مؤتمر "الوظيفة": صوفية أفريقيا في مواجهة الجهاديين والإخوان

مؤتمر "الوظيفة": صوفية أفريقيا في مواجهة الجهاديين والإخوان


02/03/2022

اختتمت في مدينة أبيدجان عاصمة الكوت ديفوار، أشغال النسخة الثانية من مؤتمر "الوظيفة" الذي ينظمه أتباع الطريقة التيجانية في أفريقيا، وخاصة في شمال القارة ودول الساحل، في موضوع: "الرسالة الخالدة للأديان"، والتي جرت في المدة الممتدة بين 23 و25 شباط (فبراير) الماضي.

ومع أنّ أشغال المؤتمر ركزت على استدامة السلام بأفريقيا من خلال الحوار بين الأديان، وضمان استمرارية أثر الرسالة الخالدة للأديان على السلم العالمي، موازاة مع التفرغ لممارسات دعوية صوفية خالصة، حتى إنّ عنوان المؤتمر يُحيل على "الوظيفة"؛ أي اللقب المتداول في الأدبيات الصوفية كلما تعلق الأمر بالأوراد الدينية الخاصة بهذه الطريقة الصوفية أو تلك، إلا أنّ المؤتمر انتهى بإصدار إعلان رسمي صادق عليه جميع الخلفاء التيجانيين، والمقصود بالخلفاء هنا، كل ممثلي الفروع الثانية القادمين من خارج الكوت ديفوار، حيث أكدوا أنّهم "يدركون التهديدات الداخلية والخارجية لهويتنا وممارستنا الروحية، بل وحتى وجودنا المادي"، وعبروا عن دعمهم لـ"إعلان السلام"، الموسوم باسم "إعلان أبيدجان" الذي تم اعتماده في نهاية أعمال الندوة الدولية حول الحوار بين الأديان، موجهين نداءً "رسمياً لجميع فروع الطريقة التجانية في أفريقيا لاحترام قيم التسامح، والأخوة والانفتاح على الآخر".

ونظّمت النسخة الثانية من "الوظيفة" بدعوة من الشيخ مصطفى صونطا الخليفة العام للطريقة بكوت ديفوار، وتحت الرعاية الروحية لشيخ الطريقة التيجاينة، محمد الكبير التجاني الذي يحمل لقب الخليفة العام للطريقة التجانية، وتميز المؤتمر بحضور الخليفة العام للطريقة في كل من السنغال وغينيا كوناكري والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا وموريتانيا والسودان وتشاد وغينيا بيساو وغانا وبنين وتوغو ورواندا.

 تمحور مؤتمر "الوظيفة" الذي نظمه أتباع الطريقة التيجانية بأفريقيا في الكوت ديفوار حول "الرسالة الخالدة للأديان"

كما توقف البيان نفسه عند أهمية "تشجيع إضفاء الطابع الرسمي على اتحاد دولي، من خلال إنشاء منظمة تضم جميع الخلفاء العامين الأفارقة"، وتعبر "تعبيراً ملموساً على الرغبة في الاتحاد للعمل معاً"، مطالبين "الشريف محمد الكبير بن أحمد التيجاني القيام بجولات توعية في جميع أنحاء أفريقيا من أجل إرساء أسُس هذا الاتحاد بمساعدة جميع الزوايا"، مقترحين "إنشاء لجنة علمية مركزية تتولى تطوير البرامج الموجهة لتعزيز قيم الأخوة والوحدة والتطوير التربوي والروحي والمادي لمريدي التيجانية"، و"تشكيل لجان منتظمة لمتابعة تنفيذ البرنامج في كل دولة".

اقرأ أيضاً: الإسلام في غرب أفريقيا... قصة الانتقال من الازدهار الحضاري إلى الجماعات المتطرفة

هذه سابقة من طريقة صوفية أفريقية وازنة، قاريّاً وعالمياً، بأن تشرع في الاشتغال على قضايا من هذا النوع، وذلك لأسباب عدة منها تبعات القلاقل التي أصبحت لصيقة بالإسلاموية الجهادية، ومنها أيضاً أنّ القضايا التي دعت إليها أشغال هذا المؤتمر كانت حكراً طيلة عقود ماضية على الإسلاموية، وخاصة الإسلاموية الإخوانية.

في الحالة الأولى الخاصة بالإسلاموية الجهادية، يكفي التذكير بأنّ منطقة الساحل أصبحت قاعدة ميدانية للعديد من الجماعات الإسلامية الجهادية، سواء كانت تابعة لتنظيم "القاعدة" أو تابعة لتنظيم "داعش"، أو لا علاقة لها بالتنظيمين، ولكنها منخرطة في صراعات ضد دول المنطقة أو ضد الحكومات المركزية، لاعتبارات عرقية أو دينية أو اقتصادية أو أمنية، إلى درجة أصبحت فيها العديد من المجلات الفكرية الأوروبية تخصص ملفات حول الحالة الجهادية في إفريقيا بوتيرة أكبر مقارنة مع السنوات السابقة، من قبيل مجلة "الدبلوماسي" ومجلة "نزاعات" ضمن مجلات أخرى.

أما في الحالة الثانية الخاصة بالإسلاموية الإخوانية، فإنّها حاضرة أفريقياً عبر مجموعة من المؤسسات والهيئات، وعلى سبيل المثال، نجد في موريتانيا "مركز تكوين العلماء لإعداد الكوادر من العلماء الدينيين" الذي يترأسه الداعية محمد الحسن ولد الددو، عضو ما يُسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وسبق للداعية يوسف القرضاوي، أن زاره من قبل، وهو المركز الذي تتهمه الحكومة الموريتانية ببث خطابات الكراهية والفكر المتطرف، وتعتبر الحكومة أنّ الإخوان يقومون بتوظيفه لاستقطاب أعضاء جدد والترويج لأفكار الحركة بين الجماهير.

القضايا التي دعت إليها أشغال هذا المؤتمر كانت حكراً طيلة عقود على الإسلاموية وخاصة الإخوانية

ومحمد الحسن ولد الددو هو الذي انتُخب رئيساً منذ سنوات لـ"منتدى لمنظمات وجمعيات العمل الإسلامي الوسطي في غرب وشمال أفريقيا"، الذي نظم أول دورة له بموريتانيا، ونجد ضمن الجماعات والمنظمات الإسلامية المنضوية تحت لواء المنتدى كلاً من حركة مجتمع السلم الجزائرية، وحركة التوحيد والإصلاح المغربية، وجمعية المستقبل الموريتانية، وجماعة عباد الرحمن السنغالية، والتجمع الإسلامي بالسنغال، المجلس الإسلامي الأعلى بغامبيا، وجمعية مالي للشباب المسلم، وجمعية الشباب المسلم بساحل العاج، والمنتدى الإسلامي في بنين، ورابطة الدعاة البنينيين.

 

اقرأ أيضاً: الإسلام في روسيا وآسيا الوسطى... من القمع السوفييتي إلى النشاط الجهادي

تشتغل أغلب هذه المؤسسات تحت مسمى "الوسطية" و"الاعتدال" وما جاور تلك الأدبيات الإسلاموية، بخلاف الأرضية النظرية التي تميز العمل الصوفي، وهو عمل ديني إصلاحي، لا علاقة له بالانخراط في الصراعات السياسية، ولا بالأحرى توزيع الأحكام على المجتمعات والأنظمة والدول، كما هو الحال مع الخطاب الإخواني ومع الكتائب والشبكات الإخوانية، من قبيل ما عاينا أثناء "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013] وبعدها أيضاً، أي ما صدر عن فضائيات ومراكز بحثية ومنصات رقمية، داخل وخارج المنطقة العربية، بسبب غلبة الهواجس السياسية والإيديولوجية للمشروع الإخواني.

في هذا السياق الخاص بالتطورات النظرية والميدانية التي تسببت بها الإسلاموية الجهادية والإخوانية، تأتي مبادرة مؤتمر الطريقة التيجانية للانخراط الميداني في التصدي لهذه القلاقل.

 

اقرأ أيضاً: الإسلام في الولايات المتحدة: من صعود الحركات الأفروأمريكية إلى مواجهة الإسلاموفوبيا

وليس صدفة أن يدعو إعلان مؤتمر الكوت ديفوار إلى أهمية التعريف بـ"أسُس ومقاصد ورسالة وتوجهات الطريقة التيجانية"، و"الأهمية القصوى التي تمثلها هذه القيم للإنسانية التي تطمح إلى التعايش السلمي والاحترام المتبادل، وإقامة مجتمع يسوده التسامح"، خاصة أنّ "التيجانية طبعت شعوباً أفريقية عديدة من خلال تسهيل اعتناقها للإسلام، وتوجيهها لطريق الهدى ودين الحق، بفضل شيخها سيدي أحمد التيجاني وخلفائها ومقدميها الذين ظلوا أوفياء لتعاليم الشيخ".

وليس صدفة على الخصوص أن يُوجه الإعلان نفسه دعوة مباشرة وصريحة إلى أتباع ومريدي هذه المدرسة الروحية السنية لتجنب "إدخال الطريقة في حقل ضار قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة"، تعاكس "الازدهار والسلام في أفريقيا".

 

اقرأ أيضاً: الطرق الصوفية في تركيا.. عبادة أم سياسة؟

ما كانت صوفية المنطقة العربية والقارة الأفريقية تتطرق لهذه القضايا بشكل مباشر وصريح، وتصدر البيانات والإعلانات الداعية إلى السنية "بتجنب إدخال الطريقة في حقل ضار قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة"، لولا التحديات التي ظهرت في الساحة خلال العقد الأخير على الخصوص، ومنها التحديات المرتبطة بخطاب وأداء مجموعة من الحركات والجماعات الإسلامية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية