ماذا ستخسر تونس بإقرار قانون تجريم التّطبيع؟

ماذا ستخسر تونس بإقرار قانون تجريم التّطبيع؟


27/12/2020

العلاقة بين تونس وفلسطين لم تكن مجرّد علاقة دولتين، بل علاقة شعبَين امتزج فيها الدّم بالدّم، ذات تشرين الأول (أكتوبر) عام 1985، الذكرى التي يخلِّدها التونسيون كلّ عام، عندما أغارت طائرات إسرائيلية على مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية بمنطقة حمام الشط بتونس، مخلّفة 68 شهيداً، بينهم؛ 50 فلسطينياً، و18 تونسياً، وأكثر من 100 جريح.

اقرأ أيضاً: سجن القروي.. انطلاقة لفتح ملف إخوان تونس

لم يتوقف الأمر عندها؛ فقد اختارت إسرائيل بعدها الساحة التونسية لتصفية حساباتها خلال الانتفاضة الأولى، فنفذت في نيسان (أبريل) 1988، جريمة اغتيال القيادي الفلسطينيّ، الشهيد خليل الوزير، الملقَّب بـ "أبو جهاد"، فيما ما تزال أصابع الاتهام تتجه إلى المخابرات الإسرائيلية في عملية اغتيال محمد الزواري، المهندس الذي صمّم طائرات للمقاومة الفلسطينية، عام 2016، وعلى الرّغم من عدم اعترافها بالعملية؛ فإنّ الرأي العام التونسيّ مقتنع بأنّ إسرائيل هي من تقف وراء العملية.

هل ينجح برلمان تونس في تجريم التطبيع مع إسرائيل؟

حراكٌ شعبيّ مناصرٌ للقضيّة الفلسطينيّة دون شروط، تعزّز بموقف الرئيس، قيس سعيّد، الذي رأى خلال حملته الانتخابية أنّ التطبيع "خيانة عظمى ويجب أن يُحاكم من يطبّع مع كيان شرّد ونكّل بشعبٍ كاملٍ"، وتخلّد بموقف وزارة الخارجية التونسية التي أكّدت، وفق بلاغ لها، أنّ تونس تتبنى موقفاً مناصراً  للقضيّة الفلسطينية العادلة وداعماً للحقوق الشرعيّة للشعب الفلسطيني.

مشروع لتجريم التطبيع مع إسرائيل

وبالتزامن مع إقامة علاقات عربية مع إسرائيل، قدّمت الكتلة الديمقراطية بمجلس نواب الشعب التونسي مقترح قانون لتجريم التطبيع مع "الكيان الصهيوني"، بمناسبة مرور 4 أعوام على اغتيال المهندس التونسيّ، محمد الزواري، عضو كتائب عزّ الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي اتهمت الموساد الإسرائيلي باغتياله أمام منزله في محافظة صفاقس، مسقط رأسه، في 15 (كانون الأول) ديسمبر 2016.

سنّ قانون لتجريم التطبيع سيقلّل من مصداقيّة الحكومة ورجال الدّولة، وبعض الأطراف تسعى إلى استغلال التجريم للإعداد لصورة سياسيّةٍ من أجل الانتخابات

ويتضمّن مقترح الكتلة الديمقراطية ديباجة و8 بنود، تعرّف جريمة التطبيع في مختلف المجالات، السياسيّة والرياضيّة والفنيّة، وتضبط العقوبات على المطبّعين، التي تتراوح بين عامين وخمسة أعوام سجناً، وغرامات مالية تصل إلى 100 ألف دينار تونسي.

ويرجّح النائب عن الكتلة الديمقراطيّة، الأسعد الحجلاوي؛ أن يمرّ مشروع القانون خلال جلسةٍ عامّةٍ ستُعقد في الغرض، لافتاً إلى أنّ "الكتل البرلمانيّة والأحزاب ستجد نفسها أمام الأمر الواقع"، وقال في تصريحه لـ "حفريات": إنّ "الكتلة الديمقراطية أرادت أن تضع موضوع التطبيع فوق الطاولة، لا تحتها، لنرى مدى جديّة هذه القوى السياسية الممثلة في البرلمان".

النائب عن الكتلة الديمقراطيّة، الأسعد الحجلاوي

من جانبه، أكّد القيادي بحزب حركة الشعب ذات التوجهات القومية، خالد الكريشي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّه "مقتنع تماماً بأنّ قانون تجريم التطبيع سيمرّ هذه المرّة، وسيكون بمثابة الاختبار الحقيقي للأحزاب والكتل التي ترفع شعار "لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني"، ولتوضيح مدى ارتباطهم بجهات خارجية"، لافتاً إلى أنّ "حركة النهضة ستكون أمام اختبار صعب".

"البرلمان فشل سابقاً وسيفشل هذه المرّة"

مشروع هذا القانون كانت قد تقدمت به الجبهة الشعبيّة اليساريّة، عام 2015، لكنّه لم يُحل إلى جدول أعمال لجنة التشريع العام، وبقي مطموراً، مثله مثل مشروع القانون الذي تقدّمت به حركة وفاء للمجلس التأسيسي، عام 2012، زمن حكم "الترويكا".

اقرأ أيضاً: بعد 10 سنوات من اندلاعها: هل أكلت الثورة التونسية أبناءها؟

ونفضت عنه حركة الشعب، ذات التوجهات القوميّة، الغبار، بعد أن جمعت أكثر من مئة توقيع من مختلف الكتل بهدف تسريع النظر في القانون، ولاقت الخطوة تجاوباً داخل البرلمان احتجاجاً على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنّ البرلمان اختار توالياً، تأجيل النظر في مشروع قانون بهذا الخصوص.

يأتي ذلك وسط اتهامات لحركة النّهضة بتعطيل سنّ قانون يجرّم التطبيع، إذ تؤكّد معطيات راجت خلال العامين الماضيين؛ أنّ "رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، كان قد أكّد في اجتماعات مع عدد من قيادات الحركة رفضه تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ لأنّ ذلك سيُلحق أضراراً بالنهضة داخليّاً وخارجياً".

القيادي بحزب حركة الشعب ذات التوجهات القومية، خالد الكريشي

وكان نائب رئيس حركة النهضة، علي العريض، قد قال إنّ "قانون تجريم التطبيع يمكن أن يثير مشكلات لتونس مع الدول العربية والغربية، وحتى مع مؤسّسات أمميّة؛ لأنّ فيه إفراداً لتونس بشيء لا حاجة لها به"، معلّلاً ذلك بأنّ "الفلسطينيّين لم يطلبوا من أيّة دولة عربية أن تسنّ قانوناً يجرّم التطبيع"، وأضاف العريّض، في حوار مع صحيفة "الشروق" المحلية: أنّ قضيّة التطبيع في تونس "هي من السياسة الخارجية التي تعالَج في الجامعة العربيّة، وضمن صلاحيات رئاسة الجمهوريّة"، مؤكّداً أنّ "مناقشة هذا القانون تعدّ من المغامرات بصلاحيّات تونس".

اقرأ أيضاً: تونس: عبير موسي تُحذّر من محاولات ضرب المؤسسات السياسية.. ما علاقة الإخوان؟

ويعتقد رئيس الهيئة الوطنية لتجريم التطبيع ودعم المقاومة، أحمد الكحلاوي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ "هذا القانون لن يمرّ"، مستبعداً نجاح البرلمان الذي قال إنّه يتكوّن من "مجموعات أغلبها مع التطبيع، وفي مقدّمتهم حركة النهضة"، لافتاً إلى أنّ "رئيسها زار أمريكا، والتقى مع المنظمة السياسية "للصهيونية" هناك، وقام بعدّة محاضرات، مفادها أنّه "لا يوجد إشكال مع ما تسمّى إسرائيل".

ولفت الكحلاوي، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ "حلفاء الحركة الإسلامية لن يصوتوا أيضاً مع مشروع القانون، لأنّ ائتلاف الكرامة، مثلاً، لن يمانع التطبيع، باعتباره أحد أذرع الحركة، أما قلب تونس، فالاتهامات الموجّهة لرئيسه، نبيل القروي، بالتعامل مع لوبيات إسرائيلية كافية لمعرفة موقفه".

الناشط التونسي أحمد الكحلاوي لــ"حفريات": حركة النّهضة لن تسمح بتمرير قانون يجرّم التّطبيع، والغنوشي زار أمريكا والتقى مع المنظمة السياسية "للصهيونية"

وأضاف الكحلاوي؛ أنّ "منظمته قدّمت، عام 2013، مشروع قانون ينصّ على أنّ من يطبّع مع "الكيان الصهيوني" يرتكب جريمةً يجب أن يُعاقب عليها"، وأنّ "لجنة الحقوق والحريات صوّتت لصالح القانون، وتمّ إصداره بالرائد الرسميّ، غير أنّ رئيس البرلمان السابق، مصطفى بن جعفر، حذفه، وغيّبه بجملة "تونس مع حركات التحرّر بالعالم بما فيها حركة التحرّر الفلسطينية".

رئيس الهيئة الوطنية لتجريم التطبيع ودعم المقاومة رأى أيضاً أنّ "قوى عالمية تتدخل بالقرار التونسيّ، بمساعدة أطراف داخلية"، مشدّداً على أنّ "الشعب التونسي لن يسمح بالتطبيع، خصوصاً أنّ موقف الرئيس قيس سعيّد يجرّمه، وبالمقابل فإنّ وضع رئيس البرلمان، راشد الغنّوشي، غير الجيّد لن يسمح لها بالنجاح في تمرير التطبيع، بالتالي؛ فإنّ تونس لن تنجح في تجريم التطبيع دستورياً، لكنّها ستنجح في ذلك شعبياً".

حراك تونسيّ

وفي ظلّ السباق العربي نحو إسرائيل، تصاعدت دعوات أحزاب تونسية إلى سنّ قانون يجرّم التطبيع؛  حيث طالب الحزب الجمهوريّ التونسيّ البرلمان "بالإسراع في سنّ قانون يجرّم التطبيع"، داعياً رئيس الجمهورية "للإعلان دون تأخير، عن موقف رسميّ تونسيّ واضح يدين كلّ خطوات التطبيع مع دولة الاحتلال".

اقرأ أيضاً: برلماني حليف للغنوشي يهين نساء تونس ويصف بعضهن بالعاهرات

من جانبها، دعت "حركة تونس إلى الأمام"، في بيان رسميّ، كلاً من رئاسة الحكومة والجمهورية إلى عدم الانخراط بشكلٍ أو باَخر  فيما اعتبرته "المخطط الخياني الذي تقوده الجامعة العربية"، وتكريس ما وصفه سعيّد، إبان حملته الانتخابية، بأنّ "التطبيع خيانة عظمى"، فيما يواصل نشطاء ومنظمات حقوقية وقيادات حزبية، منذ أسابيع، تنظيم وقفات احتجاجية، للتنديد بالتطبيع العربي مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: من بينها الخضوع للمرشد: عوائق تصنيف إخوان تونس "جماعة إرهابية"

بدوره، رأى الدبلوماسيّ السابق، أحمد ونيس؛ أنّه "لا يجب على البرلمان أن يربط الحكومة بقانونٍ يجبرها على اتخاذ أيّ قرار بشأن التطبيع، خصوصاً في ظلّ الأجواء القريبة من تونس، بعد تطبيع المغرب وعدد من الدول العربية للعلاقات مع إسرائيل"، لافتاً إلى أنّ "القيادة والشعب يحميان البلاد جيّداً من الانسياق وراء خطوات التّطبيع التي تتالت".

الدبلوماسيّ السابق، أحمد ونيس

وقال ونيس، في تصريحه لـ "حفريات" إنّ "بعض الأطراف السياسية تسعى إلى استغلال هذا الظرف للإعداد لصورة سياسيةٍ من أجل الانتخابات"، واصفاً بعض المبادرات بسنّ قانون يجرّم التطبيع بأنها "ألاعيب سياسة لا يتمنى أن تنجح؛ لأنّها نجاحها في سنّ مثل هذا القانون سيقلّل من مصداقية الحكومة ورجال الدولة".

وشدّد رئيس الخارجية السابق على ضرورة تقوية الدولة وعدم تقييدها بقانون، لأنّ قوّة تونس في مبادئها التي التزمت بها على مرّ العقود رغم وجود حريّة للتصرّف.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) قد أكّد رفضه لأيّ تعامل مع الكيان الصهيوني تحت أيّ ذريعة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو أكاديمية أو غيرها، ورأى في بيان له؛ أنّ "التبريرات التي يسوّق لها البعض والمتصلة بإغراءات الاستثمار والتشجيع على السياحة وتقديم الدعم المالي، إنّما هي أوهام يزرعها دعاة التطبيع لضمان مصالحهم مع الكيان الصهيوني والدول الراعية له.

اقرأ أيضاً: فوضى البرلمان في تونس تعيد التوتر بين الرئيس سعيد وحركة النهضة

وحذّر الاتحاد السلطة من أيّة خطوة تطبيعية، مؤكداً أنّ "النقابيين والقوى الوطنية، وكافة الشّعب التونسيّ، سيتصدّون لأيّة محاولة لجرّ تونس إلى مستنقع التطبيع"، مجدداً مطالبة البرلمان بالمصادقة على المبادرة الخاصة بسنّ قانون تجريم التطبيع.

وكانت تونس قد احتضنت منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات من القرن الماضي، تحديداً منذ عام 1982، بعد خروجها من لبنان، كما تمّ اقتراح تونس كمقرّ لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد استقبلت تونس آنذاك الآلاف من الفلسطينيين بحفاوة شعبية عارمة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية