفضه سابقاً بيان السفارات الغربية الخمس.

وقالت عضو الملتقى السياسي، آمال بوقعيقيص، عبر صفحتها على "فيسبوك": "حال إخفاق النواب في إقرار القاعدة سيعود الأمر للملتقى مرة ثانية"، موضحة أنّ مطلب الشعب هو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مباشرة من الشعب.

اقرأ أيضاً: هل لإخوان ليبيا علاقة بتفجير سبها؟ وما الرسالة التي يوجهونها؟

وأشارت بوقعيقيص إلى أنّ البعض يرغب في صلاحيات ضيقة للرئيس لا تسمح له بحلّ مجلس النواب، وتعطيه الحقّ في اختيار رئيس الوزراء بشرط موافقة مجلس النواب، إلى جانب الصلاحيات البروتوكولية، تذرعاً بأنّه لم يتم تحديد شكل نظام الحكم في الدستور الدائم،  وأوضحت عضو الملتقى؛ أنّ لهذا الخيار مكاسب، منها؛ إجراء الانتخابات، وتجنّب تغوّل الرئيس بصلاحيات واسعة على الدولة، وتكريس العمل لإقرار دستور دائم.

عراقيل الإخوان

ورغم أنّ دفع المجتمع الدولي نحو إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وفق قاعدة دستورية ورفض طرح دستور عام 2017 الذي أعدته لجنة منبثقة عن الاتفاق السياسي لعام 2015، إلا أنّ الإخوان يدفعون إلى الاستفتاء؛ أولاً بحجج عديدة، من بينها رفض الدخول لمرحلة انتقالية جديدة، وهي كلمة حقّ لا يراد من ورائها سوى تأجيل الانتخابات، أو فرض انتخاب الرئيس من البرلمان ودون صلاحيات، كونهم لا يمتلكون مرشحاً قادراً على المنافسة على رئاسة الجمهورية.

القيادي الإخواني خالد المشري في لقاء مع أردوغان

وعبّر القيادي الإخواني، رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، في مؤتمر صحفي، في الثامن من الشهر الجاري، عن تخوفه من أنّ الانتخاب المباشر لرئيس الدولة وفق القاعدة الدستورية بصلاحيات واسعة، قد يؤدي إلى موجة عنف، إن رفض البعض نتائج الانتخابات، وهي الذريعة السابقة التي تحجج بها الإخوان للانقلاب على الانتخابات عام 2014.

وقال المشري؛ إنّ مجلس الدولة متمسك بإجراء الاستفتاء على الدستور قبل الانتخابات، مؤكداً القدرة على إنجاز هذا الاستحقاق دون تعارض مع الموعد المحدد للانتخابات العامة، في كانون الأول (ديسمبر) من العام الجاري، الذي أكّد على التمسك به.

المحلل السياسي الليبي هيثم الورفلي لـ "حفريات": الإخوان يخشون ترشّح المشير حفتر في الانتخابات الرئاسية؛ لما له من شعبية جارفة في الشرق والجنوب، وفي الغرب أيضاً

ومن جانبه، لفت المحلل السياسي، هيثم الورفلي، إلى أنّ الأمم المتحدة لا تريد إقرار قاعدة دستورية مطعون فيها، ولذلك تؤكد أنّ مجلس النواب هو الجهة الوحيدة المخولة بإقرار القاعدة وتضمينها في الإعلان الدستوري.

وحول موقف الإخوان، أوضح الورفلي أنّ الإخوان يخشون ترشّح المشير حفتر في الانتخابات الرئاسية؛ لما له من شعبية جارفة في الشرق والجنوب، وشعبية كبيرة في الغرب أيضاً؛ لذلك يعرقلون إجراء الانتخابات، أو إجرائها مع تفريغ منصب الرئاسة من الصلاحيات.

عقوبات دولية

واستناداً إلى صدور قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع فمن حقّ المجلس فرض عقوبات دولية على معرقلي الانتخابات، وهو الأمر الذي يتطلب إجماع دولي حوله، ولهذا كثّف المبعوث الأممي لقاءاته مع القوى المحلية والإقليمية والدولية للضغط نحو الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها.

الناشط والمحلل السياسي الليبي، هيثم أحمد الورفلي

وإلى جانب ذلك، بإمكان واشنطن، المؤيدة بشدة لإجراء الانتخابات، فرض عقوبات على معرقلي الانتقال السياسي، بعد إجازة الكونغرس لقانون يسمح بذلك، كما هدّدت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أيّ شخص يعرقل أو يقوض الانتخابات المخطط لها في خارطة طريق منتدى الحوار السياسي الليبي، بالخضوع لعقوبات.

ومن المنتظر عقد مؤتمر "برلين "،2 في 23 من الشهر الجاري، لبحث إجراء الانتخابات وسحب المرتزقة وتوحيد المؤسسة العسكرية.

 ويأتي المؤتمر ليزيد من الزخم الدولي لعقد الانتخابات في موعدها، ومواجهة أية انحرافات محلية عن ذلك.

إلى جانب ذلك، دعا 12 حزباً وتكتلاً سياسياً بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى "قطع الطريق أمام أيّة محاولة لتعطيل أو عرقلة الاستحقاق الانتخابي، المقرر في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل"، وطالبت باتخاذ "إجراءات عاجلة" ضدّ هذه المحاولات ومحرّكيها، في إشارة إلى الإخوان المسلمين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية