ماذا وراء تحول الإخوان في ليبيا إلى جمعية غير حكومية؟

ماذا وراء تحول الإخوان في ليبيا إلى جمعية غير حكومية؟


11/05/2021

مع تراجع أسهمها في الشارع الليبي، وتورطها في مجموعة من قضايا الفساد، واستدعاء الاحتلال التركي، وميليشياته الأجنبية، تحاول جماعة الإخوان تغيير جلدها، استعداداً للانتخابات المقبلة، في كانون الأول (ديسمبر) القادم، والتي يحاول التنظيم أيضاً عرقلة مساراتها، برفض الاقتراع المباشر على منصب الرئاسة، والدخول في مساومات داخل مجلس النواب، لاقتناص أكبر قدر ممكن من الكعكة السياسية.

ففي أعقاب سلسلة من اللقاءات وورش العمل، التي جاءت من أجل التحضير للانتخابات المقبلة، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تحولها إلى منظمة غير حكومية، وتغيير اسمها إلى جمعية الإحياء والتجديد.

محاولة التنصل من إرث التنظيم

الجماعة قالت في بيان لها على الصفحات التابعة على مواقع التواصل الاجتماعي:"نعلن لجميع الليبيين، أنّ المجتمع بحمد الله وبعون الله، قد تحول إلى جمعية تسمى جمعية القيامة والإصلاح "الإحياء والتجديد"، من أجل إحياء دعوة المجتمع؛ لإطاعة منهج الوسيط، وتعاليم الإسلام، وتم اتخاذ القرار في المؤتمر الحادي عشر، حيث أقيمت العديد من ورش العمل وجولات الحوار"، وزعم التنظيم أنّ "جمعية الإحياء والتجديد، ستؤدي رسالتها في المجتمع الليبي، من خلال عملها الدؤوب في شتى مجالات العمل".

الجماعة أفصحت بوضوح عن أنّ السبب وراء هذا التغيير هو "تكثيف جهودها للتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة". وأشار بيان الجماعة إلى أنّ "مراعاة متغيرات الواقع، أمر تقتضيه الحكمة، ويفرضه منطق العقل"، وأنّ الجماعة "تتعامل مع كل مرحلة بما تستحقها من مطالب الاجتهاد وواجبات التغيير".

الدكتور سامح مهدي، الباحث المصري في الفكر السياسي المعاصر، أكد أنّ محاولة التخلص من الإرث السياسي للجماعة في ليبيا، تبدو واضحة من خلال البيان، الذي يحاول من خلال التنظيم غسل يديه من حقبة بأكملها، لعبت فيها الجماعة أدواراً شديدة الانتهازية، كانت فيها أقرب ما تكون إلى أدوار العمالة، وهو ما يناسب طبيعتها الوظيفية المركبة.

سامح مهدي: يحاول التنظيم غسل يديه من حقبة بأكملها، لعبت فيها الجماعة أدواراً شديدة الانتهازية، كانت فيها أقرب ما تكون إلى أدوار العمالة، وهو ما يناسب طبيعتها الوظيفية المركبة

مهدي أكّد كذلك في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، أنّ المحاولة لن تنطلي على أبناء الشعب الليبي، الذي عانى الأمرين من الجماعة وتحالفاتها الإقليمية، التي بددت مقدرات الشعب الليبي، وجلبت الفوضى والاحتلال التركي، والأمر في مجمله لا يختلف عن جملة المناورات التي مارستها الجماعة من قبل، فهي تارة تزعم أنّ حزب العدالة والبناء لا يرتبط بالجماعة، على الرغم من وضوع الصلة العضوية بينهما شكلاً وموضوعاً، وتارة أخرى تعلن أفرع التنظيم تجميداً أشبه إلى المناورة لشعبها في مناطق متفرقة، مثل مصراتة والزاوية، وكلها تكتيكات مكشوفة، جاء البيان الأخير كأحد أبرز تجلياتها.

عرقلة المسار السياسي مخطط إخواني

من جهته، يرى الأكاديمي المصري، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أنّ السياق الذي جاء فيه بيان الإخوان الأخير، بتحويل الجماعة إلى جمعية غير حكومية، هو الذي فرض ذلك، في ظل جهود التسوية المتسارعة، ومحاولات بسط السيادة الليبية على كافة أراضيها، من الشمال إلى أقصى الجنوب، في إطار وطني، بات يزعج الجماعة، ويؤرق قياداتها.

ويؤكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، في تصريحاته لــ "حفريات"، أنّ زيارة وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، وأعضاء المجلس السيادي إلى الجنوب، يعد رسالة قوية، مفادها قدرة الحكومة الحالية على بسط سيادتها، وقدرتها على النجاح وتخطي المرحلة الإنتقالية، وهو الأمر الذي أربك الجانب الإخواني، والذي لا تتجاوز قوته وحجم تأثيره الــ 15%.

 أحمد فؤاد أنور: محاولات بسط السيادة الليبية على كافة أراضيها، من الشمال إلى أقصى الجنوب، في إطار وطني، بات يزعج الجماعة، ويؤرق قياداتها

ولفت أنور، إلى أنّه إذا تمت هذه المسيرة بنجاح، وتم الذهاب إلى الانتخابات، فسوف تنكشف جماعة الإخوان، ومدى الضعف الذي انتابها، مع ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من خسائر سياسية واقتصادية، ومن ناحية أخرى، ينتظر الجانب الإخواني رداً نهائياً من الراعي التركي، الذي يماطل في الاستجابة لطلبات المجتمع الدولي، لسحب القوات التابعة له مباشرة، والميليشيات المسلحة المساندة، والتي يرفض الإخوان رحيلها، وتجلى ذلك بوضوح في التصريحات الأخيرة للغرياني، مفتي الدم، ما يؤكد الرغبة الإخوانية الدفينة، لعرقلة المسار السياسي، خاصّة وأنّ هناك تحركات بالفعل، لمعتصمين في بعض المباني الحكومية، لتعطيل المسيرة، وفرض أسماء بعينها على أجهزة الدولة السيادية والرقابية.

اقرأ أيضاً: إخوان ليبيا.. والهويّة المزيّفة

كل هذه الانتهاكات، دفعت الليبيين تجاه المطالبة بالتصدي للمخطط الإخواني، وتنامى مع الوقت تيار وطني كبير، للتصدي لمحاولات الهيمنة الإخوانية، الأمر الذي تجلى في عدة حملات، نادت بالتخلص من الوجود التركي، ومؤخراً دشن عدد من النشطاء حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، للتحذير من المساعي الإخوانية الرامية إلى حرمان الشعب من اختيار رئيسه، وجعل الأمر بيد البرلمان، وهو الأمر الذي أثار غضب الليبيين، الذي رفضوا آليات الانتخاب الإخوانية.

ويبدو أنّ الجماعة لن تكف عن إثارة الأزمات، بهدف دفع المسار السياسي تجاه ما يخدم مصالحها، ويحقق أغراض الهيمنة والتمكين، فهذا الافتعال المتعمد للأزمات ليس بغريب عن الجماعة، التي ربما اكتشفت أخيراً حجمها الحقيقي، وتحاول التحرك وفقاً لإمكانياتها الشعبية المحدودة، باستدعاء التحالفات الإقليمية، وتفخيخ المسار السياسي.

اقرأ أيضاً: ليبيا: ميليشيات طرابلس تهدد المجلس الرئاسي... ما القصة؟

هذا وقد ساقت الجماعة، من خلال عدد من قيادييها، مجموعة من المبررات، لتفسير قرارها بالتحول إلى جمعية غير حكومية، حيث قال عضو الذراع السياسي للجماعة، العدالة والبناء، والقيادي السابق في التنظيم، عبد الرزاق سيرجن، في تصريحات خصّ بها وكالة أنباء الأناضول، إنّ "الجماعة قررت أن يكون عملها داخل ليبيا فقط، لذا فقد تحولت إلى منظمة غير حكومية"، زاعماً أنّه بعد هذا القرار، "لن يعد للتنظيم صلات خارج ليبيا، ولن يعد منتمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأصبح مجتمعاً مستقلاً يعمل داخل البلاد فقط".

اقرأ أيضاً: "إخوان" ليبيا وفشل إعادة التموضع

من جهة أخرى، أثار قيام مجلس النواب الليبي باستبعاد الإخوان من المناصب السيادية، غضب قيادات التنظيم، حيث هاجم خالد المشري، رئيس ما يسمى بمجلس الدولة، المستشار عقيلة صالح، زاعماً أنّ الأخير أخلّ باتفاقيات بوزنيقة، ويبدو أنّ صالح وأعضاء البرلمان، بتقويضهم مشروع الهيمنة الإخواني، سوف يدخلون في مواجهة جديدة، أراد التنظيم أن تكون من وراء ستار، بتغيير اسمه، وإعلان جمعيته المزعومة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية