ماذا يعني ظهور البغدادي بعد خمسة أعوام من الاختفاء؟

ماذا يعني ظهور البغدادي بعد خمسة أعوام من الاختفاء؟


30/04/2019

بعد مرور ما يقرب من خمسة أعوام على ظهوره في مسجد نوري بالموصل، وقد سيطر عليه الزهوّ وتقمّص شخصية "خليفة المسلمين"، ظهر أبو بكر البغدادي مجدداً، أمس، في شريط مصور بثته وكالة "الفرقان"، أحد أذرع التنظيم الإعلامية.

الإصدار أظهر البغدادي بحالة صحية جيدة، مرتدياً جلباباً، وواقي رصاص، يستند إلى "كلاشينكوف" في الخلفية، ويفترش الأرض، ومعه ثلاثة من معاونيه، وقد حرصوا على إخفاء وجوههم.

الرسالة المركزية التي حاول البغدادي إيصالها أنّه ما يزال على قيد الحياة، وعلى رأس التنظيم ويباشر مهامه

المشهد كلّه بدا استنساخاً لمشهد بن لادن والظواهري في إطلالات مشابهة؛ ما يعني أنّ التنظيم ربما يستعيد حالة "القاعدة"، ويتخلى عن فكرة "الدولة"، رغم هذا المشهد البائس لأحد مساعديه في نهاية الفيديو، وهو يعرض عليه ملفات متتالية عن كلّ ولاية من ولايات التنظيم الوهمية، كما يروق للتنظيم أن يسمّي فروعه أو عناصره في البلدان المختلفة.

الرسالة المركزية التي حاول البغدادي أن يوصلها، في تقديري، أنّه ما يزال على قيد الحياة، وعلى رأس التنظيم، يباشر مهامه، ويبث خطاب الاتحاد للأمة، يستعرض فيه أحوال خلافته المنهارة!

ظهور البغدادي بهذه الهيئة ينسف فكرة تنقّله بين أكثر من مكان تحت القصف، وما يرتبط بذلك من صعوبات في العيش، كان من الممكن أن تنعكس على حالته الصحية أو الحيوية، بما يشي ربما أنّه في مكان آمن تماماً بعيداً عن مسارح العمليات.

اقرأ أيضاً: البغدادي يعود من جديد

إقدامه على بثّ شريط مصور يعني مخاطرة بأمنه الشخصي؛ حيث ساهمت شرائط بن لادن في تحديد مكانه والوصول إليه، وتقنيات التعقب أصبحت أسهل الآن، فلماذا أقدم البغدادي على هذا المخاطرة، وهو يعلم تداعياتها على أمنه الشخصي؟

إنّه أمر أهم، يتعلق ببقاء التنظيم والحصول على دماء جديدة، تضمن استمرار مسيرة التنظيم؛ فمن المعلوم أنّه في تلك التنظيمات لا تقبل ولاية المجهول أو الغائب، ويبدو أنّ بيعة بعض الأماكن، كفرعَي بوركينا فاسو ومالي، اللذين ذكرهما في كلمته، ومعهما سريلانكا، كانت متوقفة على هذه الإطلالة التي تؤكد حياة الرجل وقيادته للتنظيم.

اقرأ أيضاً: 25 مليون دولار جائزة من يدل على البغدادي.. من أعلن عنها؟

الكلمة رغم تضمّنها العديد من الرسائل، إلا أنّ أهمّ رسالة في هذا الشريط، والتي قدم لها بأنّ المعركة طويلة، وأنّ الله أمر المسلمين بالجهاد، ولم يأمرهم بالنصر، لا تؤكد سوى إقرار بالهزيمة والاندحار وتهيئة عناصره لاستئناف ما سماها "حروب الاستنزاف"، التي تعني عودة التنظيم إلى المرحلة الأولى، التي بدأ بها، وهي التي تسمى في أدبياته "شوكة النكاية والإنهاك"، وتعتمد عمليات عنف وحشية تقوم بها الخلايا المختبئة في سوريا والعراق، أو المملكة العربية السعودية؛ حيث أكد مسؤولية التنظيم عن عملية الزلفى الفاشلة التي استهدفت مقرّ أمن الدولة في الزلفى؛ حيث حثّ عناصر التنظيم على تنفيذ مزيد من الهجمات داخل السعودية، التي سجلت أجهزتها الأمنية، حتى الآن، نجاحاً لافتاً في مواجهة عناصر التنظيم، عبر عمليات استباقية تؤكد حيوية الجهاز الأمني مقارنة بمجموعات التنظيم اليائسة، خصوصاً أّنّ الحرب مع التنظيم الآن هي حرب معلومات بالأساس.

اقرأ أيضاً: "كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي"... قادة في داعش يدعون لقتل أبو بكر وأعوانه

روّج البعض لهجمات سريلانكا، باعتبارها ثأراً لمسلمي نيوزلندا، وحادث المسجدين، لكنّ البغدادي يؤكد في هذا الشريط؛ أنّ تفجيرات سريلانكا هي ثأر لما حدث في الباغوز؛ حيث يبدو أنّ هذه المعركة أثرت في معنوياته كثيراً، والهزيمة التي واجهها التنظيم نجحت في إبادة العديد من أركانه، الذين شكرهم بالاسم، سواء من قيادات العسكر؛ كأبي عبد الرحمن التميمي، وأبي هاجر العراقي، وأبي الوليد السيناوي، وعبد الغني العراقي، وأبي مصعب الحجازي، إضافة إلى شكره لعناصر الإعلام والشرعيين.

تبدو معركة الباغوز من المعارك المصيرية التي ذكرها ضمن عدد من المعارك؛ كالموصل وسرت وبيجي، في تأكيد على أنّ تلك المعارك كانت قاصمة لظهر التنظيم، ونقله من مساحة الإمساك برقعة من الأرض والقدرة على الدفاع عنها، إلى استعادة فكرة النكاية والإنهاك، بما تعنيه من انقسام التنظيم إلى مجموعات صغيرة تنتشر، أو بالأحرى تختبئ، في انتظار تكليف بعملية هنا أو هناك، من الجهاز الأمني للتنظيم.

اقرأ أيضاً: الانقلاب على البغدادي ومحاولة اغتياله.. تفاصيل

لم يعد البغدادي يهتم بأمر المسلمين، ولم يعد يحرص على تملقهم أو إبداء أيّ قدر من التعاطف معهم، بقدر تعاطفه مع التنظيم ونكبته؛ إذ تنضح من كلامه كراهية خفية لهؤلاء الذين خذلوه، لذلك عندما عطف في الحديث عن السودان والجزائر، حرص على تقريع الجموع هناك، ولمزهم بوضوح بأنهم؛ ما لم يرفعوا راية الجهاد فهم يستبدلون طاغوتاً بطاغوت.

حاول البغدادي صرف الانتباه عن الفشل الذي واجهه في سوريا والعراق، بالحديث عن 92 عملية، في ثماني دول، سمّاها "معارك الاستنزاف"؛ ما يعني إقراره بأنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة عمليات من هذا النوع عبر ساحة واسعة من العالم.

حديث البغدادي عن ليبيا، وامتداحه سيطرة عناصر التنظيم على بلدة الفقهاء، رغم اعترافه بانسحابهم منها، يؤكّد أنّ ليبيا ما تزال حاضرة في وعي التنظيم وخططه، خاصة في ظلّ اشتعال صراع جديد داخلها، يجعل البيئة في ليبيا مهيأة لبروز التنظيم من جديد، فيبدو أنّ فرع التنظيم ما يزال يناوش في انتظار اللحظة المناسبة، خصوصاً مع استمرار خطوط إمداده موصولة عبر دول الساحل الإفريقي والحركات المتعاونة.

حديث البغدادي عن ليبيا يؤكّد أنّها ما تزال حاضرة في وعي التنظيم وخططه، والبيئة فيها مهيأة لبروز التنظيم من جديد

التنظيم يعود بعد خمسة أعوام من ظهوره لمربع القاعدة، في إطلاق ما سمّاه أبو مصعب السوري "سرايا المقاومة الإسلامية العالمية"، بمعنى انقسام العناصر وانتشارهم حول العالم، وعدم الحرص على إقامة دولة، أو البقاء في مربع يساعد على إبادتهم واستئصال شأفتهم، وهو ما أكده البغدادي بالحديث عن الاستنزاف أو النكاية.

الأهم في رسالة البغدادي المصورة؛ أنّه حاول الإيحاء باستمرار وجود التنظيم وتمكّنه، لكنّ إخفاء وجوه القيادات كان دالاً على أنّه لم يعد يحتمل غياب المزيد منهم، والكلمة بمجملها محاولة لتأكيد رفع راية التنظيم، لرفده بالمزيد من العناصر، لتعويض النزيف الضخم الذي واجهه.

لكنّ ذلك لا يعني أنّ التنظيم لم يعد خطراً؛ فبطبيعة الحال، تنظيم مهزوم لا يملك ما يخسره، قد يكون أخطر بكثير من تنظيم يسيطر على موارد في دولة، ويلجأ للسياسة أحياناً، ولتقاطع المصالح، ليبقى ويتمدّد كما كان يرفع شعاره.

الآن، داعش لم تعد باقية وتتمدّد، بل فانية وتتشظى، وتبقى الحاجة ملحة إلى حصار شظايا الاندحار في أكثر من دولة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية