ماذا يعني اعتراف بايدن بأنّ إيران جادّة في المفاوضات حول برنامجها النووي؟

ماذا يعني اعتراف بايدن بأنّ إيران جادّة في المفاوضات حول برنامجها النووي؟


12/05/2021

لا تعدو المحادثات الجارية في فيينا، والتي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، كونها أكثر من "طاولة مفاوضات تجمع الأطراف والقوى المعنية للتفاهم حول الخطوات الإجرائية المطلوبة، ومن ثم، اختبار التزامها بخصوص العودة المرحلية إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (التسمية الرسمية للاتفاق النووي)"، حسبما يوضح المحلّل السياسي والباحث الإيراني، صلاح أبو شريف، وهو الأمر الذي يرصد من خلاله أسباب تعثّر المفاوضات التي شهدت تفاؤلاً كبيراً، ثم عاد الحذر، مجدداً، ليخيّم على مراحلها وتفاصيلها، مع ظهور المعوّقات والخلافات المتفاوتة.

تحدّيات في مسار المفاوضات

منذ بدء الجولة الأولى من المحادثات، في نيسان (أبريل) الماضي، بين إيران ومجموعة "4+1"، والتي تشارك فيها الولايات المتحدة، بصورة غير مباشرة، من خلال مبعوثها الخاص للشؤون الإيرانية، روب مالي، كان يبدو واضحاً أنّ العودة للاتفاق سوف تشهد تعقيدات جمة، لا سيما في ظلّ التطورات العديدة والمتباينة التي جرت، إثر الانسحاب "الأحادي" للولايات المتحدة، عام 2018؛ وقد ظهر ذلك مع رفض طهران الاستجابة أو بالأحرى التقدم في المحادثات، طالما لم تقبل واشنطن بشرطها الخاص بـ "رفع كافة العقوبات الاقتصادية".

المحلل السياسي والباحث الإيراني صلاح شريف

كما ربط الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بين مساره الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي وتعديل سلوك طهران الإقليمي، وكذا وقف برنامجها للصواريخ الباليستية، إضافة إلى ضرورة انخراطها في مفاوضات مع أطراف إقليمية، من بينها السعودية والإمارات.

اقرأ أيضاً: التصعيد الحوثي في مأرب والاتفاق النووي الأمريكي الإيراني.. ما العلاقة؟

ولذلك؛ يشير المحلّل السياسي والباحث الإيراني، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ المحادثات في فيينا، والتي تبحث، فقط، في القضايا الفنية المتصلة بالاتفاق النووي، قد حفلت بـ "دعاية من عدة أطراف، تحديداً روسيا والصين؛ لكن، في الحقيقة، الوضع كان كاشفاً للغاية عن وجود معوقات عديدة؛ إذ إنّ المسار الدبلوماسي الذي يلتزم به بايدن يحمل "أجندة سياسية تفرض على إيران الامتثال إلى جملة شروط مهمة، من بينها أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمتطورة، والتي تسمح لها بسرعة تخصيب اليورانيوم، ما قد يمكّنها من إنتاج القنبلة النووية".

العودة للاتفاق النووي الإيراني ستشهد تعقيدات جمة، لا سيما في ظل التطورات العديدة والمتباينة التي جرت، إثر الانسحاب الأحادي" للولايات المتحدة عام 2018

وتضاف إلى ذلك "مماطلة إيران أمام القبول بالصيغة الجديدة للاتفاق، والتي تفرض عليها مراجعة أجندتها السياسية والخارجية، والانخراط في محادثات لخفض الصراع في عدة مناطق بالإقليم، الأمر الذي تنبذه طهران، ولا يتوقع أن تسعى لتقديم تنازلات بشأنه، كما أنّها تبدو غير جادّة في تنفيذ ذلك، لا سيما مع تصعيدها المستمر والأخير في اليمن والعراق، عبر ميليشياتها، ورفض الحوثيين لقاء مبعوث الأمم المتحدث الخاص، مارتن غريفيث، في العاصمة العمانية، مسقط".

إحياء الاتفاق النووي: الشكوك والمخاطر

مطلع الشهر الحالي، لفت مندوب روسيا لدى المنظمات الدولية فى فيينا، ميخائيل أوليانوف، في تغريدة له على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إلى احتمالية استمرار المحادثات في فيينا لما بعد التاريخ المقرر لها، وهو 21 أيار (مايو) الجاري، وقال: "لا يوجد موعد نهائي للمفاوضات، لكن هناك تاريخ مستهدف هو 21  أيار (مايو)".

وتابع: "يمكننا بالطبع مواصلة المحادثات بعد هذا التاريخ، لكن في مثل هذه الحالة ستكون الشكوك والمخاطر أكبر، من المفيد أن يدرك الجميع ذلك".

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

 

ويعقّب أبو شريف، على ذلك، بأنّ "ضغط الوقت عامل أساسي في إدارة المفاوضات، لا سيما أنّ طهران تحاول المماطلة لحين الانتهاء من انتخاباتها الرئاسية، والتي من المرجّح أن تؤدّي إلى وصول أحد جنرالات الحرس الثوري للرئاسة، ومن ثم، التخلص من وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي أضحى منبوذاً، وقد فاقم التسجيل الصوتي المسرّب من الخلافات بينه وبين الحرس الثوريّ، والمرشد الإيرانيّ، علي خامنئي، مع الوضع في الاعتبار أنّ الأخير شدّد على ضرورة ألّا تكون المفاوضات استنزافية وطويلة، إضافة إلى رفع العقوبات الأمريكية دفعة واحدة".

 

يتفق والرأي ذاته، ما ورد في تصريحات الرئيس الأمريكي، يوم الجمعة الماضي، حيث قال إنّ "إيران جادّة بشأن المفاوضات حول برنامجها النووي، لكن ليس من الواضح إلى أيّ مدى، لكنّنا ما نزال نتحاور".

هل تكفي الوساطة الأوروبية؟

كما أكّد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أنّ إدارة بايدن "لا تعرف حتى الآن"، مدى جدية طهران ونواياها بخصوص العودة إلى الاتفاق النووي، وقال: "أظهرنا جدية لجهة الرغبة في العودة إلى الاتفاق النووي، الامتثال مقابل الامتثال"، لافتاً إلى أنّ "إيران كانت في طريق يمكّنها، في غضون أسابيع، من إنتاج مواد انشطارية لسلاح نووي، الأمر الذي لا يترك لنا أيّ وقت لفعل أي شيء حيال ذلك"، وقد شدّد على أنّ الاتفاق "وضع قيوداً على برنامجهم النووي، وقطع مساراتهم لإنتاج المواد الانشطارية لسلاح نووي".

الباحث محمود أبو القاسم لـ"حفريات": مهما قدمت الولايات المتحدة لإيران من إغراءات؛ فإنّ واشنطن في تقدير النخبة الحاكمة السياسية والعسكرية بإيران، ليست حليفاً موثوقاً به

إذاً، تنطوي عودة واشنطن للاتفاق النووي على عدة مخاطر، بحسب الدكتور محمود أبو القاسم، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، والذي يرى أنّ تلك المخاطر ستتفاقم في حال "لم تؤخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة في المشهدين الإقليمي والدولي"، مضيفاً لـ "حفريات": "مهما قدمت الولايات المتحدة لإيران من إغراءات أو حوافز لإعادة هيكلة العلاقة معها، أو ضبط التفاعلات الخاصة بها؛ فإنّ الولايات المتحدة، في تقدير النخبة الحاكمة السياسية والعسكرية بإيران، ليست حليفاً موثوقاً به، وهذا الأمر راكمته عقود من العداء السياسي والأيديولوجي، وأصبحت مؤسسة، بصورة واضحة، ولن تتمكّن واشنطن، ما بقي هذا النظام، من تحقيق اختراق ثقافي أو اقتصادي مع إيران، كما أتاحت بكين وموسكو لإيران بديلاً يمكن الاعتماد عليه في إطار الصراع الجيوسياسي بين القوى الدولية المتنافسة في النظام الدولي".

وعلى ما يبدو، أنّ "إدارة بايدن قد وضعت حداً لإستراتيجية الضغوط القصوى، واستبدلت المواجهة مع إيران بإبداء الرغبة في إحياء المسار الدبلوماسي، ومن ثمّ فإنّ رهان النظام الإيراني على رحيل ترامب، وتغير وجهة السياسة الأمريكية قد أثمر نتائج إيجابية، لكنّ إدارة بايدن تأخذ في اعتبارها تطورات وعوامل مهمة، تحول دون عودة تلقائية للاتفاق النووي، أو الاتجاه لرفع العقوبات، بل إن ثمة رغبة أمريكية في أن تكون العودة للاتفاق بمثابة أرضية لمعالجة شاملة لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، وهنا يظهر التباين في المواقف بين الجانبين" يقول أبو القاسم.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تخشى طموح إيران الإقليمي أكثر من "النووي"

ويشدّد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني على أنّ إدارة بايدن سوف تتمسك بشروطها للعودة للاتفاق، وهو ما سوف ترفضه إيران على الأرجح، بالتالي، سوف يتجه النظام الإيراني لـ "خياره التاريخي"، والمتمثل في "سياسة المواجهة ومقاومة الضغوط، وعدم قبول المفاوضات وفق الشروط التي تفرضها إدارة بايدن، باعتبار أنّ مقاومة الضغوط أصبحت مع مرور الزمن إستراتيجية إيرانية أساسية؛ إذ يرى النظام أنّه، على مدى أربعة عقود، تمكن من التعايش مع ضغوط خارجية متنوعة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية