ليبيا: هل تورّطت جهات استخبارية في اغتيال حنان البرعصي؟

ليبيا: هل تورّطت جهات استخبارية في اغتيال حنان البرعصي؟


17/11/2020

بفعل الماكينة الإعلامية الإخوانية، عبر وسائل الإعلام التقليدية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتصريحات مسؤولين في حكومة الوفاق الليبية، تحوّل مقتل المحامية والناشطة الحقوقية حنان البرعصي، إلى قضية سياسية استثمرتها أطراف ذات أجندة أيديولوجية معروفة.

 وكانت شهدت مدينة بنغازي، شرق ليبيا، جريمة اغتيال في وضح النهار، على يد مجهولين، راحت ضحيّتها البرعصي، ولاذ المهاجمون بالفرار. واتُهم بذلك صدام حفتر، نجل المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني.

واستند متهمو صدام حفتر، إلى مقطع فيديو للبرعصي، بثّته عبر الفيسبوك، في الليلة التي سبقت اغتيالها، وهاجمت فيه صدام حفتر. لكنّ الذريعة نفسها تفنّد ادّعاءات الإخوان، فلو كان صدام قرّر اغتيال البرعصي، لما أقدم على ذلك عقب اتهامها له مباشرة، ولم يكن في مصلحته اغتيالها في وضح النهار،  وسط أكثر شوارع بنغازي ازدحاماً.

صورة سابقة تجمع حفتر والبرعصي

ومن خلال الرجوع إلى مسيرة حنان البرعصي السياسية في بنغازي، وتتبّع الجهات والشخصيات التي هاجمتها مراراً، يصل البعض إلى افتراضَين حول اغتيالها؛ الأول أنّها راحت ضحية سوء استغلال السلطة، من قبل بعض النافذين في الأجهزة الأمنية، وليس الجيش الوطني الليبي.

والفرضية الثانية؛ هي ضلوع جهات استخباريّة وراء اغتيالها، ومن قبل وراء صعود الراحلة للمشهد السياسي، دون أن يعني ذلك تشكيكاً في شخصها، بل ربما استُخدمت دون علمها.

ماذا قالت الشرطة؟

قالت مديرية أمن بنغازي؛ إنّ الجناة حاولوا خطف البرعصي، وأطلقوا عدداً من الأعيرة النارية ما أرداها قتيلة، ثم فرّوا على متن سيارتيَن معتّمتيَن، سالكين أحد الشوارع الفرعية.

الأجهزة الأمنية قصّرت في حماية حنان البرعصي، ولم تدرك ما يمثّله أمنها من أهمية، لتفويت الفرصة على استغلال النشطاء في الحرب ضدّ الجيش الوطني

وأكّدت المديرية، في بيانها المنشور عبر صفحتها على الفيسبوك: أنّ "التحقيقات جارية بمختلف الأقسام والوحدات، وأنّ أعمال التعقب مستمرة ولن تتوقّف لحين الوصول إلى ضبط الجناة، وتقديمهم إلى العدالة".

وشدّد بيان المديرية على أنّ هذه الأعمال "لا تمثّل الدولة التي ننشدها جميعاً، وأنّ المعنيّ بها هم مرتكبوها".

وعرفت الناشطة، التي أطلقت على نفسها اسم "عزوز برقة" بانتقاداتها الحادّة، التي طالت المسؤولين المدنيين والأمنيين، وضباط بالجيش الوطني الليبي، وشخصيات مرتبطة بالسلطة في بنغازي. وتبنّت البرعصي قضايا مثيرة للجدل حول اتهامات وجهتها فتيات ليبيات إلى مسؤولين أمنيين في بنغازي.

اقرأ أيضاً: قطر ووهم السيطرة على ليبيا

وتعدّ البرعصي من المؤيدين للرئيس الراحل، معمّر القذافي، وتصف ثورة فبراير بأنّها "نكبة"، وتؤيد عمليّة الكرامة، ودور الجيش الوطني في تخليص ليبيا من الإرهابيين، كما تهاجم المرتزقة السوريين والتواجد العسكريّ التركيّ.

انتشار أمني في بنغازي

وعقب اغتيالها؛ نشطت اللجان الإعلامية، التابعة للإخوان والميليشيات في ليبيا، في الترويج لاتهام صدّام خليفة حفتر، نجل المشير حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، بالمسؤولية عن اغتيالها.

ونشرت وسائل الإعلام الموالية للإخوان أخباراً كاذبة عن تورّط شريف الميرغني، أحد العناصر الأمنية، في اغتيال البرعصي، ثمّ نشرت أخباراً عن اغتيال قيادات أمنية في الشرق للميرغني.

المحلل السياسي الليبي عمر بو أسعيدة لـ"حفريات": يروّج الإخوان معلومات غير صحيحة، لاستغلال اغتيال البرعصي  لصالحهم، وتشويه صورة المشير حفتر، والجيش الوطني

وشهدت بنغازي حالة من الارتباك عقب العملية، وتواردت بلاغات عن اكتشاف جثّة مجهولة بمنطقة الهواري، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار مزيّفة، هدفها بثّ الخوف في المدينة.

وردّاً على ذلك؛ أصدرت مديرية أمن بنغازي بياناً، أكّدت فيه؛ أنّ هذه اﻷخبار واﻹشاعات مغلوطة تماماً.

وجاء في البيان: "هذه المزاعم التي تداولتها بعض وسائل الإعلام، وبعض صفحات التواصل الأجتماعي، والتي تصطاد في الماء العكر، والداعمة للجماعات الإرهابية، عقب هزيمتها في مدينة بنغازي بفضل قواتنا المسلحة، و هذه الأخبار ما هي إلّا شائعات، الغرض منها إظهار مدينة بنغازي على أنّها غير آمنة، وهذه شائعات عكس حقيقة الواقع".

حرب إعلامية

وفي سياق الحرب الإعلامية التي شنّتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الإخوانية؛ ردّ أيمن، نجل الراحلة حنان البرعصي، بنشر مقطع فيديو مباشر، بصحبة شريف الميرغني، نفى فيه الاتّهامات الموجهة للميرغني، وأكّد على تمسّكه وعائلته بمسار التحقيق الذي تجريه الجهات الأمنية، للوقوف على مرتكبي الجريمة.

مرتزقة سوريون في ليبيا

وتبنّت الماكينة الإعلامية الإخوانية اتّهام صدام حفتر بارتكاب الجريمة، ونشرت مواقع شبكة الجزيرة الإعلامية، والمواقع التركية أخباراً تتّهم صدام بالوقوف وراء الجريمة، مستندين إلى الفيديو الذي هاجمت فيه صدام حفتر.

ولم تكن هذه المرة الأولى للبرعصي في مهاجمة أبناء المشير حفتر؛ ففي فيديو سابق هاجمت خالد وصدّام حفتر، وطالبت المشير حفتر بعدم منحهما امتيازات، على حساب الجيش الليبي، ولم تتعرض للاغتيال عقب ذلك.

وكان وزير الداخلية، المفوّض في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، قد دان الاغتيال، واتّهم المشير حفتر، بشكل غير مباشر، في ذلك. وقال: "اغتيال الحقوقيين وأصحاب الرأي وتكميم الأفواه جريمة نكراء، وشكل مشين من أشكال الاستبداد، ومحاولة يائسة لوأد الأمل في قيام دولة مدنية ديمقراطية".

اقرأ أيضاً: كيف تورّطت تركيا بدعم الإرهاب في سوريا وليبيا والقوقاز؟

ودانت الأمم المتحدة، وسفراء ألمانيا والولايات المتحدة، ومنظمة العفو الدولية الجريمة، وطالبوا بالتحقيق الشفاف.

ومن جانبها، تبنّت القيادة العامة للجيش الوطني مبدأ التحقيق الشفاف للوقوف على مرتكبي الجريمة، ودانت، في بيان رسمي، اغتيال البرعصي.

وروّج الإعلام التابع للإخوان، خبراً حول عودة المسلحين إلى شارع 20، عقب الاغتيال، لمصادرة أشرطة كاميرات المراقبة من المحلات التجارية، ونشروا صوراً لملثمين، قالوا "إنّهم مرتكبو الحادث".

وتعليقاً على ذلك؛ يقول المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة: "يروّج الإخوان معلومات، غير صحيحة، لاستغلال الحادث لصالحهم، وتشويه صورة المشير حفتر، والجيش الوطني، مثلما زعموا عن عودة المسلحين، أو الصور المنشورة".

ويردف بو أسعيدة، لـ "حفريات": "لم يحدث أن عاد المسلّحون، وأشرطة المراقبة بحوزة السلطات، والصور المنشورة غير صحيحة، بل مأخوذة من موقع إدارة البحث الجنائي في بنغازي، بعد تعرّضه لعملية قرصنة، إلى جانب أنّ الشارع كان مزدحماً بالمارة؛ ما يعني وجود عشرات شهود العيان، الذين بدأت الأجهزة الأمنية في سؤالهم".

هل قتل الفساد البرعصي؟

واتّخذت القيادة العامة للجيش الوطني عدّة إجراءات عقب الحادث، بهدف ضبط الأمن في بنغازي، وحول ذلك، يقول بو أسعيدة: "كلّفت القيادة العامة مدراء الأمن، والبحث الجنائي، والتحرّيات، بمتابعة التحقيقات بدقة. وكلّفت أمر السريّة 55، التابعة إلى لواء طارق بن زياد، بدعم الجهات الأمنية داخل مدينة بنغازي، والانتشار في شوارع المدينة، ومتابعة كلّ الخروقات الأمنية. وأصدرت قراراً بإخلاء المقرات العسكرية داخل المدينة، وحلّ بعض الكتائب المساندة مثل كتيبة أولياء الدّم، وإخلاء المساكن التي كانت مقرّات للدواعش سابقاً، بسبب استغلالها من قبل البعض في أنشطة غير قانونية".

اقرأ أيضاً: الغنوشي: 40% من مشاكل تونس حلها في ليبيا

ويتابع بو أسعيدة: "كما كلّفت اللواء عبد السلام الحاسي، آمر غرفة عمليات الكرامة سابقاً، بقيادة القوات الخاصة، خلفاً للراحل اللواء، ونيس بوخمادة، وهي خطوة جاءت لطمأنة الناس، لما يحظى به الحاسي والقوات الخاصة من حبّ واحترام في المدينة، بما يسهّل عملية ضبط الأمن".

وقبيل اغتيال البرعصي بساعة؛ نشرت مقطع فيديو تهاجم فيه الفاسدين في إدارة بنغازي، على حدّ قولها، دون أن تسمّي أحداً منهم، واتّهمتهم بمحاولة اغتيال ابنتها، حنان، دون أن تشير إلى اسم صدام حفتر.

وحول ذلك، يقول المحلل السياسي الليبي، بو أسعيدة: "هناك فرضيتان حول اغتيال البرعصي، الأولى تورّط مسؤولين نافذين في مؤسسات أمنية في بنغازي، خوفاً من كشف أمرهم، نتيجة لتربّحهم من مناصبهم، وهؤلاء هاجمتهم البرعصي كثيراً، وبعضهم وظّفها، بشكل غير مباشر، لتحقيق مصالح خاصة".
ويردف بو
أسعيدة: "وهؤلاء استغلوا هجومها على صدام حفتر لارتكاب الجريمة، كي تبعد الشبهات عنهم، وتذهب إلى صدام، وبالطبع الجيش الوطني بعيد عن ذلك، وستذهب التهمة إلى بقايا الخلايا الإرهابية، وفي الحالتَين ستبعد الشبهات عنهم".

فرضية العمل الاستخباراتي؟

والفرضية الثانية حول اغتيال حنان البرعصي؛ هي وجود يد خارجيّة وراء الجريمة، تهدف إلى تشويه صورة المشير حفتر، والجيش الوطني، ونشر الخوف والاضطراب الأمني داخل المدينة، وخلق فتنة بين المكونات الليبية.

وعن تلك الفرضية، يقول بو أسعيدة: "سلّط الإعلام الموالي للإخوان الضوء بشدة على حنان البرعصي، منذ أن بدأت بمهاجمة المسؤولين في المنطقة الشرقية، وساهم ذلك في زيادة حدّة هجومها، وتناولها لقادة في الجيش الوطني بالاتهام، حتى وصلت إلى مرحلة لو تمّ اغتيالها فيها يكون من السهل اتهام المشير حفتر".

ويضيف بو أسعيدة، لـ "حفريات": "لا يعني ذلك أنّها عملت لصالح أحد، لكنّ من استغل معارضتها إعلامياً، وجد في هذا التوقيت فرصةً لخلق مشاكل للشرق عبر اغتيالها، خصوصاً في توقيت انعقاد ملتقى الحوار في تونس، وانعقاد اللجنة العسكرية 5 + 5".

اقرأ أيضاً: تنظيم داعش يعود إلى مدن غرب ليبيا... من المسؤول؟

ويرى بو أسعيدة؛ أنّ "الأجهزة الأمنية قصّرت في حماية الناشطة حنان البرعصي، ولم تدرك ما يمثّله أمنها من أهمية، لتفويت الفرصة على استغلال النشطاء في الحرب ضدّ الجيش الوطني، وهي مسألة أدركتها القيادة العامة، عبر الإجراءات الأمنية الأخيرة".

وتعرّضت عدّة ناشطات ليبيّات للاغتيال في عدّة مدن ليبية، من بينهنّ؛ الناشطة انتصار الحصائري، عام 2015، في طرابلس، والناشطة سارة الديب، عام 2014، في طرابلس، والناشطة والحقوقية الليبية، سلوى بوقعقيص، عام 2014، في بنغازي، وغيرهنّ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية