ليبيا: هل يخطط الدبيبة للترشح للانتخابات الرئاسية؟

ليبيا: هل يخطط الدبيبة للترشح للانتخابات الرئاسية؟


04/11/2021

كان من المفترض برئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، أنّ يكون جزءاً من الحلّ في ليبيا، بتمهيد البلاد خلال المرحلة الانتقالية لتنظيم الانتخابات العامة المقررة في أواخر الشهر المقبل، وذلك بالدفع نحو إخراج المرتزقة، وتفكيك الميليشيات، وتحقيق قدر معقول من المصالحة الوطنية، وفرض الأمن، مع إدارة اقتصادية تحقق الخدمات العامة وتنهض بالمؤسسات، وفق المدة الانتقالية.

وما حدث أنّ الدبيبة بات جزءاً من المشكلة، فدخل في خلافات مع البرلمان بسبب الإنفاق العام، وسُحبت الثقة من حكومته، وتسبب انحيازه إلى إقليم طرابلس، ومعاداته الفجة لإقليم برقة موطن القيادة العامة للقوات المسلحة، بقيادة المشير حفتر، إلى انشقاق نائبه وعدة وزراء ووكلاء وزارات من برقة.

الميليشيات والمرتزقة والوجود الأجنبي مهددات للعملية الانتخابية

والمتابع لتحركات الرجل الداخلية والخارجية يُدرك أنّ ما يطرحه ليست خطط لرئيس حكومة من المفترض أنّ يُقدم استقالته خلال شهرين على الأكثر، إذا ما عُقدت الانتخابات في موعدها، فحجم الاتفاقيات الخارجية والإنفاق العام الداخلي يكشف عن رجل يوظف السلطة والمال العام في تأمين دعم إقليمي وشعبية بين الليبيين، دون مراعاة للمصلحة العامة للدولة، ولتحقيق هدفه حاول الدبيبة الحصول على شرعية دولية وإقليمية لتمديد عمر حكومته، وحين أخفق في ذلك كان الخيار الثاني هو الترشح للانتخابات الرئاسية.

الدبيبة والانتخابات

سعى عبد الحميد الدبيبة للحصول على الدعم الدولي للتمديد في عمر السلطة الانتقالية؛ المجلس الرئاسي والحكومة، ليظل على رأس الحكومة لفترة أخرى، بدعوى تأهيل البلاد للانتخابات بعد فترة انتقالية أخرى، يُجرى خلالها إقرار الدستور أولاً عبر الاستفتاء الشعبي، ثم الدخول في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفق نظام برلماني تكون فيه السلطة لرئيس الحكومة، ورغم أنّ الدبيبة لم يصرح بأي شكل سوى بالالتزام بموعد الانتخابات العامة في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، إلا أنّ خطوات الرجل والمصالح التي نسجها خلال المدة الانتقالية بتمكين عائلته في مناصب عليا، وعلاقاته القوية بجماعة الإخوان المسلمين، وخطابه العدائي تجاه إقليم برقة والجيش الوطني ومجلس النواب، والعلاقات القوية بتركيا وغيرها من القوى الإقليمية، القائمة على توزيع حصص من إعادة الإعمار، ترتبط ببقائه في السلطة، كلها مؤشرات على أنّه بات جزءاً من الصراع السياسي في البلاد، وأنّه يستغل مكانته كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية، لأن يظل على رأس السلطة التنفيذية.

اقرأ أيضاً: الانقسامات تعصف بليبيا: ما مصير حكومة الدبيبة؟

وأمام الإصرار المحلي والإقليمي والدولي على إجراء الانتخابات العامة؛ الرئاسية والنيابية في موعدها، بدل الدبيبة خطته إلى الترشح لمنصب الرئاسة، أو الوجود على رأس الحكومة مع مرشح رئاسي من المنطقة الشرقية، كوّن قانون انتخاب الرئيس الصادر عن مجلس النواب في الرابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ينصّ على أنّ يكون "الرئيس، نائب الرئيس، رئيس الحكومة" من الأقاليم الليبية الجغرافية؛ برقة، وطرابلس، وفزان.

المبعوث الأممي في اجتماع مع رئيس مفوضية الانتخابات

وكانت أول إشارة مؤكدة على نية الدبيبة وأحد كبار المسؤولين في السلطة الانتقالية بالتحالف مع الدبيبة للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة هو الطلب الذي قدمه رئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السايح إلى مجلس النواب، بإدخال عدّة تعديلات على قانون انتخاب الرئيس، وخصوصاً المادة (12) التي تنص على: "يعد كل مواطن سواء كان مدنياً أو عسكرياً متوقفاً عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم ينتخب فإنه يعود لسابق عمله وتصرف له مستحقاته كافة"، وهو ما يعني أنّ أي مسؤول رسمي إذا رغب في الترشح للانتخابات الرئاسية كان عليه الاستقالة من منصبه بحد أقصى في 24 أيلول (سبتمبر) الماضي، وإلا لا يجوز له الترشح، بينما طلبت مفوضية الانتخابات تعديل هذه المادة لتلغي مدة الأشهر الثلاثة قبل موعد الانتخابات، للسماح للمسؤولين الرسميين بالترشح وهم في مناصبهم الحالية، أو الاستقالة وقت إعلان الترشح رسمياً.

غموض الموقف الدولي

وعلى من الدعم الدولي سواء عبر الأمم المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة لعقد الانتخابات العامة في موعدها، إلا أنّ الطريقة التي صدرت بها القوانين الانتخابية عن مجلس النواب لا تلقى قبولاً كبيراً لدى هذه الأطراف، خصوصاً الأمم المتحدة ممثلة في البعثة الأممية وبريطانيا، وذلك لأنّ هذه الأطراف كانت تُفضل صياغة القاعدة الدستورية بالتوافق عن ملتقى الحوار السياسي، ثم تصدر بقوانين عن مجلس النواب في اجتماع كامل العدد، ولكن بعد إخفاق الملتقى في التوصل لتوافق حول القاعدة الدستورية، قام مجلس النواب بإصدار قانوني؛ الانتخابات الرئاسية وبعده الانتخابات التشريعية.

دعمت البعثة الأممية مطلب مفوضية الانتخابات بتعديل المادة (12) من قانون انتخاب الرئيس، ربما لفتح الباب لعبد الحميد الدبيبة أو تحالف المنفي - الدبيبة للترشح

ونصّت إحدى مواد الاتفاق السياسي لعام 2015 على الشراكة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الاتفاق على القوانين الانتخابية، ثم تصدر عن النواب بقوانين، مع التأكيد على أنّه الجهة التشريعية الوحيدة، بينما يرى رئيس مجلس النواب وعدد كبير من الأعضاء أنّ التشريع حقّ خاص بالمجلس، ولا إلزام في مشاورة المجلس الأعلى، وعلى الرغم من صحة رؤية النواب، إلا أنّ هناك ملاحظات عديدة على عمل المجلس، تتعلق باستكمال النصاب القانوني لإصدار هذه القوانين المهمة، وكذلك ضرورة التوافق عليها حتى تقبل جميع أطراف الصراع بعقد الانتخابات والقبول بنتائجها.

ولهذا السبب دعمت البعثة الأممية مطلب مفوضية الانتخابات بتعديل المادة (12) من قانون انتخاب الرئيس، ربما لفتح الباب للدبيبة أو تحالف المنفي - الدبيبة للترشح، للبناء على وجود السلطة الانتقالية وما حققته من قبول نسبي في الغرب الليبي، وتيقناً منها بعدم قبول نتائج الانتخابات إذا جاءت بالمشير حفتر، والذي لم يعلن ترشحه بعد، وربما تريد البعثة إتاحة الفرصة للدبيبة للترشح لقطع الطريق على محاولاته تمديد الفترة الانتقالية بدعم الإخوان المسلمين.

 

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل يتكرر سيناريو حكومة الوفاق مع حكومة الدبيبة؟

وكان مجلس النواب رفض طلب مفوضية الانتخابات بتعديل المادة (12)، وعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتوازي، بدلاً من التتابع، وهو ما أيدته البعثة الأممية في دعوة رسمية إلى النواب، ورداً على ذلك أدان بيان موقع من عدد 44 نائباً برلمانياً ما وصفوه بتدخل البعثة الأممية في الشؤون الداخلية للمجلس، وتراجعها عن الالتزام بمواعيد الانتخابات.

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط: يجب على مجلس النواب عدم السكوت على هذا البيان

ويقول المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط إنّ بيان البعثة الأممية الموجه إلى مجلس النواب لو قالت فيه "اسمحوا لعبدالحميد الدبيبة بالترشح" لكان أفضل وأكثر اختصاراً بدل الحديث الملتوي، ويجب على مجلس النواب عدم السكوت على هذا البيان وعدم الاكتفاء ببيان الـ 44 عضواً، ويجب أنّ يمثّل الرد المجلس بالكامل، ويطالب البعثة بإلتزام حدودها، وأنّ تحترم رعايتها لاتفاق جنيف الذي وقع فيه الدبيبة والمنفي ومن معهم على تعهدات بعدم الترشح لانتخابات 24 ديسمبر.

المحلل السياسي هيثم الورفلي لـ"حفريات": عبد الحميد الدبيبة حاول تمديد حكومته ولم ينجح، ولهذا فالانتخابات هي السبيل الوحيد أمامه للتنافس على السلطة

وأضاف قشوط لـ"حفريات": من غير المنطقي أن يسمح لمن رفض القوانين الانتخابية، وعمل على الانقلاب عليها، بأن يُفتح باب التعديل لـ "سواد عيونه" لكي يترشح بعدما اقتنع أن كل محاولاته لعرقلة الانتخابات فشلت، وكذا أن يعتبر مستقيلاً من يوم ترشحه فقط، ما يعني أن يستقيل الدبيبة قبل الانتخابات بيومين، وطيلة هذه الفترة يستغل منصبه وصلاحياته للدعاية لنفسه.

وفي سياق الانتخابات، طرح نائب رئيس المجلس الرئاسي عن طرابلس، عبد الله اللافي، مبادرة لتأجيل الانتخابات على أنّ تُختتم في آذار (مارس) العام المقبل، بانتخاب رئيس الدولة والبرلمان، وفق قوانين انتخابية تحظى بموافقة النواب والمجلس الأعلى للدولة، برئاسة الإخواني خالد المشري، على أنّ يتولى المجلس الرئاسي إصدار القوانين بمراسيم انتخابية حال أخفق الطرفان في التوافق، وهو ما رفضه نائب رئيس المجلس الرئاسي عن فزان، موسى الكوني، بينما رحبت البعثة الأممية بما وصفته "جهود المجلس الرئاسي لبناء توافق وطني حول الانتخابات".

جانب آخر لترشح الدبيبة

وشهدت الأشهر الماضية تنافساً بين الدبيبة ومجلس النواب في اعتماد منح للمواطنين، بدايةً بإعلان الدبيبة عن منحة لكل شاب يرغب في الزواج، وقرر تقديم مليار دينار ليبي لهذه المنحة (223 مليون دولار تقريباً)، و1.7 مليار دينار لدعم سكن الشباب، ورداً عليه أقر النواب قانون بتقديم منح للأسر، وأعاد الدبيبة تخصيص مبلغ مليار دينار أخرى لمنحة الزواج، وهي أمور تدعم حظوظه الانتخابية، وتعتبر استغلال للسلطة ضد المنافسين الآخرين.

 

اقرأ أيضاً: الدبيبة والاخوان.. جمعة اسقاط البرلمان

ويرى المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي، أنّ رئيس مفوضية الانتخابات يريد لجميع الشخصيات أن يكون لها حق الترشح، ويرفض إقصاء أي شخصية حتى يستطيع الجميع المنافسة على كرسي الرئاسة، بينما يرفض جزء من النواب تدخل المفوضية والبعثة.

وأضاف الورفلي لـ"حفريات": إلى جانب الخوف من استغلال السلطة للدعاية الانتخابية حال ترشح الدبيبة، هناك مخاوف من التزوير، كوّن وزارة الداخلية تتبع له، فضلاً عن توقيعه على اتفاق بعدم الترشح للانتخابات أمام الملتقى السياسي والبعثة الأممية والشعب الليبي، ولهذا من غير الأخلاقي أنّ يُرشح نفسه، ورغم ذلك من حقّ الجميع الترشح ويختار الشعب من يمثّله".

 

اقرأ أيضاً: مليون عامل مصري إلى ليبيا لإعادة الأعمار... هذا ما قاله الدبيبة

وأشار الورفلي إلى جانب آخر حال ترشح الدبيبة، وهو تعزيز القبول بنتائج الانتخابات، خصوصاً أنّ الدبيبة حاول تمديد حكومته ولم ينجح، ولهذا فالانتخابات هي السبيل الوحيد أمامه للتنافس على السلطة، ودخوله فيها يقطع الطريق على عقده تحالفات مع الفريق الرافض لانتخابات الرئاسة، خصوصاً الإخوان المسلمين.

المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي: إلى جانب الخوف من استغلال السلطة للدعاية الانتخابية حال ترشح الدبيبة، هناك مخاوف من التزوير، كوّن وزارة الداخلية تتبع له

ومن المحتمل ألا تُعقد الانتخابات في يوم 24 من الشهر المقبل، إذ لم تُعلن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بعد عن الجدول الانتخابي، وربما تتأخر لأيام بعدها حال تمّ التوافق مع مجلس النواب على النقاط الخلافية، ومن جانب آخر مازال خطر عرقلة الإخوان المسلمين للانتخابات قائماً، استناداً إلى حجج عدم تشاور النواب مع المجلس الأعلى للدولة، ومن خلال نشر الفوضى في المنطقة الغربية، وتأليب رؤساء بلديات لعرقلة الانتخابات في مناطقهم.

والمؤكد أنّه لا تراجع عن عقد الانتخابات في موعدها أو بعد الموعد بوقت قليل، وفي سياق ذلك توالت بيانات السفارات الخمس (فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) تأكيداً على الانتخابات، وهددت السفارات في بيانها الأخير بتاريخ 25 من الشهر الماضي بفرض عقوبات على "الأفراد أو الكيانات المشاركة في الأعمال التي تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو التي تعرقل أو تقوض نجاح عملية الانتقال السياسي، أو التي تقدّم الدعم لهذه الأعمال"، وقد تشمل العقوبات "تدابير حظر السفر وتجميد الأصول".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية