ماذا تعرف عن الصابئة المندائيين؟

الصابئة

ماذا تعرف عن الصابئة المندائيين؟


26/06/2019

توصف الأراضي الواقعة في مساحة الوطن العربي اليوم؛ بأنّها منابع معظم ديانات البشر عبر التاريخ، منذ أول مخلوق عبد الله، وحتى الإسلام، آخر الديانات السماوية. والقرآن الكريم ذكر العديد من هذه الديانات، ومنها الصابئية، نسبةً إلى الصابئة، التي لم يعترف علماء المسلمين المبكرين بها كديانةٍ يتبع أتباعها أهل الذمة، وقد اختلفت صفاتهم وأوصافهم وأوضاعهم عبر التاريخ الإسلامي، ولا يعرف منهم، اليوم، سوى من يُسمّون بالصابئة المندائيين، فمن هم وما تاريخهم؟

أصلٌ بلا أثر
ورد ذكر الصابئة في القرآن الكريم، بدايةً في سورة البقرة، الآية 62: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون"، وكذلك في الآية 69 من سورة المائدة؛ حيث يرد ذكرهم ضمن المعنى نفسه، لكن الكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي، أحمد العدوي، يقول: إنّ فقهاء المسلمين والباحثين وبعض المستشرقين، يرون أنّ الصابئة المذكورين في القرآن "غير معروفين تماماً؛ من هم وأين هم وأين وجدوا، وإن كانوا من عبدة النجوم والكواكب، فهم إذاً، بحسب فقهاء المسلمين، يعدون مشركين".
ولذا؛ يرى العدوي أنّ الصابئة المقصودين في القرآن الكريم، ربما يكونون الصابئة المندائيين (تواجدوا في العراق وحران)؛ لأنهم أقرب، بحسب الكاتب، إلى الديانات السماوية، ويؤكد العدوي، في كتابه "الصابئة منذ ظهور الإسلام إلى سقوط الخلافة"، الصادر عن دار "رؤية"، في 2013؛ أنّ "مشركي قريش سمّوا النبي محمداً، صلى الله عليه وسلم، وأتباعه في بداية الإسلام؛ صابئين، وذلك عودةً إلى اللغة، وفعل صبأ، الذي يعني أن يقوم المرء باتباع دينٍ غير دينه الأول المعروف".

اقرأ أيضاً: 10 معلومات عن الديانة اليارسانية التي يعتنقها بعض الأكراد
لكنّ اللغة لا تكفي لتوضيح من هم الصابئة، أو على الأقل، ما هي أصولهم، فالكلمة بحد ذاتها تحتمل أكثر من معنى، وتشير كذلك إلى أصلٍ عبري "صبئوت"، وتعني الجمع أو الحشد، ووفق العدوي؛ "حشد الملائكة"، وتعود أصولهم إلى حران في سوريا، بينما تأتي الرواية الثانية بأنّ هنالك صابئة مندائيين، يعودون في أصولهم إلى "البطائح في العراق، والمندائية تعني المغتسلة؛ ممن يعبدون المياه الجارية ويقيمون طقوسهم حولها، وهؤلاء إضافةً إلى صابئة حران، احتفظوا بلقب الصابئة أيام الخليفة العباسي المأمون، من أجل أن تتم معاملتهم معاملة أهل الذمة؛ لأنّ الصابئة ذكروا في القرآن الكريم على أنّهم ذميون".

كتاب الصابئة المندائيين الديني ويمثل شرائعهم وطقوسهم

ورغم ذكرهم في القرآن أولاً، ووجود دراساتٍ عديدة حول أصولهم الجغرافية، من قبل المستشرقين، بعضها يجزم بأصلهم اليوناني، وغيرهم يؤكد أنّ المندائيين ديانة متوسطة بين اليهودية والمسيحية، وربما تقترب إلى عقيدة التوحيد الدرزية، إلا أنّه لا أثر يمنح الصابئة أبعاداً تاريخية تُمكن من دراستهم، فقد اختفت آثارهم من حران، منذ أن دمر جيش هولاكو حرّانَ في العام 1258، وسواها بالأرض، فيما تم تدمير البطائح في شمال البصرة بالعراق مراتٍ عديدة منذ الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ولم تبقَ سوى آثار لنقوش دينية في معظمها، لا تكشف أيّ تاريخ حقيقي للصابئة، وربما تبدو هنا نظرية مثيرة للجدل، مفادها؛ أنّ الصابئة أرادوا البقاء بالتأكيد، لكن دون تدوين تاريخهم بالفعل!
أسرار عبادة بقيت
رغم عدم دقة الوثائق والدراسات حول الصابئة، المندائيين منهم بالذات، ذلك أنّ خصوماً دينيين وسياسيين دونوا بعض تاريخهم، وهم السريان، بحسب الدراسات، إلا أنه توجد معلوماتٌ عديدة، يمكن الاستناد إليها؛ حيث يعدّ الصابئة، وفق تلك الدراسات؛ "من أصحاب أقدم الديانات التوحيدية على الأرض"، وهم وفق دراسةٍ على موقع "المؤسسة الأمريكية للدراسات السريانية"؛ وجدوا مع النبي إبراهيم، عليه السلام، العام 1850 قبل الميلاد، وسكنوا (أور) في العراق، وأصولهم منها، وبقوا فيها رغم التقلبات السياسية والطبيعية لقرون، إلى أن جاء الإسلام، واستمر في امتداده حتى زمن الخليفة العباسي المأمون؛ حيث يذكر الموقع في دراسته أنّ المأمون:

باحثون يرون أنّ الصابئة المقصودين في القرآن الكريم هم المندائيون لأنّهم الأقرب إلى الديانات السماوية

"كان في طريقه لشن حملةٍ عسكريةٍ ضد البيزنطيين، فخرج أهل حران كي يلتقوه ويتمنوا له التوفيق في سوريا، وحين رأى مناظرهم الغريبة، سألهم إن كانوا ينتمون لأيّ من الديانات السماوية، فأجابوا بالنفي، وقالوا إنّهم حرانيون فقط. واحتاروا إلى أي دينٍ ينتمون! مما جعل المأمون يصفهم بالوثنية، ويخيّرهم بين الإسلام، أو أيّة ديانة سماوية أخرى، حتى لا يُقتلوا".
وتكمل الرواية، غير المتماسكة، فتقول إنّ بعضهم اعتنق المسيحية، وأسلم آخرون، وغيرهم بقوا على حالهم، ومن الغريب أن يكونوا يدفعون الجزية، كأهل الذمة، وفجأة يكتشف الخليفة العباسي ودولته، أنّهم غير ذميين، أو لا ينتمون لأية ديانة سماوية!

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الديانة اليزيدية؟
وهنا يأتي الموقع بتحليلٍ تأريخي، يجيب عن السؤال المتعلق بمن بقوا على حالهم ولم يدخلوا المسيحية أو الإسلام، "فقد ادعوا أنّهم صابئة، وأنّ هؤلاء ذكروا في القرآن الكريم مع النصارى على أنّهم ذميون، وبقوا يمارسون طقوسهم بسبب تسامح الإسلام معهم آنذاك"، مما ضمن بقاء عاداتهم وعباداتهم، ولاحقاً سوف يقوم الصابئة، إن صحّت هذه الرواية التأريخية، بنفي تهمة الوثنية مراتٍ عديدة، وسيبررون أنّهم ينتمون إلى النبي إبراهيم، عليه السلام، ومن قبله سام بن نوح، عليه السلام، ومن قبلهم آدم أبو الأنبياء.

يحتفلون دينياً قرب المياه التي يقدسونها ويتعمدون بها

ولا يعد الصابئة المندائيون تبشيريين، ولا يتزوجون عموماً من خارج ديانتهم أو معتقدهم، الذي تقول الروايات السريانية إنّه كان يعتمد على عبادة "آلهةٍ يمثل كلّ منها كوكباً مقدساً"، وبحسب تقرير حديث عن الصابئة المندائيين في العراق، نشرته "الحرة"، في 2017؛ فإنهم يحافظون على طقوس دينية؛ "كالصوم، والصلاة، والتعميد في المياه، وهو أبرز طقوسهم؛ إذ يعدون الماء الجاري مقدساً ونعمةً، يزيل عن المرء الشرور والدنس، كما أنّ لديهم كتاباً مقدساً، هو "كنز ربا"؛ الذي يضم مجموعة تعاليم أخلاقية وطقوسية توحيدية، وهم يحتفلون، بداية كلّ عام، بما يسمى "رأس السنة المندائية"؛ التي تشير إلى قدوم المعرفة الأولى إلى الأرض، وبداية عبادة الله فيها، فيقومون بالتطهر والاغتسال بالمياه وتناول أطعمة من الفاكهة والخضراوات".

ثمة نظرية مثيرة للجدل مفادها أنّ الصابئة أرادوا البقاء دون تدوين تاريخهم بالفعل

ولأنهم منغلقون اليوم كطائفة، لا تقبل أن تبشر بمعتقداتها؛ فإنّ الصابئة المندائيين يتمتعون بمجالس خاصةٍ بهم تمثلهم، منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ توجد لديهم، وفق تحقيقٍ أعده موقع "رصيف 22" العام 2016، "ثلاثة مجالس خاصة؛ الأول روحاني يهتم بالشؤون الدينية، ويرأسه لليوم؛ الشيخ ستار جبار حلو، ومجلس عموم، يمثل عائلاتهم، ومجلس شؤونٍ عامة لإدارة حياتهم اليومية، ويقومون بانتخابه انتخاباً حراً فيما بينهم"، واليوم؛ لهم مواقع تنسيقية لمتابعة أوضاعهم في العالم؛ كاتحاد جمعيات المندائيين في المهجر، وله موقعٌ رسميٌ على الإنترنت.
وبأعدادٍ لا تزيد عن بضعة آلاف، يعيش المندائيون تحديداً في منطقة (ميسان) بالعراق، وفي البصرة، وفي دولٍ أخرى عديدة من العالم، وهم يوصفون اليوم، وفق دراسات وتقارير، بأنّهم أتباع ديانة إبراهيمية، صمدت في وجه الإمبراطوريات والحروب والتقلبات السياسية والدينية عبر التاريخ، واتهموا أحياناً بعبادة الكواكب، وأنهم وثنيون، وأن لهم أسراراً دينية، رفضوا بسببها تدوين تاريخهم بوضوح، إضافةً إلى تناولهم الفلسفة والمعرفة في بعض تعاليم ديانتهم، مما جعل اتهامهم من قبل السريان، والمسيحيين بعدهم، بالتجديف.

اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن ديانة الزن
مؤخراً تعرض المندائيون للعنف منذ احتلال العراق تحديداً، مثلهم مثل الطوائف الدينية الأخرى، غير أنّهم لم يكونوا ليبقوا غالباً، لولا تسامح الإسلام معهم لقرون عديدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية