ماذا يخبئ الاتفاق التركي مع حكومة السراج؟

ماذا يخبئ الاتفاق التركي مع حكومة السراج؟


17/12/2019

بإعلان تركيا دخول مذكرة التفاهم (ذات طبيعة قانونية مؤقتة) التي وقعتها مع حكومة فايز السراج (الوفاق الليبية) لترسيم الحدود البحرية بين البلدين حيز التنفيذ، رسمياً، في 8 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، وتصديق البرلمان التركي عليها في الخامس من الشهر نفسه، بدأت دوافع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحقيقية في الظهور، خصوصاً مع اشتراط هذا الاتفاق عدم دخول أي طرف منهما في اتفاقية ترسيم حدودي بحري مع أي دولة أخرى دون موافقة الطرف الثاني.

اقرأ أيضاً: الكشف عن أسرار اتفاقية أردوغان- السراج يُحوّل ليبيا إلى بلد مُحتل
الأمر يعني أنّ تركيا تلعب بالجغرافيا السياسية لتكون حاضرةً في شرق المتوسط، وهي المنطقة الغنية بآبار الغاز الطبيعي، كما لو كانت صاحبة مياه إقليمية وحارسة للساحل الليبي الممتدّ، الذي يُعدُّ أطول ساحل لبلد إفريقي مُطلٍّ على البحر المتوسط؛ إذ يبلغ طوله 1770 كيلومتراً (1.100 ميل)، فبناءً على هذا الاتفاق لا يمكن أن تتفق ليبيا (حكومة الوفاق) مع أي طرَف آخر إلا في وجود تركيا وموافقتها؛ إذ تستند أنقرة في توقيع تلك الاتفاقية على مبدأ الجُرف القاري الذي يضمن سيادتها على البحر المتوسط إلى نحو 200 ميل بحري!
تركيا تستهدف مصر وتناوِش قبرص واليونان
منذ إسقاط حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي أخذت السياسات التركية تتبع منهجاً استفزازياً تجاه مصر، وهو أمر تتفهمه الأخيرة تماماً، لوجود تحالف تركي إخواني مُعادٍ لهـا، لذلك دخلت في محادثات جادّة مع اليونان لتحديد المناطق الاقتصادية البحرية بين البلدين.

الاتفاقية معدومة الأثر القانوني لأنّها خارج إطار الصلاحيات لحكومة الوفاق الليبية المقررة في اتفاق الصخيرات

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، عقد قمة ثلاثية مع نظرائه القبارصة واليونانيين للترويج لصفقة توريد الغاز من الحقول البحرية القبرصية إلى مصر، كما أجرَت مصرُ مناورات جوية مشتركة مع اليونان في المنطقة منذ العام 2015، كان أوّلها، مناورات "ميدوسا"، في جزيرة رودس اليونانية على بعد اثني عشر ميلاً فقط من الساحل التركي، وفي العام 2018، بدأت القوات القبرصية المشاركة في مناورات ميدوسا.
وبشكل منفصل، أجرت هذه القوات ثلاث جولات من المناورات المشتركة في وقت سابق من العام نفسه، وهو ما يعطي انطباعاً مؤكداً بأنّ الدول الثلاث، مصر واليونان وقبرص، لا تغفل عن استفزازات أردوغان ومحاولاته فرض هيمنته في منطقة شرق المتوسط، ولأنّه يدرك أنّه دون هؤلاء الحلفاء المؤثرين فإنّ أنقرة تواصِل ترسيخ مكانتها في شرق البحر المتوسط من أجل متابعة مصالحها في مجال الطاقة والأمن، وفي الوقت نفسه مناوَشة اليونان وقبرص.

اقرأ أيضاً: إخوان ليبيا يخاطبون السراج من أجل تركيا.. هذا ما طلبوه
استدعى هذا الاستفزاز ردَّ فعل مصريّاً مضاداً، أسفر عن بيان ثلاثي مع اليونان وقبرص يعترض على الاتفاق الثنائي، وفي الوقت نفسه بدأ الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في تطوير عملياته العسكرية في ليبيا، فتصدّت قواته لأرتال عسكرية تابعة لتركيا في الأراضي الليبية، كما أسقط طائرة تركية بدون طيار في مجال سيطرته.
وبلغ الأمر ذروته بتنفيذ القوات البحرية المصرية تدريباً بحرياً جاءت تسميته في بيان المتحدث العسكري بأنّه في "مسرح عمليات" البحر المتوسط، وهي كلها تطورات حقيقية على أرض الواقع تثبت أنّ الأمر جادّ، وأنّ الاستفزازات التركية انتقلت من مرحلة التلويح الكلامي، إلى المواجهات المباشرة، والتحرُّش العسكري بطريق غير مباشر.

الاستفزازات التركية انتقلت من مرحلة التلويح الكلامي إلى المواجهات المباشرة والتحرش العسكري بطريق غير مباشر

وهو ما يُفهَم منه أنّ أردوغان وحزبه الإسلاموي "العدالة والتنمية" ما تزال تراودهما أحلام استعادة "أمجاد الماضي"، وهو ما حدا بهما إلى تبني أهداف سياسية واستراتيجية تمكّن من الولوج إلى النفق العثماني الاستعماري القديم، ومحاولة فرض النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري التركي، والدخول في مقايَضات سياسية وجيوسياسية تضمن له الوجود كلاعب رئيسي في المنطقة العربية، الأمر الذي يجعلنا نضع التحرك التركي الأخير في البحر المتوسط، للبحث عن الطاقة ولتأمين الوجود الاستراتيجي للدولة ومسارات الملاحة البحرية والجوية، كنوع من المقايَضة الاستفزازية لمصر تحديداً؛ باعتبارها ما تزال الرقم الأصعب في أي معادلة في منطقة الشرق الأوسط.
مستقبل المواجهة
بصرف النظر عن كون تلك الاتفاقية التركية الليبية معدومة الأثر القانوني؛ إذ لا يحق لحكومة الوفاق الليبية توقيع الاتفاقيات مع تركيا؛ لأنّ ذلك يقع خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة في ١٧ كانون الأول (ديسمبر) 2015، فإنّ مواجهة التمدد التركي في المنطقة يستلزم أن تكون القاهرة وأثينا دائماً في تواصُل وتداوُل أفكار ومعلومات ورؤى سياسية واستخباراتية وعسكرية، ولا سيما أنّ اليونان تخسر جزءاً كبيراً من منطقتها الاقتصادية الخالصة لحساب تركيا، واعتقادها بحقها التاريخي في البحر الأبيض المتوسط؛ إذ ترتبط اليونان بحدود بحرية مشتركة مع دولتي الاتفاق (ليبيا وتركيا)، كما أنّ وجود اليونان كعضو في الاتحاد الأوروبي من شأنه تجييش معظم دول الاتحاد ضد تركيا وأطماعها في البحر المتوسط وثرواته.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل انقلبت الميليشيات المسلحة على السراج وحكومته؟
من الواضح أنّ تركيا تسعى باتفاقها مع حكومة الوفاق إلى فرض سيناريو مبيّت مفاده دفع مصر واليونان، ولو على المدى المتوسط، إلى التفاوض مجدداً على ترسيم الحدود البحرية وتقاسم المصالح الاقتصادية في المناطق المشتركة، لكنّ الدولتين تعلمان أنّ أردوغان لا يسعى من وراء ذلك إلا إلى فرض الهيمنة ومحاولة استعادة الخريطة الجيوسياسية لفترة عفا عليها التاريخ!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية