ماذا وراء استقبال الخرطوم لبومبيو وآبي أحمد في يوم واحد؟

ماذا وراء استقبال الخرطوم لبومبيو وآبي أحمد في يوم واحد؟


30/08/2020

من غير المرجح أن يكون تزامن زيارتَي وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى الخرطوم، الثلاثاء 25 من الشهر الجاري، مصادفةً؛ لما تتطلبه الزيارتان من ترتيبات أمنية وسياسية كبيرة، إلى جانب أنّه لا وجود للمصادفة في عالم السياسة.

وحمل بومبيو ملفات ساخنة إلى الخرطوم، أُعلن أغلبها، ولم يُعلن بعضها، وعلى رأس المُعلن عنها؛ مناقشة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والترتيبات الأمنية لحماية المدنيين في دارفور، والعلاقات السودانية مع إسرائيل، ودعم الانتقال الديمقراطي في السودان.

يرى مراقبون أنّ واشنطن تربط ملف شطب اسم السودان من قوائم رعاة الإرهاب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو على الأقل إحراز تقدم في بناء علاقات بينهما

كما حمل آبي أحمد ملفات مُعلناً عنها، وأخرى غير مُعلنة، تمثّلت الأولى في التكامل بين البلدَين في جميع المجالات، ومسألة الخلافات الحدودية، وأزمة سدّ النهضة.

وبالنسبة إلى ملفات بومبيو غير المُعلن عنها؛ يرى مراقبون أنّها تتمثّل في دعم وجهة النظر الإثيوبية في أزمة سدّ النهضة، بالتنسيق بين السودان وإثيوبيا؛ حيث يميل بومبيو إلى إثيوبيا، على عكس وزير الخزانة، الذي يتفهّم وجهة النظر المصرية.

ويرى المراقبون أنّ ملفات آبي أحمد غير المعلنة تتمثّل في؛ دعم الحكومة الانتقالية أمام الولايات المتحدة، ومناقشة ملف العلاقات السودانية-الإسرائيلية، ومنافسة التقارب المصري الأخير مع الخرطوم.

العقوبات على السودان

وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات على السودان، على خلفية تصنيفه ضمن قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وبعد إطاحة البشير، العام الماضي، وأعلنت واشنطن فتح نقاش حول رفع اسم السودان من القائمة، لدعم الانتقال الديمقراطي.

حمدوك وآبي أحمد

وجاءت زيارة مايك بومبيو، كأول زيارة لمسؤول أمريكي كبير منذ عقود، بهدف مناقشة عدد من الملفات الاقتصادية والسياسية مع رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، وعلى رأسها؛ شطب اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب، لإتاحة الفرصة أمامه للحصول على قروض ومنح دولية، وكذلك ملف العلاقات مع إسرائيل، ويرى مراقبون أنّ واشنطن تربط بين الملفين، لتحقيق الانتصار لإدارة ترامب، قبيل الاستحقاق الرئاسي المقبل.

وهبطت طائرة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى الخرطوم، قبيل ساعات من وصول وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ما أثار تكهنات حول هذا التزامن. وحول ذلك، يقول الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر: "لا أظنّ أنّ هناك تنسيق مسبق، لكن هناك توافق غير مقصود، وربما يكون بومبيو وآبي أحمد ناقشا ملفات مشتركة مع السودان، وعلى رأسها أزمة سدّ النهضة، التي تشغل الإدارة الأمريكية".

اقرأ أيضاً: الذهب في السودان: منقبون غير قانونيين عن الكنوز يدمرون موقعا أثريا عمره 2000 عام

وتختلف مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، ورئيسة تحرير سلسلة أفريقيات، أماني الطويل، مع الطرح السابق، وترى أنّ هناك تنسيقاً بين الزيارتَين، وتمّت مناقشة أزمة سدّ النهضة، بين الأطراف الثلاثة.

ويهتم آبي أحمد بدعم الحكومة الانتقالية، التي لعب دوراً كبيراً في تشكيلها، بعد رعايته مفاوضات قوى الحرية والتغيير مع الجيش، والتي نتج عنها الاتفاق السياسي بين الطرفين، في تموز (يوليو) العام الماضي.

رئيسة تحرير سلسلة أفريقيات أماني الطويل لـ "حفريات": التنافس بين المكونَين العسكري والمدني يعطّل العلاقات المصرية السودانية؛ فأيّ تقارب مصري مع طرف منهما، يحسبه الآخر موجهاً ضدّه

وتأتي زيارة آبي تأكيداً على دعم السودان في مفاوضاته مع واشنطن، حول الشطب من قوائم الإرهاب، ويقول عن ذلك، إبراهيم ناصر، لـ "حفريات" : "قديماً لعبت إثيوبيا دوراً في رفع العقوبات عن السودان، فهي تعدّ حلقة وصل بين السودان والغرب، خاصة أمريكا، وآبي أحمد، بحكم أنّه يرعى الاتفاق السياسي في السودان، ويعدّه إنجازاً له، يسعى للحفاظ عليه من خلال تقوية الحكومة الحالية؛ لذلك جاءت زيارته كرسالة دعم للسودان، في قضاياه الداخلية، وعلاقاته الخارجية".

وترى أماني الطويل؛ أنّ زيارة آبي جاءت لتهيئة الحوار بين حكومة حمدوك وبومبيو، بما له من علاقات طيبة مع حمدوك، وتقول: "يتيح آبي أحمد لبومبيو مدخلاً للحوار الفعّال مع الحكومة السودانية، خاصة في قضية شطب اسم السودان من قوائم رعاة الإرهاب، إلى جانب أنّ آبي بمثابة ضاغط أمريكي على حمدوك، في قضايا أخرى".

ومن المرجح أنّ آبي سعى إلى التوصل لحلّ قضية التعويضات التي سيدفعها السودان، لأسر ضحايا تفجيرات سفارتَي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، عام 1998، والبارجة "يو أس كول" قرب شواطئ اليمن، عام 2000، التي يتَهم نظام المخلوع عمر البشير بالضلوع فيها.

اقرأ أيضاً: لمصلحة مَن إشعال نيران الصراع القبليّ في شرق السودان؟

وكانت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، نقلت عن أعضاء في النواب والشيوخ الأمريكيين؛ التوصل لاتفاق بين واشنطن والخرطوم، تدفع الأخيرة بموجبه 335 مليون دولار كتعويضات لأسر الضحايا، ولم يخرج بيان رسمي من السودان حول ذلك.

ووفق البيان الرسمي لوزارة الإعلام السودانية؛ فإنّ الطرفَين لم يتوصّلا إلى خطوات محددة حول شطب اسم السودان من قوائم رعاة الإرهاب.

صفقة العلاقات مع إسرائيل

ويرى مراقبون؛ أنّ واشنطن تربط ملف شطب اسم السودان من قوائم رعاة الإرهاب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو على الأقل إحراز تقدم في بناء علاقات بين الخرطوم وتلّ أبيب.

وكان البيان الصادر عن وزارة الإعلام السودانية أكد على إبلاغ حمدوك لبومبيو بأنّ حكومته غير مخوّلة بالبتّ في هذا الموضوع، وأنّ حكومة انتقالية لا يمكنها بحث ذلك، إلا بعد استكمال المؤسسات السياسية.

اقرأ أيضاً: هل بات شطب السودان من قائمة الإرهاب وشيكا؟

وهناك خلاف بين المراقبين حول وجود دور لآبي أحمد في حثّ السودان على التطبيع مع إسرائيل، فيرى الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر؛ أنّ إثيوبيا لا تريد علاقات بين السودان وإسرائيل، لأنّ ذلك يقلل من أهميتها بالنسبة إلى إسرائيل، بل تريد تأزيم العلاقات العربية-الإسرائيلية لتزيد مكانتها لدى إسرائيل وواشنطن، لما تتمتع به من علاقة قوية معهما.

ويردف ناصر، لـ "حفريات": "أخذت إثيوبيا مكانتها المهمة لدى إسرائيل من إستراتيجية شدّ الأطراف، التي تتبعها إسرائيل مع تركيا وإيران وإثيوبيا، ولا مصلحة لها في وجود علاقات سودانية - إسرائيلية".

وترى أماني الطويل خلاف ذلك، وتقول لـ "حفريات": "تراهن واشنطن على العلاقة الجيدة بين آبي أحمد وحمدوك، للضغط على الخرطوم في قضية التطبيع مع إسرائيل".

أزمة سدّ النهضة

ويدعم فكرة التنسيق بين زيارة بومبيو وآبي أحمد، أنّ الأول يتفق مع وجهة النظر الإثيوبية في ملف سدّ النهضة، ومن الوارد أنّ آبي أحمد حاول من خلال الزيارة كسب ودّ واشنطن، مرة ثانية، في هذه القضية، خاصة بعد التراجع عن توقيع اتفاقية واشنطن، بشأن السدّ، والتي رعاها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشكل شخصي.

حمدوك ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي

وتوضح ذلك، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، ورئيسة تحرير سلسلة أفريقيات، أماني الطويل، بقولها: "هناك انقسام في الإدارة الأمريكية بشأن أزمة سدّ النهضة؛ فبومبيو يميل إلى وجهة النظر الإثيوبية، على عكس وزير الخزانة، الذي رعى مفاوضات واشنطن، التي توصلت إلى اتفاق مُلزم، يراعي مطالب الدول الثلاث".

اقرأ أيضاً: مَن يعبث في مسيرة الإصلاح الثوري في السودان؟

وتتابع الطويل: "عندما أعلن وزير الخزانة الأمريكي ألا ملء للسدّ من دون التوصل لاتفاق، كان بومبيو في زيارة إلى أديس أبابا، وصرّح بأنّ التوصل لاتفاق ربما يطول لعدّة أشهر، مبرراً بذلك وجهة نظر إثيوبيا، بأنّ الملء يبدأ بينما تجري المفاوضات.

ولا يأتي الدعم الإثيوبي للخرطوم دون مقابل، ويقول عن ذلك الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر: "مقابل الدعم الإثيوبي للخرطوم في علاقاتها مع واشنطن، تريد مواقف مساندة لها في مفاوضات السدّ أمام مصر".

التنافس على السودان

وجاءت زيارة آبي أحمد إلى الخرطوم، رداً على الزيارة التي سبقتها من رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، على رأس وفد كبير، والتي تُعدّ علامة فارقة في العلاقات المصرية السودانية، منذ الإطاحة بالبشير.

وتشرح ذلك، أماني الطويل، بقولها: "زيارة مدبولي هي القارب المصري الحقيقي الأول من نوعه مع المكوّن المدني في السودان، وحملت رسالة دعم واضحة، وهو الأمر الذي أقلق المكوّن العسكري، ودفعه لفتح قضية حلايب وشلاتين، أثناء خطاب لرئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان".

وتردف لـ "حفريات" قائلة: "التنافس بين المكونَين العسكري والمدني، يعطّل العلاقات المصرية السودانية؛ فأيّ تقارب مصري مع طرف منهما، يحسبه الآخر موجهاً ضدّه، بينما مصر مع الدولة السودانية، بمكونَيها العسكري والمدني".

اقرأ أيضاً: لماذا يبدو موقف السودان من سدّ النهضة "منزلة بين المنزلتين"؟

ويبدو أنّ زيارة مدبولي، على رأس وفد رفيع المستوى، وما نتج عنها من اتفاقيات، أقلقت إثيوبيا، خاصة أنّها توجهت إلى المكوّن المدني، الذي ترى فيه إثيوبيا حليفاً لها.

ويوضح ذلك، إبراهيم ناصر، بقوله: "يعجدّ السودان ساحة تنافس بين مصر وإثيوبيا، وبحكم موقعه فهو حلقة وصل بين الدول الأفريقية، ومهم للدول صاحبة الدور الإقليمي، مثل إثيوبيا ومصر، وآبي أحمد سعى من زيارته إلى التأكيد على أهمية السودان لدولته، كما هو مهمّ لمصر".

ولم يكن التنافس الإقليمي على السودان بعيداً عن زيارة بومبيو، بحسب مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أماني الطويل، التي ربطت بين الدعم الأمريكي لدور إثيوبيا الإقليمي، وتزامن الزيارتين.

وترى أماني الطويل؛ أنّ هناك تحفظات أمريكية على تعميق العلاقات المصرية مع السودان والقرن الأفريق؛ لذلك تدعم واشنطن الدور الإثيوبي في السودان بشكلٍ أو بآخر.

وكانت واشنطن وضعت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، عام 1993، وعلّقت عمل سفارتها، عام 1996، وفي العام التالي فرضت عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة عليه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية