مأزق الدولة الدينية في إيران.. هل يحتضر نظام الملالي فعلاً؟

مأزق الدولة الدينية في إيران.. هل يحتضر نظام الملالي فعلاً؟


07/01/2020

زعمت جماعات الإسلام السياسي ومن شايعها أنه يمكنهم إقامة دولة تستند إلى الدين ونصوصه التي تشكلت عبر التاريخ الإسلامي؛ أي إنّ سدنة الدين والناطقين باسمه يريدون أن يدمجوا الدين كنصٍ متعال ومطلق في الحياة اليومية النسبية المدنسة! وذلك بنزع بعض نصوصه التي تحدثت في مسائل الحياة اليومية للناس وقت التدشين ووضعها في سياقنا اليومي المعاصر، متناسين أسباب نزول هذه الآيات وسياقاتها الخاصة بها، وذلك بالاتكاء على آراء رجال المذاهب الذين وضعوا قواعد فقهية استنبطوها بما يناسب زمانهم.

مثلت إيران حلم الإسلامويين في إقامة دولة الشريعة أو دولة الله في الأرض

وهذه الأطروحة تشترك فيها أغلب جماعات الإسلامويين من سنة و شيعة؛ فهم ينادون بالدولة الدينية التي تطبق ما جاء في كتب الفقهاء بحجة أنّها تصلح لكل زمان ومكان، وقد مثلت إيران حلم الإسلامويين في إقامة دولة الشريعة أو دولة الله في الأرض؛ فالخميني ومنذ اختطافه لثورة الشعب الإيراني عام 1979 التي سميت زوراً بـ"الثورة الإسلامية" أو "الخمينية"، أعلن عن قيام  الجمهورية الإسلامية؛ أي دولة الفقيه الدينية، فحقق بذلك حلمه الذي دعا إليه في  كتابه "الحكومة الإسلامية" الصادر عام 1969م، ورغم طرحه المثالي، فيه، عن الدولة الدينية الفاضلة التي تسوس الناس بالعدل والمساواة، وضع بنداً في دستور جمهوريته ينص على أن المذهب الرسمي للدولة هو، الجعفري الإمامي، وفي بندٍ آخر يشترط في رئيس الجمهورية أن يكون مُعتقداً بالمذهب الرسمي لها؛ أي أن يكون شيعياً إمامياً، إذن انقلب آية الله على طروحاته،  وأعطى الأولوية للمذهب على حساب المواطنة والمساواة بين الناس، وعلى حساب المذاهب والديانات الأخرى في إيران.

اقرأ أيضاً: الخميني وزواج المتعة مع الغرب

وبذلك، زرع الخميني بذرة فناء دولته الطوباوية، حين ميّز بين الناس على أساس الدين والتديُّن؛ وهنا يكمن مأزق دعاة الدولة الدينية التي تريد تطويع الواقع لصالح مقولاتٍ دينية تنتمي لعالم الغيب والإيمان، مما يفضي إلى إهدار حقوق الآخرين المخالفين في المذهب والدين والعرق.

لقد أظهرت مسيرة جمهورية المرشد الإسلاموية أنها دولة ثيوقراطية

لقد أظهرت مسيرة جمهورية المرشد الإسلاموية أنّها دولة ثيوقراطية تحت حكم رجلٍ واحد يزعم حراسة الدين والدنيا نيابة عن الوصي الذي ينطق بلسان السماء؛ فالسلطة كلها بيد الولي الفقيه الذي هو فوق جميع السلطات بما فيها سلطة رئيس الدولة والبرلمان المنتخبان من الشعب!

ولكي يقطع الخميني الطريق على أية محاولة إصلاحية لنظام الحكم في إيران يمكن أن تهدد حكم الملالي، أوجد مجلسين، يسيطر عليهما أتباعه، هما:  مجلس صيانة الدستور، ومجلس خبراء القيادة؛ مهمة الأول تتمثل في الإشراف على عمل مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بحيث أن جميع القوانين التي تصدر عنه يجب أن يوافق عليها مجلس صيانة الدستور، وإلا لن يتم إقراراها أو نفاذها، والثاني هو مجلس الخبراء الذي  يقوم بانتخاب المرشد أو إقالته.

الخميني ورجال الله من حوله يستندون إلى المقدس والسّماء بصفتهم الناطقين بلسانها

ولهذا يكون التيار الإسلاموي في طبعتهِ الشيعية قد فاق الشاه استبداداً وتَسَلُّطاً؛ فالشاه كان يستند في حكمه واستبداده على شرعية تاريخية، وهي الأسرة البهلوية الفارسية المؤسسة لإيران الحديثة، بينما الخميني ورجال الله من حوله يستندون إلى المقدس والسّماء بصفتهم الناطقين بلسانها!؛ أي إنّ استبدادهم مغطى بشرعية دينية إيمانية هي جزء من صميم التدين للمواطن الإيراني الجعفري المقلد لإمامهِ الذي ينوب عن صاحب الزمان قدس الله سره!

اقرأ أيضاً: الإخوان وإيران.. تحت عباءة الخميني

وعليه يمكننا القول بأنّ هذا الحكم "الثيوقراطي التولتاري" هو النموذج الذي تطمح إليه جماعات الإسلام السياسي بكافة طبعاتها وتجلياتها المذهبية والحركية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي يسوسها أيضاً، مرشد الجماعة، الذي لا يجوز عزله إلا في حدود ضيقة جداً، لم تحدث إلا نادراً، ولا غرابة في ذلك، فالمُتأسلمون ينهلون من مَّعِينٍ واحد، ويصدرون عن خلفية أيديولوجيّة واحدة.

يمكن القول بأنّ هذا الحكم الثيوقراطي التولتاري هو النموذج الذي تطمح إليه جماعات الإسلام السياسي بكافة طبعاتها

والمتتبع اليوم لأحوال المجتمع الإيراني المرتهن لتسلُّط الولي الفقيه، يلحظ عمق وأزمة مشروع الدولة الدينية التي أوقعت الشعب الإيراني "المغلوب على أمره" في أتون الكراهية والعوز الاقتصادي؛ حيث تتوالى الأزمات في عمق  بنية الاقتصاد الإيراني، بحيث تدنت قيمة العملة وارتفع مستوى التضخم إلى مستويات كبيرة تماماً كما كان الوضع أيام الشاه، بما يشي بقرب حدوث ثورة شعبية عارمة ضد حكم  الملالي البائس الذي أهلك الحرث والنسل، فكان "كالمُنْبَتَّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى" .

تدنت قيمة العملة في إيران وارتفع مستوى التضخم إلى مستويات كبيرة تماماً كما كان الوضع أيام الشاه

أمّا على الصعيد  السياسيي، فإن مذهباً واحد يستحوذ  على مقاليد الحكم وبنص الدستور، بينما تم تهميش أبناء المذاهب والديانات الأخرى من أن يشاركوا في إدارة شؤون بلادهم. كما تهيمن الإثنية الفارسية وبعض الأفراد من الإثنية الأّذرية التي ينحدر منها المرشد، على المناصب العليا والوسطى، في الوقت الذي يهمّش فيه أبناء القوميات الأخرى كالعرب والبلوش والأّذريين ...الخ.

اقرأ أيضاً: إخوان إيران.. خارج المذهب داخل السياسة

وبذلك، هيأت سياسة الملالي الإقصائية الشعب الإيراني الذي يعاني من قمع الحريات والملاحقات الأمنية والتمييز العرقي والفشل الاقتصادي إلى رفض مشروع الدولة الدينية، وتحيُّن الفرصة للثورة على حكم آيات الله ولصوص المقدس .

هيأت سياسة الملالي الإقصائية الشعب الإيراني إلى رفض مشروع الدولة الدينية

لقد فَشِلَ مشروع المتأسلمين في إيران، رغم بقائهِ على قيد الحكم، بواسطة قمع الأجهزة الأمنية التي فاقت في بطشها جهاز السافاك الشاهنشاهي، والدعم الروسي؛ فروسيا البوتينية يهمها وجود هذا النظام الذي هو في الأصل، دولة وظيفية، صُنعت على عين الغرب  بقيادة "الشيطان الأكبر"، حسب تعبير الملالي أنفسهم، فهي تتخوف من قيام نظام جديد في طهران على يد الشعب الإيراني المقموع  والمغلوب على قراره، قد لا يتوافق مع مصالحها، لذلك كان التحالف غير المقدس والبراغماتي مع نظام طهران، فموسكو بمثابة أكسجين الحياة المؤقت لحكومة السماء!!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية