مأساة الإخوان وملهاة الناشطين

مأساة الإخوان وملهاة الناشطين


12/04/2018

محمد صلاح

يستغرب المصريون حالة إنكار شديد يعيشها معارضو الرئيس عبد الفتاح السيسي لواقع يحدث حولهم، وتبدو فيه المعطيات أمام الجميع، لكنهم لا يرونها ولا يشعرون بها، وإن رأوها أو شعروا بها رفضوها. يفترض أن يوجه هؤلاء خطابهم الإعلامي والسياسي إلى الشعب المصري، وليس إلى جهات أخرى بطول الأرض وعرضها معروف مواقفها المعادية للرجل الذي أضاع حلم الإخوان ومنع عنهم التمكين. هدف هؤلاء المعارضين إقناع الشعب بالثورة ضد السيسي، لكنّ هدفاً كهذا لن يتحقق أبداً ما دام الشعب يعتبرهم أدوات يحركها آخرون، وطبيعي ألا يستجيب إلى من يعتبرهم مخادعين أو مزورين، وبديهي ألا يكرر مأساة الربيع العربي ويهدم مؤسسات الدولة ليلبي رغبة هؤلاء الذين يقيمون في فنادق الدوحة، أو يتجولون في شوارع أنقرة، أو يتسولون في أروقة الغرب.

يريد المعارضون المقيمون خارج مصر أن يثبتوا أن السيسي بلا شعبية، وأنه يقتل الناس في الشوارع، ويلقي بالسياسيين الأبرياء في السجون، ويمنع عن الناس الأكل والشرب، وأن مشاريعه وهمية وإنجازاته مجرد «فنكوش»، وأنه لم ينقذ البلاد من خطر الإخوان وإنما استحوذ عليها، وأنه لا يحارب الإرهاب وإنما هو السبب فيه، وأن لجان الاقتراع في الانتخابات في الخارج والداخل كانت خالية، والطوابير أمام السفارات كانت لموظفين وديبلوماسيين، وأن الطوابير في كل مصر كانت لجنود في الأمن المركزي! ما هذا الهراء، وكيف يحقق المعارض، عبر خطاب يقوم على الكذب والتزوير، رضاءً جماهيرياً أو ينال تأييد الناس ودعمهم؟ يبدو وكأن المعارض من تلك الفصيلة صار موظفاً لدى كفيل، فيحاول بشتى الطرق إرضاءه بالكذب والتزوير وخداعه بأن كل شيء تمام، وأن العمل يجري على قدم وساق، لسحب البساط من تحت أقدام الحكم، وأن الانقلاب يترنح، وأن السيسي لا يجد من يؤيده، والرجل يحكم فقط بالجيش والشرطة والحديد والنار! أسئلة أخرى مهمة: إلى متى يستمر معارضون مصريون في ركب الإخوان؟ وماذا يمنعهم من السير في طرق أخرى واتباع أساليب أكثر نظافة في معارضتهم للحكم يحتفظون معها بالحد الأدنى من الالتزام الأخلاقي والانتماء للوطن؟ ولماذا رضوا بأن تمتطيهم الجماعة وتستخدمهم لتحقيق هدفها الرئيسي وهو هدم الدولة المصرية على من فيها؟ ماذا أوصل هؤلاء إلى هذه الحالة المضحكة أو قل المذرية؟ هل شعورهم بالضعف دفعهم إلى البحث عن مظلة والانضواء تحت أجنحة الإخوان فصاروا مثلهم يتسولون مكافآت الكفيل ومنح الممول وعطايا الجهات الداعمة؟

بالنسبة لقواعد الإخوان والبسطاء من أعضاء الجماعة فهم متأثرون بنشأتهم وطريقة تربيتهم إخوانياً، إذ ليسوا مطلعين على الواقع، ولا يقرأون إلا ما يأمر به مرشدهم، أو من ينوب عنه، ولا يصدقون إلا قيادات التنظيم، أما قيادات الجماعة فإنهم يحاولون الحفاظ على التنظيم وحمايته من الانهيار والإبقاء على الأعضاء في أماكنهم والحؤول دون انشقاقهم عن التنظيم، وفي سبيل ذلك يلجأون إلى الأكاذيب والفبركات لإقناع الأعضاء بأن الجماعة مازالت متماسكة، وأن التنظيم مازال قوياً، وأن مرسي سيعود إلى القصر الرئاسي الأحد المقبل! على ذلك فإن العالم الافتراضي للكائن الإخواني مسألة تتسق مع نشأته وطبيعة العلاقات داخل التنظيم ومبدأ السمع والطاعة للمرشد، حتى لو كان ما يسمعه غير منطقي، ومن يطيعه يلقى به وسط الأهوال. أما رموز النخبة من قوى المعارضة وناشطي الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وثورجية الميادين فغالبيتهم ليبراليون يفترض فيهم الحد الأدنى من المعرفة، أو يساريون بنوا اتجاهاتهم على قراءات وخبرات، أو ناصريون لهم إرث تاريخي عدائي ضد الإخوان الذين حاولوا اغتيال زعيمهم ناصر قبل عقود.. كيف سمح هؤلاء لأنفسهم استخدام آليات الإخوان بل مفردات الجماعة التي تعادي الليبرالية وتشيطن اليسار وتمقت الناصريين؟ ولماذا يروجون لخطاب متأسلم داعم للإرهاب تبثه قنوات الإخوان، والاحتفاء بكل إساءة تنشرها ضد السّيسي، أو أي شخص آخر، وهم يدركون أن الإخوان يسعون إلى الثأر من المصريين؟ ما هو المبرر الأخلاقي الذي يطرحه هؤلاء الناشطون وهم يطلون على الناس من قنوات تبث من الدوحة وإسطنبول ولندن ليرددوا معزوفة الإخوان عن الانقلاب الذي يترنح والديموقراطية التي تذبح والاختفاء القسري للناشطين ومأساة رابعة وملهاة النهضة؟ إذا كان الإخوان يعيشون مأساة منذ إطاحتهم عن الحكم فإن الناشطين من التيارات الأخرى يعيشون ملهاة يضحك عليها الناس!

عن "الحياة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية