ماذا يخفي مشهد التظاهرات في الجزائر؟

الجزائر

ماذا يخفي مشهد التظاهرات في الجزائر؟


07/03/2019

منذ العام 1999، حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الجزائر، واستمر حكمه إلى اليوم خلال أربع فتراتٍ ترشح خلالها ونجح في إدارة الحكم بالجزائر، معززاً هو والحكومات الجزائرية المتعاقبة حالةً من الاستقرار الأمني والاقتصادي (على وجه العموم) بعد سنواتٍ من العنف عرفت باسم "العشرية السوداء".

صرّح الجيش الجزائري وسط مظاهراتٍ تجتاح البلاد أنّه لن يُسمح بعودة البلاد إلى حقبة سفك الدماء

لكن، بعد مرور ثمانية عشر عاماً، ومع التدهور الملحوظ في صحة الرئيس، خرج الجزائريون بكثافةٍ إلى الشوارع منذ نهاية شباط (فبراير) الماضي في مظاهراتٍ حاشدة بمعظم أطيافهم ومدنهم ضد ترشح الرئيس لفترة حكم جديدة خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، فيما علت أصواتٌ رسمية متحدثةً عن تخوفاتٍ من العودة إلى الفوضى وعدم الاستقرار في ظل عدم وجود خليفةٍ مؤهل، حسب زعمها، ليحكم البلاد في حال خرج بوتفليقة من سدة الرئاسة. مما زاد من حدة الجدل في الساحة الجزائرية.

شخص أم نظام؟
آخر خطابٍ ألقاه الرئيس الجزائري بوتفليقة بصورةٍ رسمية كان في العام 2014، بعد ذلك قلّ ظهوره العام كثيراً، إلى أن ظهر في العام 2016 "على كرسيٍ متحرك وكانت صحته غير جيدة" وفقاً لتقريرٍ نشرته "بي بي سي" في 6 آذار (مارس) الجاري. وكان الرئيس بوتفليقة تحدث مراتٍ عديدة بعد العام 2010 عن ضرورة تعزيز الحريات والعدالة والتنافس السياسي وحقوق قوى المعارضة من خلال مؤسسات الدولة بصورةٍ تدريجية ومستمرة، غير أنّ الجدل القائم اليوم حول ترشحه لولايةٍ خامسة يكاد يحسم أنّ هذا الأمر لم يتحقق بصورةٍ واقعية، وذلك لأنّه من الواضح من خلال ترشحه أنّه لا انتقال سلساً للسلطة في الجزائر من خلال أحزابٍ ومرشحين آخرين.

بوتفليقة مرشح الجبهة الوطنية وحزبها الحاكم ويمثل حقبةً طويلةً دامت لعقدين من تلاقي مصالح قوى تقليدية جزائرية

وتؤكد بعض التصريحات الداخلية من الجزائر وجهة النظر هذه؛ إذ قال رئيس الجيش الجزائري أحمد قايد صالح بتاريخ 5 آذار (مارس) الجاري، في تصريحٍ تناقلته وكالات الأنباء حول العالم أنّ "الجيش سوف يضمن الأمن في البلاد ولن يسمح بعودة الجزائر إلى حقبة سفك الدماء (العشرية السوداء)" وسط مظاهراتٍ تجتاح البلاد منذ أسابيع، وأضاف صالح في حينه، خلال كلمة بثتها قناة "النهار" الجزائرية، أنّ "بعض الأطراف يزعجها أن تكون الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر".

اقرأ أيضاً: دائرة الاحتجاجات تتسع بالجزائر.. تفاصيل

الجيش ممثلاً برئيس أركانه يحذر من موجةٍ عنفٍ جديدة

اقرأ أيضاً: الجزائريون يردّون على رسالة بوتفليقة وحزبه

ولا يوجد أي تفسير لإدلاء الجيش الجزائري بدلوه في الجدل القائم بالجزائر الآن، مستبقاً أي حالات عنفٍ او إرهابٍ لا يتمنى أحدٌ وقوعها، إلا من خلال العودة إلى وضع الجزائر منذ استقلاله عن فرنسا بعد العام 1962 حيث لا توجد معارضة جزائرية واضحة أو موحدة، بينما تستمر "جبهة التحرير الوطني" بحكم الجزائر منذ حصول البلاد على استقلالها. ومروراً بفترة العام 1992 حين نجحت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" في الانتخابات التشريعية، ومن ثم حظرها مباشرة من قبل الجيش الجزائري وإيقاف الانتخابات آنذاك، فتغير الوضع في البلاد وحكمت الجبهة الوطنية من جديد، وهو ما عدّه المحلّلون والمؤرخون "حدثاً أوقف مسار الديمقراطية والتعددية من جهة، وعبّر من جهةٍ أخرى عن رغبة جنرالات الجيش في حينه بعدم استلام حزب عدوهُ متطرفاً أو متشدداً دينياً للحكم في الجزائر؛ حيث كان لجبهة الإنقاذ سياسات معلنة من بعضها فكرة تنظيف مؤسسات الدولة ومناصبها من النساء وممن سمّتهم عناصر مشبوهة، ومنع الاختلاط. فاندلعت أعمال عنفٍ استمرت لسنوات" وفقاً لتحقيقٍ نشرته "سي إن إن" في 2017.

الشارع يرفض ترشح بوتفليقة لولاية خامسة بسبب وضعه الصحي الحرج وينتقدون ما آلت إليه الأمور في الجزائر

الرئيس بوتفليقة، هو مرشح الجبهة الوطنية وحزبها الحاكم، لذا فإنه يمثل حقبةً طويلةً دامت لأكثر من عقدين ربما من تلاقي مصالح الجيش الوطني الجزائري مع مؤسسات الحكم في الجزائر. وهو وحده ما يبرّر تصريحات الجيش الذي يأخذ سلامة الجزائر في حسبانه بجميع الأحوال. ولذا فإن الرئيس يمثل النظام بكل تأكيد ولا يمثل نفسه فقط، غير أنّ الجدل يدور في الشارع بشأن صحته وقدرته على الحكم، فيما يأتي التناقض من خلال بعض التصريحات الرسمية، التي تشي ربما بعدم وجود رجلٍ أو رئيسٍ قادرٍ على أن يضمن عدة مصالح داخلية جزائرية متشابكة، فهل يستطيع بوتفليقة اليوم هذا، رغم مرضه؟

الشارع يسأل
بدوره، يسأل الشارع الجزائري السؤال ذاته، حول قدرة الرئيس على الحكم بسبب وضعه الصحي أصلاً، كما يفكر آخرون باحتمال "أن يمنعه مرضه نهائياً من تأدية خدمته كرئيس للجزائر" وحينها، ماذا سوف يحصل؟ بحسبٍ تقريرٍ نشرته "سكاي نيوز" في 6 آذار (مارس) الجاري. ويضيف التقرير أنّ الجزائريين يعتقدون بـ "انعدام وجود إصلاحاتٍ سياسيةٍ حقيقية طوال السنوات الماضية، وهو ما يؤكد ترشح رئيسٍ بوضعٍ صحيٍ معقدٍ للحكم وسط ادعاءات بعدم القدرة على إفراز أحزابٍ وشحصياتٍ أخرى يمكن لها إدارة البلاد"، إن صح التعبير. 

اقرأ أيضاً: الدرس الجزائري السوداني
ويذكر في التقرير أيضاً، سخط الشباب الجزائريين من "انفصال الرئيس بوتفليقة عن همومهم في قطاعات العمل وفرص الدراسة والوظائف وغيرها، وعدم استجابته لمطالباتهم له بعدم الترشح من جديد، خصوصاً أنّهم يرون أنّه لم يعد يحكم البلاد منذ سنوات"، فبالنسبة لهؤلاء الشباب توجد منظومة أو نظام يحكم، ليس الرئيس الحالي بوضعه الصحي الحرج سوى "واجهةٍ له".

الرئيس بوتفليقة

لكن، ووفقاً للتقارير السابقة، فإنّ الرئيس بوتفليقة من مستشفاه في جنيف بسويسرا، وعد المتظاهرين من الشعب الجزائري بـ"إصلاحٍ دستوريٍ في حالة إعادة انتخابه، في إطار خريطة طريق نحو المستقبل. كما وعد بأنّه سوف يدعو لانتخاباتٍ مبكرة، ولن يترشح فيها مرة أخرى، ربما ليضمن انتقالاً سلساً للسلطة بسبب وضعه الصحي"، فهل تفيد هذه التصريحات الأخيرة في إعادة الاستقرار كاملاً للجزائر؟

الجدل القائم اليوم ربما يقود إلى سخطٍ شعبيٍ تجاه النظام كله وليس حول شخص الرئيس وحده

يبقى هذا السؤال مفتوحاً؛ إذ إنه يحتمل أكثر من إجابة، فزيادة الوقت في الجدل القائم اليوم ربما يقود إلى سخطٍ شعبيٍ تجاه النظام كله وليس حول شخص الرئيس وحده، مما يزيد الاحتقان ويعقّد الأوضاع أكثر، وربما أنّه يمكن تطبيق ما صرّح به بوتفليقة أخيراً، وسيؤجل كل شيءٍ في هذه الحال إلى حين إجراء انتخاباتٍ أخرى مبكرةٍ لاحقاً، وإما أنّ الجدل جميعه حول شخصيةٍ الرئيس، ليس سوى ورقة رابحة، من أجل تمرير النظام من عنق الزجاجة، والقدوم إلى الحكم مع رئيسٍ جديد يرضي الشعب ومطالباته بتغيير بوتفليقة، ومن جهةٍ أخرى يبقي النظام الجزائري في تشابكات علاقاته وأسلوب إدارته للبلاد على حاله.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية