مؤشر "الدول الهشة" يكشف الدول الأكثر والأقل قدرة على حكم نفسها

مؤشر "الدول الهشة" يكشف الدول الأكثر والأقل قدرة على حكم نفسها


23/03/2022

في عملية من أهم عمليات وأدوات دراسة وتحليل السياسة الدولية والعالمية، وتحليل المخاطر في ظل سيرورة العولمة الحالية؛ اعتادت مراكز البحث والدراسات في الغرب سنوياً على إصدار مؤشرات سنوية لمختلف أوجه النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي، خاصة على شكل إحصاءات رقمية وتحليل هذه الأرقام ودراسة دلالاتها الحالية والمستقبلية.

على سبيل المثال هناك مؤشرات الإرهاب، مؤشرات الأمن، مؤشرات التسلح، مؤشرات السعادة، مؤشرات حرية الإعلام، وغيرها الكثير. وضمن هذا السياق؛ يعتبر مؤشر "الدول الهشّة" أحد أهم المؤشرات التي بدأت تظهر منذ أواخر التسعينيات.

عقب الحرب الباردة لم تعد الصراعات تعتبر حروباً بالوكالة بل ينظر إليها بازدياد على أنها نتاج ‏للعنف العرقي والفقر

في هذا التقرير نعرض قراءة تحليلية لمفهوم "تقرير مؤشر الدول الهشة" لما له من أهمية تحليلية في ظل استمرار الصراع في سوريا واليمن وليبيا، والحرب في أوكرانيا.

في أعقاب الحرب الباردة، لم تعد الصراعات تعتبر حروباً بالوكالة بين الولايات ‏المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولكن كان ينظر إليها بشكل متزايد على أنها عواقب ‏للعنف العرقي والفقر.

وظهرت الصراعات داخل الدول وليس فيما بينها كقاعدة، ‏وحدثت في سياقات تميزت بظاهرة "جديدة مزعجة"، وهي الدولة الفاشلة، كما ‏لاحظ الباحثان هيلمان وراتنر في العام 1992، "غير قادرة تماماً على الحفاظ على ‏نفسها كعضو في المجتمع الدولي".‏

وقد كتب المُنظر الأمريكي في الدراسات الجيوسياسية والمستقبلية روبرت ديفيد ‏كابلان، في مقالته ذائعة الصيت "الفوضى القادمة" في عام 1994 أنّ هذه كانت ‏دولاً، تميزت بـ "اضمحلال الحكومات المركزية، وصعود المجالات القبليّة ‏والإقليمية، وانتشار الأمراض دون رادع، والانتشار المتزايد للحرب".‏

حققت الإمارات العربية المتحدة أفضل نتيجة عربياً وإسلامياً وجاءت في المرتبة  152

حتى أنها كانت مساوية لــ"المرض العقلي أو الجسدي الخطير"، مما فتح مناقشات ‏حول إنشاء الوصاية حيث اعتبرت الدول الفاشلة غير قادرة على حكم ‏نفسها.‏

‏كانت مثل هذه التأملات التشاؤمية والسوداوية التي ميزت تحليلات كابلان تحديداً، ‏مؤشرات على ما كان سيأتي: الديمقراطيات الليبرالية الغربية تضع الآثار ‏المزعزعة للاستقرار للدول الفاشلة في قلب سياسات التنمية والأمن.‏

عندما ظهر مفهوم "الدولة الفاشلة" كفئة تحليلية في العام 1990، كانت (الدولة الفاشلة) ‏تعتبر في الغالب تهديداً للأشخاص الذين يعيشون داخلها. لكن هذا الفهم تغير مع ‏الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في عام 2001 التي حولت الدول الفاشلة ‏من كونها مصدر قلق للتنمية إلى كونها تهديداً أمنياً رئيسياً للولايات المتحدة ‏وشركائها الغربيين.‏

وفي العام 2000، تم استبدال مفهوم "الدولة الفاشلة" تدريجياً بـ"الدولة الهشة" ‏باعتبارها الفئة التحليلية المهيمنة، والتي أشارت إلى تحول صغير ولكنه مهم في ‏المعنى. ووصفت الدول الهشة بأنها كيانات سياسية مختلة وظيفياً ولكنها ليست ‏فاشلة تماماً. وقد تميزت الحكومات المركزية والبيروقراطيات التي لم تكن قادرة ‏على توفير الخدمات العامة الأساسية للسكان الذين يعيشون فيها، وصورت على ‏أنها تعاني من مجموعة من أوجه القصور في قدرات الدولة، وكان توفير الأمن ‏الداخلي حاسماً بين هذه القضايا.‏

وهذا ما جعل إنشاء أو استعادة قدرة الدولة على توفير الأمن (والعدالة) على ‏الصعيدين الوطني والمحلي أمراً محورياً للتدخلات في الدول الهشة. كما أنّ إصلاحات قطاع الأمن التي ظهرت خلال التسعينيات، أصبحت واحدة من ‏أدوات السياسة والاستجابات العملية لمواجهة هذه التحديات وتم تقديمها كوسيلة ‏لتحويل هذه الدول إلى كيانات سياسية "فعالة" و"شرعية". 

في العام 2000، تم استبدال مفهوم "الدولة الفاشلة" تدريجياً بـ"الدولة الهشة" ‏باعتبارها الفئة التحليلية المهيمنة

بعد ذلك تم استخدام العلاقة بين فشل الدولة والتهديدات الأمنية العابرة ‏للحدود ‏الوطنية مثل الإرهاب لتبرير التدخلات في المجالات التي كانت تعتبر في ‏السابق ‏امتيازاً سيادياً للدول وحكوماتها.‏

ما مؤشر الدول الهشة؟

وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإنّ المنطقة أو الدولة الهشّة لديها قدرات ضعيفة على القيام بوظائف الحوكمة الأساسية وتفتقر إلى القدرة على تطوير علاقات بناءة متبادلة مع المجتمع. كما أنّ المناطق أو الدول الهشّة تعتبر أيضاً أكثر ضعفاً على صعيد الصدمات الداخلية أو الخارجية مثل؛ الأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية . 

وتشير الهشاشة إلى طيف واسع من الحالات: دول تعاني من أزمات، ودول في حروب، وسياق إعادة الإعمار، والأزمات الإنسانية والطبيعية وحالات الفقر المدقع. هذا وتساعد مؤشرات الضعف والهشاشة على تعريف الدول التي تعتبر هشّة. وهناك 4 مؤشرات فرعية لقياس مؤشر الهشاشة وهي: 

1-المؤشرات السياسية وتشمل نزع شرعية الدولة، والتدهور التدريجي للخدمات العامة، وانتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان، والأجهزة الأمنية التي أصبحت "دولة ضمن دولة"، وصعود النخب المتحزّبة وتدخّل دول أخرى أو عوامل خارجية.

2-المؤشرات الاجتماعية وتشمل الضغوط الديموغرافية، والنزوح الجماعي للاجئين، والنازحين داخلياً، وإرث الظلم الجماعي الساعي إلى الثأر، والهروب البشري المزمن والمستدام، والرفاه ونوعية الحياة.

3-المؤشرات الاقتصادية وتشمل التنمية الاقتصادية المتفاوتة والتي تؤثر على شرائح من الشعب.

4-المؤشرات البيئية والتي تعكس خطر الكوارث الناجمة عن قوى أو ظواهر طبيعية و/أو التفاعل بين البعد البيئي والأنشطة البشرية.

اقرأ أيضاً: هل تصبح تركيا من أتعس دول العالم؟.. هذا ما أظهره مؤشر السعادة العالمي

وقد قام البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية بإعداد قائمة منسّقة للدول الهشّة ويتم تحديثها كل عام. ومنذ عام 2015 وفيما يتصل بالتحضير لأجندة التنمية المستدامة لعام 2030 (أهداف التنمية المستدامة 16)، تم تحديد مقاربة جديدة للهشاشة. وهي تنطبق على جميع الدول وتعتمد على خمسة أبعاد: 

أ- العنف، ب- العدالة، ج- مؤسسات خاضعة للمساءلة وشاملة للجميع؛ د- الإدماج الاقتصادي والاستقرار؛ ه- القدرة على التكيّف مع الصدمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والكوارث. ويتم بعد ذلك تقديم قائمة بالدول الـ 50 الأكثر هشاشة. 

لكن ما نتعرض له هنا ليس تقرير البنك الدولي والبنك الآسيوي؛ بل  المؤشر الصادر عن "صندوق السلام الأمريكي، ومجلة فورين بوليسي" منذ عام 2005. ونحن نتحدث عن نتائج المؤشر لعام 2021.

الغرض الأساسي من هذا التقرير هو قراءة المؤشر بما هو تقييم لضعف الدول ذات السيادة في جميع أنحاء العالم. فكلما ارتفعت درجة المؤشر(اقتربت من الرقم 1) اقتربت الدولة من الفشل. ويصدر المؤشر سنوياً ‏ويغطي 178 بلداً.‏ 

الغرب هو الذي طور واستخدم مفهوم "هشاشة الدولة" لإضفاء الشرعية على التدخلات بالبلدان التي تواجه العنف والفقر 

ويتضمن المؤشر جميع الدول ذات السيادة الأعضاء في الأمم المتحدة والتي يصل عددها إلى ‏178 دولة عندما تتوفر بيانات كافية باستثناء تايوان وكوسوفو والصحراء الغربية وشمال قبرص والأراضي الفلسطينية. (علماً بأن الضفة الغربية موجودة بالمؤشر ومرتبطة مع إسرائيل). 

يظهر المؤشر لهذا العام أنّ الدول الأوروبية الإسكندنافية حققت المرتبة الأولى كأكثر الدول بُعداً عن الهشاشة، حسب الترتيب الدول الخمس الأولى: فنلندا، النرويج، سويسرا، الدنمارك، أستراليا. وحسب المؤشر هذه الدول آمنة ومحصنة ضد الضعف والهشاشة. 

أما أكثر الدول هشاشة في العالم فهي: اليمن، الصومال، جنوب السودان، سوريا، الكونغو الديمقراطية. وجاء العراق في المرتبة 17، وليبيا 20، مصر 36، إيران 44، الأردن 76، إسرائيل والضفة الغربية 69، السعودية 94. وحققت الإمارات العربية المتحدة أفضل نتيجة عربياً وإسلامياً وجاءت في المرتبة  152.

الدولة الهشّة تعاني ضعف القيام بوظائف الحوكمة الأساسية وتفتقر القدرة على تطوير علاقات بناءة متبادلة مع المجتمع

فائدة المؤشر

لماذا لا يزال من المهم التحقيق في مفهوم الدول الهشّة عندما يتعرض المفهوم لانتقادات شديدة؟ لأنه لا يزال يستخدم في السياسات المتعلقة بالصراع والأمن والتنمية. فعلى سبيل المثال، تصف الأمم المتحدة الهشاشة بأنها تحد رئيسي أمام تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وتهديد للأمن العالمي

ويجادل بعض نقاد هذا المفهوم بأنّ هذا يعكس الطابع الفارغ للمفهوم، مما يجعله مرناً سياسياً بدلاً من كونه أداة تشخيصية دقيقة. وهو يوفر مبررات للتدخلات التي غالباً ما يتم تحديد أولوياتها بسبب تأثير الدول الهشة على الأمن العالمي خاصة (الغربي).

ويركز نقاد غربيون على تتبع كيف تم استخدام هذا الفهم المتطور للهشاشة في حالتين، الصومال والعراق، من خلال منظور البرمجة المتصلة بالأمن، وغالباً ما يشار إليهما باسم إصلاح قطاع الأمن. وكيف يتم تطبيق المفهوم على حالات متنوعة للغاية بطرق تميل إلى إعطاء الأولوية لمصالح المتدخلين على مصالح الأشخاص الذين يزعم أنهم يتدخلون نيابة عنهم.

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب في سوريا بين اختلاف المرجعيات والتوظيف

هذا وما زلنا نلاحظ أنّ مفهوم الدول الهشة يستخدم على نطاق واسع في دوائر السياسة على وجه التحديد بسبب هذا الغموض الذي يفسح المجال للأولويات الأمنية والمصالح الجيوسياسية المختلفة للجهات الفاعلة.

وفي حين أنّ الغرب هو الذي طور واستخدم مفهوم "هشاشة الدولة" لإضفاء الشرعية على التدخلات في البلدان التي تواجه العنف والفقر المدقع، فإنّ استخدام هذا المفهوم أصبح الآن معولماً وعابراً للحدود الوطنية؛ إذ إنّ الدول في الجنوب العالمي والقوى العظمى غير الغربية تناسب مفهوم الهشاشة وتعيد تفسيره؛ لما فيه مصالحها الشخصية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية